كيف أحل المشاكل التي بيني وبين زوجي دون تدخل الأهل؟
2020-02-25 02:51:00 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أنا تزوجت منذ 14 سنة زواجاً تقليدياً، وزوجي من بيئة مختلفة، وبسبب طبيعة عمله فإننا ننتقل من مكان إلى آخر، هناك مشاكل كثيرة بيني وبين زوجي، فهو لا يحب أن أناقشه ولا أدافع عن نفسي، ويعتبر هذا تقليلا من احترامي له، رغم علمه أني أحبه ومتعلقة به جداً.
عندما يستفزني أغضب وأثور وأرفع صوتي قليلاً، أريد العيش بسلام معه، وأخشى أن يمل من هذه المشاكل، أسأله أحيانا إن كانت في حياته امرأة أخرى، فيغضب من سؤالي، ومؤخرا أصبح عصبيا جدا، أتقرب منه لأعرف سبب غضبه، وأسأله عن خطئي لأعتذر له، لكنه يبرر تصرفاته بضغط العمل.
أريد أن تتحسن علاقتي به، ولا أستطيع إخبار أهلي حتى لا تتزعزع صورته عندهم، أشيروا علي، ماذا أفعل؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم محمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
فأسأل الله تعالى أن يؤلف بين قلبيكما وأن يرزقكما السعادة وألا يدخل إلى حياتكما أي مكدر، ولعلي أسهم في رأب الصدع وآمل أن تأخذي بتوجيهاتي وتجعليها نصب عينيك، وتقومي بتطبيقها حتى تؤتي ثمارها -إن شاء الله تعالى-.
اعلمي أن ما يصيب العبد في حياته إنما هو وفق قضاء الله وقدره، والعبد يعمل بالأسباب التي توصله لذلك إما سعادة وإما شقاء، يقول تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له اكتب، قال وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.
المؤمن يتقلب بين أجري الشكر والصبر، يقول عليه الصلاة والسلام: (عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ).
قال شَدَّاد بن أَوْس رضي الله عنه: (يَا أَيهَا النَّاس لَا تتهموا الله فِي قَضَائِهِ فَإِن الله لَا يَبْغِي على مُؤمن فَإِذا نزل بأحدكم شَيْء مِمَّا يحب فليحمد الله وَإِذا نزل بِهِ شَيْء يكره فليصبر وليحتسب فَإِن الله عِنْده حسن الثَّوَاب) فأوصيك بالصبر والرضا بما قدره الله لك.
إذا كان سبب نزول البلاء هو الذنوب فإن من أسباب رفع البلاء التوبة، ففي الأثر: (فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة) فعليك أن تفتشي في صفحات حياتك لعلك تتذكرين ذنباً خفياً غفلت عن التوبة منه، فإن لم تتذكري فعليك بالتوبة بشكل عام والإكثار من الاستغفار.
الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم، ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).
احذري من الذنوب وخاصة الخفية منها التي لا يدرك العبد أنها من الذنوب، ومن ذلك الغيبة والنميمة، والتكاسل عن أداء الطاعات والبعد عن ذكر الله تعالى، فمن ثمار الذنوب النكدة، أن يعيش صاحبها في عيشة نكدة، يقول تعالى في كتابه العزيز: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) ويقول تعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وفي الحديث الصحيح: (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) ولا شك أن الحياة الطيبة من أعظم وأجل الأرزاق.
أوصيك أن تجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح، فالحياة السعيدة الطيبة الهادئة لا توهب إلا لمن اتصف بهذه الصفات، يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
طالما وأن أسلوب تعاملك مع زوجك لم يجد نفعا وكانت نتائجه عكسية، فأوصيك أن تغيري أسلوبك تغييرا جذريا، وعليك أن تقدري الظروف التي يمر بها زوجك طالما وهو يقول لك أن ما يحصل بسبب ضغط العمل، خاصة وأن مواقع عمله تتغير فهذا لا يشعره بالاستقرار.
أوقفي مناقشته خاصة في الأوقات التي يكون فيها غير مستعد ولا متأهب لذلك، واجتهدي في توفير الأجواء الهادئة لراحته وسعادته خاصة بعد عودته مجهدا من العمل، وأحسني من استقباله، وتفنني في إعداد الطعام الذي يحبه.
أحسني من توديعه في حال خروجه للعمل وأعدي له ما يحتاجه من طعام في البيت وما يحتاج له في العمل، واجعلي وجهك بشوشا ضحوكا داعية له بالتوفيق، ولا تهملي نفسك وكوني دائما بأبهى حلة، وغضي الطرف عن بعض الهفوات التي قد تحصل منه خاصة في المرحلة الأولى من التغيير، فحين يجد أسلوبك قد تغير فسيتغير هو كذلك تبعا لتغيرك.
اعلمي أن كثرة المشاكل تفسد الحياة، وأن المحاسبة على كل صغيرة وكبيرة تضيق الصدر، فنحن كلنا نقع في الأخطاء، والحياة الزوجية تحتاج إلى صبر وتقدير المصالح والمفاسد، والنظر في مستقبل الأبناء.
أشغلي نفسك بالأعمال المفيدة في البيت وخارجه، وابتعدي عن الضغوطات النفسية، وانظري إلى الصفات الجميلة في زوجك وعظميها في نفسك، ولا تلتفتي إلى الأخطاء والزلات، وأصلحي من نفسك وغيري صفاتك إلى الأحسن، واطلبي من زوجك أن يقومك ويصحح أخطاءك ولا تستنكفي من نقده، والأصل أن على كل من الزوجين أن يتكيف مع صفات الآخر إن لم يستطع تعديلها، والمرأة مطالبة بذلك بشكل أخص.
لعلك تدركين أن حق الزوج عظيم وهذا لا يعني أنه ليس لك حق، لكن حق الزوج على زوجته أعظم يدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه )، وقال: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت)، ( لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح أن يسجد بشر لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، والذي نفسي بيده لو أن من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم أقبلت تلحسه ما أدت حقه )، ( ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة الودود الولود العؤود على زوجها التي إذا آذت أو أوذيت جاءت حتى تأخذ بيد زوجها ثم تقول والله لا أذوق غمضا حتى ترضى )، ( اثنان لا تجاوز صلاتهما رءوسهما: عبد آبق من مواليه حتى يرجع، وامرأة عصت زوجها حتى ترجع ) لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا، إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه، قاتلك الله، فإنما هو عندك دخيل؛ يوشك أن يفارقك إلينا ) فعن الحصين بن محصن - رضي الله عنه - قال: أتت عمتي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حاجة، ففرغت من حاجتها، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " أذات زوج أنت؟ " ، قالت: نعم ، قال: " كيف أنت له؟ " ، قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه ، قال: " فانظري أين أنت منه ، فإنما هو جنتك ونارك ".
قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، لذا فتضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة وتحيني أوقات الإجابة، وسلي الله تعالى أن يصلح زوجك وأن يلهمه الرشد وأن يلين قلبه نحوك، وداومي على الدعاء ولا تستبطئي الإجابة، وكوني على يقين أن الله لن يرد يديك صفرا.
أدي ما افترض الله عليك وخاصة الصلاة، وأكثري من النوافل وحافظي على أذكار اليوم والليلة وأكثري من تلاوة القرآن الكريم فذلك من أسباب انشراح الصدر وطمأنينة القلب.
اجتنبي كل ما يغضب زوجك أو يغير مزاجه وتصبري، فإنما الصبر بالتصبر، واحذري من الغضب فإنه رأس كل بلية.
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يسعدك وأن يقر عينيك بصلاح زوجك إنه سميع مجيب.