صديقي يشكو من أن شخصيته مدمرة بسبب قسوة أبيه!
2020-05-19 02:09:33 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول صديقي إن والده لا يعرف شيئًا عن معنى الأبوة، وإن هذا الأمر دمر شخصيته، فلماذا -ونحن لم نختر أن نكون في هذه الحياة- قد نعاني من آباء قساة، وما إلى ذلك من الأشياء التي لم نخترها، بل نجبر عليها؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
- بارك الله فيك ومرحبا بك، وجزاك الله خيرا لتفضلك في الاستشارة عن صديقك، وهذا دليل حسن الدين والخلق والأخوة، فشكر الله لك وأثابك.
- وأما بالنسبة لصديقك، فأسأل الله يفرج همه ويصلح والده، ويرزق صديقك عظيم الصبر والأجر والتوفيق والحكمة والسداد، وينبغي أن يعلم صديقك بالنسبة لموضوع تدمير طبيعة أبيه القاسية جدا لشخصيته لقسوته وعدم عاطفته، فيمكن تلخيص الحل في التالي:
- تفهم سبب هذا الخلل يسهم في العلاج (إذا عرف السبب بطل العجب)؛ كون هذا الجفاء، وهذه الفظاظة والغلظة والقسوة خلاف الأصل والطبيعة البشرية والفطرة السليمة، إذ الأصل أن الوالدين من أشد الناس رحمة بأبنائهم، فالوالد يرجو لهم أحسن مما يرجوه لنفسه، فإذا وجدنا من يخرج عن ذلك، فلاختلالات نفسية وبيئية وعقلية ونحوها، كما هو شأن بيئة بعض عرب الجاهلية قبل البعثة النبوية، فينبغي مساعدته بالحوار والإقناع في التخلص من ضغوطاتها وعقدها سلمه الله، فقد صح عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ) رواه البخاري ومسلم.
- ينبغي لصديقك استحضار حكم الشرع الموجب طاعة الوالدين ولو كانوا عصاة، بل ومشركين، بل ومجاهدين أولادهم على الشرك والكفر، فإن الله تعالى قد أمر ببرِّه، والتلطف في معاملته، ولا يستثنى من ذلك إلا الطاعة في المعصية؛ فإنها تحرم على الأولاد أن يفعلوها، قال تعالى:( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) وقال تعالى:(وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
- لزوم خلق الصبر لبر والده والإحسان إليه، وعدم رد الإساءة بمثلها، والابتعاد بالكلية عن كل ما يغضب والده، ويسبب له الانفعال والغضب، من قول أو فعل.
- الحرص والسعي والعمل على هدايته ونصحه بالحكمة والموعظة الحسنة، وذلك بالطرق المناسبة له، كإسماعه شريطاً، أو إهدائه كتاباً، أو التنسيق مع دعاة لزيارته، والتعرف عليه، أو غير ذلك مما يناسب حاله وبيئته، وضرورة الدخول معه في حوار مناسب، ويمكن توسيط بعض عقلاء الأهل أو من أصحابه ممن يأنس منه القبول لديه والتأثير عليه، وينبغي لصديقك أن يشعر والده بمحبته له عبر الطاعة والخدمة له، مع إبداء بعض الشعور من ألمه وحزنه من جفائه بلطف ورفق وحكمة.
- وأما عن سؤاله عن الحكمة في ابتلاء الله تعالى لبعض عباده بآباء على شاكلة والده في القسوة الزائدة، فليعلم أن الراحة المطلقة فحسب في الجنة لمن وفقه الله إليها بالصبر وحسن العقيدة والعمل الصالح، وأما الحياة الدنيا فقد طبعها الله تعالى على البلاء، ليبلونا أينا أحسن عملا ورفعة لدرجاتنا، وتكفيرا لسيئاتنا وخطيئاتنا، وما أعده الله للصابرين من عظيم الثواب والجزاء (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَات وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).
- وجوب تعميق الإيمان بالاستعانة بالله والتوكل عليه وحسن الظن به، ولزوم طاعته {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}، وتعزيز الثقة بالنفس وقوة الإرادة على التحمل، ومحاولة التغيير بتنمية الذات وثقافتك وإيمانك، والقدرات والمواهب والمهارات لتجاوز همومه وتحدياته العلمية العقدية، والعملية الواقعية، وبذلك- بعد توفيق الله - يمكنه تغيير المحنة إلى منحة (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، وقد صح في الحديث: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان) رواه مسلم.
- فضل الإيمان بالقدر والرضا بالقضاء في طرد وساوس الشيطان وتحصيل الراحة النفسية والاطمئنان وتحصيل عون وتوفيق الرحمن (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
- اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء والذكر والاستغفار (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
- أسأل الله أن يرزقنا وإياه الصبر وعظيم الثواب والأجر، والرضا بالقدر، وأن يهدي والده ويصلحه، ويجمع شمل الأسرة الكريمة على محبة وسكن ومودة ورحمة وخير.
والله الموفق والمستعان.