أمي تريد الطلاق، وأنا أحتاج حلا يجمع بين والديّ.

2020-05-05 03:49:32 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم.

أحتاج مساعدتكم لأنني متعبة ومتهالكة نفسيا، حتى أنني لا أستطيع الكلام خشية الإجهاش بالبكاء.

أمي قررت الطلاق بعد 28 سنة زواج، أنا الابنة الكبرى، حاولت التعامل بحكمة وضبط نفس مع الجميع، مع أبي وأمي وإخوتي حتى ألملم ما أستطيع، حيث أن إخوتي وأبي رافضون للطلاق، وأمي مصرة تقول: إنها تكره أبي منذ بداية زواجها به، وإنها تريد أن تشتري راحة بالها؛ لأنها أصبحت تمقت رؤيته، وأصبحت تكره المنزل!

هي إنسانة عصبية وتصرخ بصوت عال، وهذا الأمر يؤثر على ضغطها، فيجعلها تنهار ويغمى عليها، وأبي إنسان هادئ طيب، بسيط، لا يضرب ولا يصرخ، وليس لديه سوى معاشه التقاعدي، في حين أن والدتي ما زالت تعمل وراتبها أعلى، وهي لا تريد لأبي أن يجلس في المنزل بدون عمل، ولكن أبي لا يرغب في العمل، أين سيذهب للعمل بهذا العمر! وهي تعتقد بأنه ليس قوّاما على البيت.

المشكلة معي أني أحاول أن أكون قوية لأجل الجميع، ولكن في داخلي غصة، وأشعر أني وحيدة محتاجة للشعور بالحنان والاستقرار، وأعيش في قلق، لأن والدي ليس لديه مكان للذهاب إليه سوى منزلنا، وفي حال حدث الطلاق ستتشتت العائلة، سيذهب أحدهم مع أبي لمعاونته، وأريد أن أعرف هل تعتبر أنانية منا أن نطلب من أمي فرصة حتى يتغير أبي؟ و-إن شاء الله- ترجع الأمور بشكل سليم.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عهود حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله تعالى: عليك أنت وإخوتك أن تنتدبوا شخصا يكون هو الأقرب لوالدتك تقدره وتصغي لكلامه، ومن ثم يطلب منها جزءا من وقتها، فإن وافقت فأرجو أن يكون الجلوس معها خارج البيت إن أمكن، فإن لم يمكن فلتكن الجلسة معها في غرفة مستقلة بعيدة عن بقية أفراد العائلة، وليكن هذا الشخص قد جهز هدية رمزية، ولتكن هذه الهدية من جميع الأبناء، وليبدأ حديثه بالثناء عليها والدعاء لها وشكرها على ما قدمته لبيتها وأبنائها، وأنهم يقدرون جهدها وتعبها ويبين لها حزنهم على إصرارها على طلب الطلاق، ومن ثم يتبين الأسباب التي تجعلها تصر على طلبها له، ثم يذكرها بأسرتها وتشتت أولادها، ويحثها على الصبر واحتساب الأجر عند الله تعالى.

قد لا يكون السبب الذي تذكره هو السبب الذي يجعلها تطالب بالطلاق، ولكن مع نقاشها وإظهار الإحساس بمعاناتها والاهتمام بحالها قد تبين الأسباب الحقيقية.

لقد مضى على زواجها مدة كبيرة تقرب من ثلاثين عاما، ولو كان السبب أنها تكره زوجها من البداية لكانت قد طلبت الطلاق من وقت مبكر، فإن كانت قد صبرت تلك المدة فصبرها لما تبقى أولى من أن تتشتت أسرتها.

والدتك لخصت مشكلتها مع والدك بنقطتين:
1-تكره والدك من أول زواجها بها.
2- عدم عمل الوالد.

