طلقني طلاقاً تعسفياً ظلمني فيه، فكيف أنسى ما حدث؟
2024-04-02 02:20:55 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيراً، وجعل عملكم هذا في ميزان حسناتكم.
أنا مطلقة منذ نحو ست سنوات، حيث لم أعش معه أكثر من سنة، وطلقني بعدها بسبب بعض أخطائه القديمة، ولكنه لم يعترف لأحد بهذا ولا لي.
علماً بأني لم يكن يهمني ماضيه، ولكنه قرر كل شيء وحده دون استشارة من أحد، ولكي يبرر سبب الطلاق قام بتأليف قصص سيئة عني لأهله ولأهلي، وفي المحكمة وأثناء الطلاق قال أمام الجميع: إنني أحسن منه، وأنه لا يستحقني، ثم طلقني! وأنا إلى الآن لا أنسى ما حدث، وأعيش الصراع النفسي.
أريد أن أعرف، هل ما حدث هو ظلم لي؟ هل ظلمت أنا منه ولي حق عليه الآن، أم أن الطلاق حلال في كل الأحوال؟ وإذا كان ما حدث ظلماً فكيف أسامحه؟ كيف أعفو؟ كيف أنسى ما حدث؟ أنا أريد أن أسامح ولكن لا أستطيع.
أصبحت مطلقة في مجتمع لا يرحم هذه الكلمة، وحظوظي في الزواج مرة أخرى أصبحت قليلة، علماً بأني لست مستعدة للزواج مرة أخرى، ولا أدعو الله أن يرزقني زوجاً آخر، فأنا أشعر أنه دمر حياتي! كيف أسامحه إذا كان ما حدث هو ظلم لي وأتركه يعيش سعيداً، وأنا ما زلت أتألم بسببه بعد كل هذه السنوات؟
أنا أعيش في صراع داخلي، أريد أن أسامح وأرتاح وأعيش مرتاحة وسعيدة، وبنفس الوقت هناك شيء يمنعني! وإذا قلتم إن ما حدث لي ليس بظلم؛ لأن ربنا -جل جلاله- أحل الطلاق، فكيف يكون الظلم إذاً؟
علماً بأني كنت أستطيع أن أؤذيه بالمقابل وأكثر، ولكني قررت الستر عليه، فأخلاقي لم تسمح لي.
شكراً لكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شيرين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، ونشكر لك التواصل مع موقعك، ونشكر لك حسن الأخلاق والمحافظة على أسرار هذا الزوج الذي قصّر في حقك، والإنسان لا يترك أخلاقه العالية من أجل أخلاق الآخرين، ونسأل الله أن يهدينا جميعًا لأحسن الأخلاق والأعمال، وأن ييسر لك الأمور، وأن يُصلح الأحوال.
لا شك أن ما حصل من هذا الزوج فيه نوع من التقصير، ولا يخلو من الظلم أيضًا، خاصّة تأليفه لقصص سيئة لأهلك أو لأهله، وسوء السمعة بهذه الطريقة، ورغم أنه حاول في أثناء المحكمة أن يذكر ما عندك من إيجابيات وحسنات، إلَّا أنه لم يكن بحاجة لتلك الإساءة أولاً، وعلى كلِّ حال فإن العفو درجة عالية، والمسامحة في مثل هذه الحالة هي التي نُرجّحها، وهي الأعظم أجرًا، والأعظم ثوابًا عند الله تبارك وتعالى.
لا نؤيد فكرة الزهد في مسألة الزواج، فإذا طرق الباب طارقٌ وجاء رجلٌ مناسب، فينبغي أن تُكملي حياتك بطريقة طبيعية وبطريقة صحيحة، فللنساء خلق الله الرجال، وللرجال خلق الله النساء، بل إن دخولك في تجربة جديدة، ورغبتك في الزواج؛ ممَّا يُنسيك تلك التجربة التي لم تكن بالصورة المطلوبة.
