كيف أتخلص من الشعور بالحزن؟
2020-07-12 03:30:50 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي مشكلتان أرجو أن تخبروني بحلهما.
أنا طالبة جامعية في السنة الأخيرة من كلية الهندسة، يكون لدينا مشروع ننفذه ونناقشه مرتين فشه ثلاة وسبعة.
المناقشة الأولى تركت أثرا سيئا في قلبي حتى الآن، وصرت كلما أعمل على المشروع لا أرى أمامي إلا الحزن القادم، ففي المناقشة الأولى كنا قد وصلنا إلى نتائج جيدة جدا، أما الآن فنحن نسعي كثيرا والله - أو هذا ما أظن ولم أعد أعلم هل أنا أسعي حقا أم أخدع نفسي-، ولكن لا توجد أية نتائج، وأنا خائفة من المناقشة الثانية، لما أشعر أنه سيلحقني بعدها من حزن شديد على أثر كلام محبط، أوقن بأنه سيقال لنا، مثل التقليل من سعينا، أريد أن أتخلص من هذا الخوف ولو حدث، فأريد أن أقوي قلبي، فلا يقع في الحزن.
أشعر بأن قلبي صار أسود يحقد على الأصدقاء، فأصدقكم بما في داخلي وأن كان شيئا يُحتقر، ولكني أريد حلا: تأتيني أفكار أنهم لا يتعبون مثلنا ويصلون إلى نتائج، وقد خرجوا في المرة الأولى سعداء في الوقت الذي كنت أكتم فيه حزني، هذا الحقد كيف أقتلعه، أؤمن بأن الأرزاق بيد الله، ولكني لا أعلم كيف أقتلع هذا الفساد من قلبي، وصرت لا أستطيع التحدث مع صديقتي من هذه المجموعة بسبب هذا الحاجز، ولا أعلم كيف أكسره؟
ختاما، كيف أحصن نفسي من أن تكون كلمة البشر هي التي تشقيني أو تسعدني؟ وكيف أرضى وأسعد مهما كانت النتيجة؟ وكيف أطمئن لله وإنه سيرضيني حتى وإن كانت كل أسباب الدنيا تقول غير هذا؟ وهل هذا أصلا صحيح؟ كيف أحسن الظن بالله دوما؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا وسهلاً بك، وسررت كثيراً لاستشارتكِ لنا، وأدعو الله أن تكوني من المُهندسات اللواتي لهن بصمة مُميزة في هذا المجال الجميل.
• بداية لم أفهم لماذا المناقشة الأولى قد تركتْ أثراً سلبياً على نفسك بالرغم من وصولكم حينها إلى نتائج جيدة جداً، كنت أفضل لو ذكرتِ لنا السبب، لأستطيع فهم الأمور بشكل أعمق وإفادتك بنصائح عملية أكثر.
• فيما يخص تخوفك من المناقشة الحالية، وتحديداً نقطة عدم وصولك إلى نتائج لحد الآن بالرغم من سعيك لذلك، أقترح عليك أن تتواصلي مع مشرفك لتسأليه عن أسباب عدم خروج أية نتائج، فوظيفته أن يساعد طلابه ويقدم لهم العون أو على الأقل سيعطي لكِ طرف الخيط، ولا تنسي أن الأستاذ بطبيعته يحب الطالب الذي يطرح الأسئلة، فهذا بلا شك يشير إلى اهتمام الطالب بالعلم، ومن بعد معاونته لك من المؤكد أنك ستستطيعين إكمال العمل على المشروع بنفسية مختلفة وستحصلين على نتائج جيدة.
• تخوفك من توجيه النقد إليك بعد المناقشة هو شعور طبيعي قد ينتاب أي طالب بالمواقف المشابهة، فالتقديم الجماعي والمناقشة العلمية لهم رهبتهم، ومن الطبيعي أننا جميعاً قد نتخوف من النقد أو أية كلمات سلبية قد تُوجه إلينا وتُقلّل من سعينا، ولكن حتى نخفف من أهميتها وأثرها على نفسيتنا علينا التفكير في الموضوع من زاوية أخرى، وهي:
- أنّ هذا النقد إنْ كان من الأساتذة فهو شيء عادي جداً ولا ينفي تقدير الأستاذ لعمل الطالب، فأحياناً بعض دكاترة الجامعة والأساتذة يعتمدون على أسلوب النقد اعتقادا منهم أن هذا الأسلوب يحفز الطالب على المزيد من العمل، ومنهم من يعتقد خاطئاً أن أسلوب نقد الطالب دليل على مدى خبرته العلمية، ولكن انتبهي إلى أن كل هذه الأمور هي لا تخص شخصك، وعليك أن تتقبليها بروح رياضية بعيداً عن إسقاطها على نفسك، ودعيني أشاركك بعضاً من ذكرياتي الجامعية، أتذكر جيداً عندما كنت أحضَرُ مناقشة بعض رسائل الماجستير لزملائي, ففي بداية الأمر كنت أستغرب كيف تنقد لجنة الحكم الطالب بأسلوب فيه بعض القسوة، ولكن الأهم من كل ذلك، أن الطلاب عموما كانوا يأخذون ذلك بتجرد عن ذاتهم، وعندما ينتهون ويحصلون على درجة جيدة في الماجستير وأحيانا درجة الشرف، تغمرهم كامل الفرحة، وترينهم يضحكون مع ذات اللجنة والدكاترة الذين قسوا عليهم في أسلوبهم، وهذا تماماً ما أريدك أن تدركيه، النقد هو شيء طبيعي بعملية التعليم، ولكن الأهم من ذلك أن تثبتي للحضور تميز شخصيتك وثقتك بنفسك وأسلوبك الجميل في طرح المعلومة مع حلاوة روحك، هذا الذي يبقى في أذهان الدكاترة والطلاب.