أما قولها إنها لا تطيق رؤيته، فذلك ناتج عن كرهها له، هذا إن كان كلامها صحيحا، ولم يخرج من فمها أثناء غضبها، وأما اعتقادها أنه غير قوام على البيت، فناتج عن مجهودها الكبير في وظيفتها وصرفها على البيت، كون راتب الوالد لا يكفي، والحقيقة أنها غير مكلفة شرعا بالإنفاق على البيت؛ لأن الزوج هو المأمور شرعا بالنفقة، ويمكن أن تعين المرأة زوجها بجزء من المصاريف مقابل السماح لها بالعمل.

الحقيقة أن والدتكم بذلت جهدا كبيرا في تربيتكم والإنفاق عليكم؛ ولذا يجب عليكم جميعا أن تعترفوا لها بذلك، فكلامكم معها وإظهار تقديركم لما قدمته سيهدئ من روعها، وعصبية والدتك ورفع صوتها يبدو أنها بسبب ضغوط العمل، إضافة إلى كونها لم تجد من يعززها بالكلام الطيب، فهي ترى أنها كالذي يحرث في بحر ولو كانت مرتاحة لشعرت بالسعادة.

إذا كان عمرك 27 عاما، أفلا يوجد رجل من إخوانك يعين والديه بعد هذا العمر حتى ولو كان متزوجا؟ فأقل شيء يساهم في تخفيف المعاناة، فإن لم يوجد وكان بالإمكان أن تجد إحدى البنات عملا مناسبا لتعين والديها، فذلك من أفضل ما يتقرب به العبد لله تعالى ويكسب رضاه ورضا الوالدين.

قد تحس الأم أنكم لا تواسونها حتى بالكلمة، كونها متحملة البيت على عاتقها، واكتفى كل واحد منكم بأخذ حقه من طعام وشراب وسكن وما شاكل ذلك، وباقي الوقت يضيعه في الملهيات كعادة الكثير من الأبناء، قد ترى هي ذلك.

لا بد أن تجدوا حلا مناسبا لتجنب الطلاق؛ لأنه لن يرتاح أحد من أمكم ولا والدكم ولا أنتم، ومن ذلك أن تكفوا أمكم مؤنة العمل وتجعلوها ترتاح كما هو حال والدكم.

ومن الحلول إن بقيت مصرة:
1- أن يبتعد والدكم عنها في غرفة مستقلة ولو إلى فترة محددة، حتى تهدأ نفسها دون أن يحصل الطلاق بينهما.
2- إن كان عندكم أخ متزوج أن ينتقل والدكم للسكن معه ولو لفترة محددة، حتى تهدأ أعصابها، ويمكن خلال تلك الفترة محاورتها بالحسنى.

قد تكون الوالدة تتهرب من العلاقة الحميمية ووالدكم يطالبها بذلك، وهي لا تطيقه، وعليه فيمنع والدكم من مطالبتها بذلك لفترة محددة، ويمكن بعد ذلك أن تجدوا حلولا مناسبة لهذا الموضوع.

ليس صحيحا أن يحصل الطلاق، وبالمقابل ليس صحيحا أن تبقى أمكم متحملة للبيت وتتكالب عليها ضغوط العمل وضغوط البيت، فلا بد أن تعينوها وتخففوا عنها، وأنا على يقين أنكم لو خففتم عنها سيتغير قرارها.

تضرعوا بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنتم سجود، وسلوا الله تعالى أن يلين قلبها، وأن يلهمها الرشد ويؤلف بين قلبها وقلب والدكم، وألحوا على الله بالدعاء وأكثروا من دعاء ذي النون (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ)، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

الزموا الاستغفار وأكثروا من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

اهتموا بتقوية إيمان والدتكم من خلال حثها على الذكر والأعمال الصالحة، فقوة الإيمان تحسن السلوك وتهدئ النفس وتولد خشية الله تعالى وتلين القلب.

والدتك تحتاج إلى رقية، لأني أخشى أن يكون ما بينها وبين زوجها حسدا أو غيره، هذا إن كان الأمر كما ذكرت، فانظروا في الطريقة المناسبة لرقيتها حتى لا تتحسس وتظن سوء.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لكم التوفيق، وأن يلين قلب والدتك ويؤلف بينها وبين زوجها، إنه سميع مجيب.

www.islamweb.net