أخاف أن لا يعطيني الله ما أريده، فماذا أفعل؟
2020-04-22 02:51:40 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أنا مررت بتجارب كثيرة من الظلم، ظُلمت في عِرضي من قبل فتاة، فبكيت وسألت الله أن يرد حقي، تفاجأت أن الله رزق الفتاة بزوج وحياة رائعة، وتفوقت في أمور حياتها الأخرى، ولم يرد الله حقي في هذا.
أدعو الله كثيرًا في أمور تخص حياتي من رزق وزواج، وهذا أمر طبيعي، حيث أنه لا خلاف فيه، أنا أدعو الله أن يرزقني بشخص معين رغم أن هذا الشخص لا يحبني، ولا يراني كزوجة، لكن أدعو الله أن يسخر لي قلبه وجوارحه، وأن يرزقني إياه في الحلال، فهل هذا الدعاء جائز ويُقبل، ومن الممكن حدوثه؟ لأن حسب ما أعرف أن الدعاء يغير القدر، وأنه يصعد للسماء، ويتعارك مع القضاء.
لكن استوقفني أن الله لا يغير اللوح المحفوظ، وأنه ما قُدر لا يمكن تغيره، لكن هل القضاء مثل الزواج من الممكن أن يتغير، وأن يأمر الله الملائكة أن تغير نصيبي لهذا الشخص؟ خصوصا أني سمعت أن الله لا يُطلق لسان عبده بالدعاء إلا أراد له الإجابة.
أنا أمر في حالة بحث بهذا الخصوص عن الدعاء والقدر، وقرأت كثيرا من اُستجيبت دعواتهم بخصوص الزواج من شخص معين، ويهزمني اليأس حين أقرأ عن من لم يستجب لهم لسنوات، ولكن أحاول أن لا يخدش هذا إلحاحي في الدعاء، وأعلم أن هناك دعاء يستجاب، وآخر يدفع فيه سوءا، أو يخزن في الآخرة، لكني وبكل ما أوتيت من رغبة أتمنى أن يستجاب دعائي في الدنيا، وأن يجبر الله خاطري فيه، أريد أن أبكي ساجدة لوجهه أشكره لعطائه، هل هذا ممكن؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، ونسأل الله أن يحقق لك المراد، وأن يعينك على طاعته أنه كريم رب العباد، ونسأله تبارك وتعالى أن يصلح الأحوال وأن يحقق لنا ولكم السعادة والآمال.
بالنسبة للمرور بتجارب من الظلم خير لك أن تكوني مظلومة لا ظالمة، وانتقام الله من الظالم قد يتأخر، وقد يكتب أجر وثواب لهذا المظلوم، فارفعي أمرك إلى الله تبارك وتعالى، واعلمي أن العظيم يجيب دعوة المظلوم ولو بعد حين، ولكن قد يدخر للمظلوم ما هو خير فالأمر لله تبارك وتعالى، والسعادة في أن نرضى بما يقدره الله تبارك وتعالى.
أما بالنسبة لمسألة الدعاء: فالدعاء يرد القضاء، لأن الدعاء أيضاً من قضاء الله وقدره، فالله تبارك وتعالى يعني هو الذي قال: ( ادعوني استجب لكم)، وهذا الدعاء من الله تبارك وتعالى، والتوجه إلى الله تبارك وتعالى يستجيبه الله يستحي أن يرده صفرا، أن يرد عبده وأمته صفراً يداه خاويتين، فلذلك استمري أولاً في الدعاء، هذه الوصية الأولى، لا تتوقفي أبداً عن الدعاء لأنك رابحة في كل الأحوال، فما من مسلم أو مسلمة يدعو الله إلا أعطاه الله بها أحدى ثلاث: أما أن يستجيب الله -اعطني كذا فيعطيه- ارزقني فلانا فيرزقها-، وإما أن يدخر له من الأجر والثواب مثله، وإما أن يرد عنه من البلاء النازل أو يكتب له من الأجر مثله، فإذاً حتى قال عمر: إذاً نكثر، قال: الله أكثر.
فأنت في خير، بل من الخير الذي لا يعرفه كثير من الناس، تأخر الإجابة، ليستمر الإلحاح ويستمر الدعاء، فإن الله يحب إلحاح عبده وأمته، يحب تضرعنا (لعلهم يضرعون)، (لعلهم يرجعون)، بل أحياناً نبتلى كما نحن الآن هذه البلوى هذه الجائحة العالمية البلية الكبرى من أجل أن نتضرع من أجل أن نرجع إلى الله تبارك وتعالى، فاستمري في اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، ولكن هذا اللجوء ينبغي أن يكون معه رضى بما يقدر الله تبارك وتعالى، فإن الله تبارك وتعالى من لطفه بالإنسان أن يرضيه بقضائه وقدره، بعض الناس حتى قد يحقق له الله ما يريد لكن لا يرضيه، فلذلك في الاستخارة (واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به) ويصرف عنه شر، ثم رضني، فمسألة الرضا بعد تحقق المراد هذه مرتبة عالية، وهي التي فيها السعادة الحقة بالنسبة للإنسان.
حقيقة لا يرد القضاء إلا الدعاء، والدعاء والقضاء يتعالجان المسألة بمنتهى الوضوح لأن الدعاء أصلاً من قدر الله تبارك وتعالى، والأمر كما قال ابن القيم:( الفقيه هو الذي يرد أقدار الله بأقدار الله تبارك وتعالى)، وربنا العظيم أيضاً لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب، فالهم يعني المسألة تكلم فيها العلماء طويلاً، ولكن من حقك أن تلجئي إلى الله تبارك وتعالى لتطلبي ما تريدين، بشرط أن لا يكون في الدعاء إثم أو قطيعة رحم كما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:" يستجب لأحدكم ما لم يدعو بإثم أو قطيعة رحم ولم يستعجل، قيل يا نبي الله: وما الاستعجال؟ قال: قد دعوت وقد دعوت فلم أرى الله يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويترك الدعاء، وهذا من الشيطان.
لذلك نكرر دعوتنا لك أن تستمري في الدعاء ثم ترضي بما يقدره لك خالق الأرض والسماء، ثم تعلمي أن ما قدره الله هو الخير، لأن الإنسان لا يعرف حتى قال عمر:( لو كشف الحجاب لما تمنى الناس إلا ما قدر لهم)، يعني أي إنسان لو كشف الحجاب لما تمنى ألا ما قدر الله له، لأن الله حجب الشر، ولأن الله حجب ما ليس فيه مصلحة له، فالإنسان أحياناً قد يريد شيئا والله لا يعطيه رحمة به، وشفقة عليه، لأن الله يعلم ونحن لا نعلم سبحانه وتعالى، وكما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: (كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار)، فاجعلي سعادتك فيما يقدر الله تبارك وتعالى.
أما بالنسبة للسجود والإلحاح على الله تبارك وتعالى فتلك مرتبة عالية، فإذا استطعت أن تسجدي وتدمعي بين يدي الله، وتتوجهي إلى الله وتطيلي السجود فأنعم بها من عبادة، فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، نسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، وهذه وصيتنا لك ولأنفسنا بتقوى الله، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.