لذلك نتمنّى أن تُسامحي، وأن تُكثري من الدعاء لنفسك، أن تهيئي نفسك لحياة جديدة، يعني: تنظري للحياة بأملٍ جديد وبثقةٍ في ربنا المجيد سبحانه وتعالى، واعلمي أن الزواج رزق، الإنسان لا يستطيع أن يقول (حظوظًا)، أو يقول: (ليس لي حظ)، ولكن عليك أن تلجئي إلى الله، ثم تبذلي الأسباب، ومن الأسباب المشروعة التي تبذلها الفتاة من أجل أن تتزوج – أو المرأة – أن تحشر نفسها في زمرة الصالحات، أن يكون لها أدوار مجتمعية في خدمة الآخرين، أن تُحسن إلى المحتاجين ليكون العظيمُ سبحانه في حاجتها، أن تُكثر من الدعاء واللجوء إلى الله تبارك وتعالى، أن تُظهر بين النساء ما وهبها الله من جمالٍ وأدبٍ وأخلاق، واعلمي أن النساء حولك في هذه التجمُّعات الطيبة؛ منهنَّ من تبحث عن الفاضلات أمثالك لأخيها أو لابنها أو لعمِّها، أو لأي محرمٍ من محارمها.
اعلمي أن الإنسان يسعد بطاعته لله تبارك وتعالى، فالسعادة هي نبع النفوس المؤمنة بالله، الراضية بقضائه وقدره، المواظبة على ذكره وشُكره وحُسن عبادته، واعلمي أنك سترتاحين في حال المسامحة، وفي حال طي تلك الصفحات، وإذا ذكّرك الشيطان بما حصل فأشغلي نفسك بالذِّكر، واعلمي أن هذا العدو (الشيطان) همّه أن يُحزن أهل الإيمان، ونحن نُعانده كما أمرنا الله: {إن الشيطان لكم عدوٌ فاتخذوه عدوًّا}، فإذا ذكّرك الشيطان بما حصل من أجل أن يُعكّر عليك صفو الحياة فأسرعي إلى الاستغفار، والذكر، والدعاء، والإقبال على الله، فإن الشيطان يحزن إذا تبنا، ويندم إذا استغفرنا، ويبكي إذا سجدنا لربنا، فكوني فقيهة، والفقيهة أشدُّ على الشيطان من ألف عابد، وأشغلي نفسك بطاعة الله تبارك وتعالى.
نحن نريد أن نقول حتى لو حصل منه ظلمٌ أو تقصير – وهذا ظاهر – فأنت مظلومة بلا شك، ولكن في كل الأحوال العفو هو أعلى الدرجات، وفيه العافية، وفيه الخير، وفيه راحة النفس، وأنت ولله الحمد صبرت وسترت على الرجل، فتُشكرين على هذا في الدنيا وتوفيقًا من الله، وستجدين الثواب والأجر عند الله تبارك وتعالى.
هذه العبارة فعلًا عبارة جميلة نشكرك عليها: (كنت أستطيع أن أؤذيه بالمقابل وأكثر، ولكنني قررت الستر عليه، فأخلاقي لم تسمح لي)، ونحن أيضًا نشكر لك شكرًا جزيلاً هذه الأخلاق العالية، ونسأل الله أن يثبتك على هذه الكمالات، ونسعد بتواصلك مع موقعك، وندعوك إلى أن تُقبلي على الحياة مرة أخرى – كما قلنا – بأملٍ جديد وبثقةٍ في ربنا المجيد، واعلمي أننا خُلقنا لغاية: {وما خلقتُ الجنّ والإنس إلّا ليعبدونِ}، وأن السعادة لا ترتبط بالزواج أو بعدم الزواج أو بالأموال؛ لأن السعادة والطمأنينة هي هبةٌ من الله تبارك وتعالى.
نسأل الله أن يُنزل عليك سكينته ورحمته، وأن يكتب لنا ولك التوفيق والسداد.