تخطيت مرحلة صعبة من الأحداث، ولكن أخشى أن تعود إليّ!
2019-10-23 03:44:08 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وقعت لي أحداث نفسية ماضية أليمة لكنني تخطيتها -بفضل الله-، والآن بقي لدي فقط شرود الذهن والتفكير فيها، والخوف القليل منها أن تعاد مجددا.
كما أعاني من عدم التركيز الجيد في دراستي بسببها والتفكير فيها، مع أنني شاب محافظ على الصلوات الخمس و الأذكار، بماذا تنصحني يا دكتور؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يوسف حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فمرحبا بك، وردا على استشارتك أقول:
عليك أن تقوي إيمانك بقضاء الله وقدره، وتعلم أن كل شيء بقضاء وقدر وأنه مقدر عليك أن تمر بما مررت وبما ستمر به، فالعبد عليه أن يعمل بالأسباب فإن وقع عليه خلاف ما أراد حمد الله رضي بقضاء الله وقدره.
يقول ربنا سبحانه: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) وقال -عليه الصلاة والسلام-: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له اكتب قال وما أكتب قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وقال -عليه الصلاة والسلام-: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس)، والكيس الفطنة.
الجزاء يكون على قدر البلاء فإن عظم البلاء عظم الجزاء والابتلاء عنوان محبة الله للعبد يقول -عليه الصلاة والسلام-: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ).
التفكير في الماضي لا يجدي شيئا، ولا يمكن أن يرجع عجلة الحياة إلى الوراء من أجل تلافي ما حصل، ولكنه يجر إليك الحزن والكآبة واجترار الماضي يضيق الصدر ويجعل الإنسان مكبلا بقيوده.
العاقل من أخذ من الماضي الدروس والعبر، وانطلق نحو المستقبل يحدوه الآمل والتفاؤل بغد مشرق ومستقبل أفضل، فالتفاؤل من أخلاق نبينا -عليه الصلاة والسلام- فقد كان دائم التفاؤل رغم ما مر به وبأصحابه من المحن، ولم يكن -عليه الصلاة والسلام- ولا أصحابه يخافون من تكرر ما مر بهم أبدا، ولا فكروا فيما مر بهم وعطلوا حياتهم بذلك التفكير.
من مساوئ التفكير بالماضي ومآسيه أن يجعل الذهن شاردا وغير قادر على التركيز، ويتسبب في تدني المستوى الدراسي والفهم، ولذلك أوصيك أن تترك التفكير في الماضي، وعش بالأمل والتفاؤل الذي سيكون من ثماره فتح الآفاق أمامك ويجعل صدرك منشرحا.
عليك أن تشحذ همتك وتستنهض قدرات الكامنة في داخلك، وتفكر في مستقبلك العلمي ومكانتك في المجتمع وماذا ستقدم لأمتك.
صاحب الأخيار أصحاب الهمم العالية، فهذا الصنف من الناس سيأخذ بيدك وسيحفزك للترقي في سلم العلوم -بإذن الله تعالى-، وتذاكر دروسك مع الجادين من زملائك، ففي المذاكرة الجماعية خير وبركة، وتتلاقح المفاهيم وكل يضيف للآخر فوائد مما عرفه وفهمه حول الدروس العلمية.
اجتهد في تقوية إيمانك من خلال برنامج عملي تؤدي من خلاله الأعمال الصالحة المتنوعة، كنوافل الصلاة والصوم وتلاوة القرآن والإكثار من الذكر.
عليك بتقوى الله تعالى فهي خير وسيلة لنيل العلم كما قال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
احذر من المعاصي ظاهرها وباطنها صغيرها وكبيرها، فإنها تتسبب في إظلام القلب فتجعل عليه غشاوة تحجبه عن الفهم ذلك؛ لأن الفهم والفقه من أجل نعم الله على العبد كما في الحديث: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)، وفي الحديث الآخر: (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) والفهم يعد من الرزق وقد اشتكى الشافعي لشيخه وكيع أنه لا يحفظ فقال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي.
وقال اعلم بأن العـلم نور... ونور الله لا يؤتى لعاصي.
أكثر من الاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن فوائد الاستغفار أنه يمد الجسم بالقوة الحسية والمعنوية، ويكون سببا في غفران الذنوب وتفريج الهموم قال هود لقومه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).
نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى لك التوفيق.