تشجيع الأهل أولادهم على الكذب.. كيف نعالجه؟
2005-09-20 13:59:15 | إسلام ويب
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة من الله تعالى وبركاته، أما بعد:
فأواجه مشاكل كثيرة في بيتي، أولها مساندة والديّ للأعمال غير الصالحة، أقصد أن كل ما يرونه مني من تستر (لبس الحجاب الإسلامي وستر سائر البدن)، وأيضاً رفضي لأن يكون إخوتي يتصفون بالكذب أو أن يتعاملوا بالكذب كي يصلوا إلى مطلبهم، فأنا أمقت الكذب والكذابين، بل لا أثق بهم ولا أود أن أجالسهم، فما بالك بأن أجلس مع إخوتي الذين يكذبون على أهلهم؟!
أختي الصغيرة كثيرة الكذب، وأعرف كذبها وأشكو الحال لأمي فتقول لي: "إن لم تكذب أختك فلن يشتري لها أبوها ما تريد" كيف لأم أن تقول هذا وأمامها! أمام أختي، كيف تشجعها على الخطأ! وباتت أمي غاضبة وناقمة علي، فقط لأن مدللتها الصغيرة قد تألمت من غضبي العارم عليها! وطلبت مني أن لا أتدخل في شؤونها! كيف لها أن تظهرني بصورة المرأة القاسية والمتجبرة! وهل أخطأت عندما غضبت عليها (على أختي)؟ أليس علي إن رأيت الخطأ أن أغيره بيدي أو بلساني؟ وهل أذنبت؟ وأي ذنب قبيح قد اقترفته؟ ما إن لبست الحجاب حتى انقلبوا علي، قلت لأمي: "أنا أيضاً مسؤولة ولي الحق بل وكل الحق إن رأيت خطأ أن أصلحه"، قالت لي: "لا دخل لك بها، وهل اقترفت إثماً؟" كيف لها أن تقول أن الكذب ليس إثماً؟
لا أستبعد أن تكذب أمي، ولا أستبعد أن يكذب أبي، ولا أستبعد أن يكذب كل من هو موجود بالمنزل! فأثق بمن؟ ماذا أفعل الآن؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
نسأل الله العظيم أن يحفظك ويسدد خطاك، وأن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا.. وبعد،،،
فإن كراهيتك للكذب دليلٌ على سلامة فطرتك، وبرهانٌ على ما في نفسك من الحرص على الخير، فزادك الله حرصاً وتوفيقاً، وكثّر في فتياتنا من أمثالك.
وأرجو أن تعلمي أن مثل هذه الأم لا مصلحة في الشكوى لها، فاحرصي على بناء جسور الثقة مع أختك الصغرى، وقبّحي الكذب في عينها، ويبِّني لها أن (( لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ))[آل عمران:61]، وأن المؤمنة لا يصلح أن تكون كذابة؛ لـ(أن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الإنسان يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)، وكان العرب يكرهون الكذب حتى في جاهليتهم، ولذلك لما سُئل أبو سفيان عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أنني خشيت أن تؤثر عني كذبة لكذبت) فلم يكذب في شهادته مع شدة عداوته للرسول صلى الله عليه وسلم آنذاك، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا علم عن أحد كذبة يتغير عليه حتى يعلم أنه أحدث توبة).
ولست أدري كم هو عمر هذه الأخت! لأن الطفلة الصغيرة جداً إذا أخبرت بخلاف الحقيقة فإن ذلك لا يسمى للوهلة الأولى كذباً، ولكن مع التشجيع والضحك والاستحسان يعتاد الطفل على الكذب رغبةً في إضحاك الناس، أو طمعاً في الظهور، أو تعبيراً عن الخلل في الجانب العاطفي، أو لينجو من العقوبة.
والإنسان لا يدخل معركة في كل الجبهات ويخسر الصديقات والأخوات ويُغضب الآباء والأمهات، ولكن عليك بالرفق فإنه يوصل إلى الخير، وما دخل في شيء إلا زانه، ولا نُزع من شيء إلا شانه.
ولابد من استخدام الحكمة مع الكبير والصغير، وعليك بإظهار الاحترام لوالديك؛ حتى يعرفوا أن الدين يهذب الإنسان، واجعلي نصحك لهم برفقٍ وأدب، واحرصي على رضاهما وإحسان صحبتهما في كل الأحوال، ونوصيك بالتدرج في الإصلاح؛ فإن الناس إذا حملناهم على الحق جملة رفضوه جملة، ولكن خطوة بعد أخرى، وتركيزاً على الجوانب الهامة مثل الصلاة وتلاوة القرآن وغرس شجرة الإيمان، وسوف تظهر بعد ذلك أطيب الثمار.
وعليك بالنصح لهم في السر؛ فإن النصيحة أمام الناس فضيحة يصعب على الإنسان قبولها، والشيطان يحرضه على الرفض ويدعوه للعناد والمكابرة، فلا تعيني الشيطان على أهلك، واختاري لنصحك أطيب الكلمات وأحسن اللحظات.
أما حجابك فحافظي عليه؛ لأنه طاعة لله ولا طاعة لمخلوق في معصية الله، وعليك بمساعدة هذه الأخت الصغيرة وملاطفتها حتى تكسبي جانبها، وقد تكون هي المفتاح إلى قلب والدتك، والدعوة إلى الله لابد فيها من الحكمة، وهي وضع الشيء في موضعه الصحيح.
ولا شك أن الوالدة تعلم أن الكذب حرام، لكن العناد يدفعهم للمكابرة، فلا تعيني الشيطان عليهم، وأكثري من الدعاء لهم قبل وبعد دعوتهم إلى الله، واعلمي أن الله سبحانه يجيب من دعاه.
والله ولي الهداية والتوفيق.