• بخصوص تخوفك من مناقشتك القريبة، أنصحك أن تستحضري جميع ذكرياتك ورصيدك الحياتي الإيجابي في سنوات دراستك السابقة، وركزي على أية تجربة مناقشة أو مشاركة بالمحاضرات قد قمتِ بها وتلقيت بعدها مديحاً من أحد الأساتذة أو الطلاب، فهذا سيساعدك جداً في رفع معنوياتك وتعزيز ثقتك بنفسك لتكوني جاهزة لتقديم المناقشة الحالية وأنت بكامل الثقة.
• يوجد نقطة أرى من المهم الإشارة إليها، جميعنا قد طمحنا عندما كنا طلاباً في الجامعة أن نكون مميزين، ولكن التميز حقيقة ليس له علاقة قوية بمعدلات التخرج أو مشروع التخرج على قدر ارتباطه بما بعد التخرج، فجميعكم في القسم ستتخرجون من الجامعة، وسيطلق عليكم لقب المهندس، ولكن التميز الحقيقي سيبدأ من لحظة التخرج، عندما يدخل الخريج الجامعي إلى سوق العمل أو الحياة المهنية العملية، حينها لن تجدي من يسألكِ عن معدلك بقدر سؤاله عن مهاراتك وكفاءتك وسيرتك الذاتية، إضافة إلى نمط شخصيتك ومهاراتك الاجتماعية واللغوية وتميزك العلمي في أفكارك التي عليك أن تثبتي تميزها على أرض الواقع، أي: عليك التركيز من الآن على تميزك الشخصي والعلمي فهذا فعلياً ما يساعدك على ترك بصمة لنفسك مختلفة ومميزة عن بصمات زملائك.
• أما فيما يخص شعور الحقد الذي تشعرين به أحيانا، فأشكرك على صراحتك، ورغبتك بالتخلص منه هي شيء جميل وتدل على معدنك الجميل، برأيي الحل يكمن في تركيزك على نفسك وشخصيتك وتميزك، فكلّما ركزتِ على بصمتك المختلفة بين زملائك والناس عموماً، كلّما خفّ تفكيرك تلقائيا بزملائك وما يحصلون عليه من نتائج أو مديح، أي حاولي أن تفكري مع نفسك أنك بالرغم من خوفك إلّا أن حضورك وشخصيتك ستتغلب على هذا الخوف (الذي هو بالأساس طبيعي في هذه المواقف)، وان تفكيرك بتميزك الذي تحدثنا عنه في النقطة السابقة هو الذي سيجعلك تتصالحين ذاتيا مع الآخرين ونجاحاتهم.
• أما فيما يخص نقطة تأثرك بالبشر، تارة تشعرين بالشقاوة وتارة بالسعادة متأثرة منهم، فحاولي كلّما شعرت بذلك أن تفكري مع نفسك أن الله تعالى قد خلق لكل منا بصمته وتميزه وقوته، وعلينا نحن يقع عاتق المسؤولية في اكتشاف هذه القوة الداخلية لدينا وأن نتمسك بها، وأن نتأكد بيقيننا أن رب العالمين معنا بكل الأوقات وبأصعب المواقف، وأن تركزي بتفكيرك أيضاً على أنك الوحيدة المسؤولة عن قيادة مزاجك وسعادتك وتعاستك، حينها لن تعودي تتأثرين بالبشر بكل سهولة، ولن يتمكنوا من مضايقتك إن لم تسمحي بذلك، فطاقتك وتفكيرك كلهم منصرفة حول دورك بالحياة وتأثيرك الإيجابي بمحيطك.
• أخيراً فيما يخص نقطة "كيف تُحسنين الظن بالله دائماً" فيكفي أن تتذكري الحديث القدسي الذي يقول: (أنا عند ظنّ عبدي بي فليظن بي ما شاء), لتُدركي أنه طالما تُحسنين الظن بالله تعالى فستكون النتائج عند توقعك وظنك الجميل، وستشعرين حينها بالرضا عنها وعن نفسك.
وهنا سأترك لك رابطاً تستطيعين من خلاله الغوص أكثر في المعاني المختلفة الجميلة لهذا الحديث:
https://www.islamweb.net/ar/article/38161/%D8%A3%D9%86%D8%A7-%D8%B9%D9%86%D8%AF-%D8%B8%D9%86-%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D9%8A-%D8%A8%D9%8A
ختاماً: أدعو لكِ براحة البال والقلب، وأتمنى أن لا تترددي في مُراسلتنا مجدداً في حال وجود أية استفسارات أخرى وللاطمئنان عنك، دمتِ برعاية الله.