عاد الحزن والاكتئاب رغم مرور شهور على وفاة والدتي، فهل من نصيحة؟
2019-09-22 06:16:43 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل ثلاثة شهور وفي أول أيام عيد الفطر المبارك توفيت والدتي -رحمها الله-، توفيت إثر ارتفاع ضغط الدم ونزيف الدماغ، ميتة مفاجئة، كانت أكملت رمضان على أتم وجه من العبادة -إن شاء الله- وأنا عانيت بعد وفاتها وعشت أسابيع كالجحيم من الحزن والاكتئاب، ولكنني استطعت الخروج منها، وقبل يومين عاد لي الحزن والاكتئاب بصورة مفاجئة، أصحو وأنام وأنا أفكر فيها، كأنها توفيت البارحة، وكيف لا وهي الأم الحنون الفاضلة؟ الحمد الله على كل حال.
بعد أن أوضحت حالتي، وأنا أعتذر جدا عن الإطالة، فهذه أول مرة لي بالموقع، لدي أسئلة وهي:
-هل من الطبيعي أن يعود الاكتئاب للإنسان بعد كل هذه الفترة؟
- كيف يمكنني التغلب على الحزن مرة واحدة وللأبد، فلا يبقى منه إلا الذكرى الطيبة، لكي أحزن عليها عندما أتذكرها دون أن يدمر الاكتئاب أيامي؟
- هل للأمر علاقة بما يسمى الاكتئاب الموسمي، وهو شيء يحصل كثيرا في الشتاء؟
أعتذر مرة ثانية على الإطالة.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ضياء الدين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله تعالى لوالدتك المغفرة والرحمة ولجميع موتى المسلمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
هذا حدث كبير بكل المقاييس، فقدان الوالدين من الناحية النفسية يأتي تحت الأحداث النفسية الكبيرة في حياة الإنسان، و-بفضلٍ من الله تعالى- عقيدتنا الإسلامية علَّمتنا كيفية مواجهة مثل هذه المواقف، وهي: أن تسأل الله تعالى الرحمة والمغفرة لوالدتك، وأن تسأل الله تعالى أن يأجرك في مصيبتك، وأن يُبدلك خيرًا منها، وأن تسترجع وتقول (إنا لله وإنا إليه راجعون)، فمن قالها فإن الله تعالى وعد بقوله: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}.
هذا النوع من الأحزان، هذا الاعتراك -إن شاء الله تعالى- هو رحمة في القلوب، ويمكن لهذا الحزن أن تحوّله لا أقول لك إلى فرح، لكن إلى بِرٍّ عظيم لوالدتك، وذلك من خلال الدعاء لها بالرحمة، وأن تستغفر لها بأن تقول (اللهم اغفر لأمي) أو تقول: {رب اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب}، وأن تتصدّق ويكون ثواب ما تصدّقت به لك ولها، حتى ولو بشيء قليل، وأن تحثّ أخواتك بأن يصلنَ مَن كانتْ أُمُّك -رحمها الله وغفر لها- تصلهم، ومن جانبك أنت أيضًا لا تنسى أرحامها، وسيروا على خُطاها، وقوموا بالواجبات الاجتماعية التي كانت تقوم بها، هذا يُبعد عنك هذه الأحزان، ويجعلكم في شعورٍ بالرضا التام.
لا أسمي حالتك حالة اكتئابية، إنما نسميها بأحزان الفراق، وهي عملية نفسية معروفة، تتفاوت من إنسانٍ إلى إنسان، حسب نوع الفَقْد وعلاقة المتوفى بالشخص الذي يحزن عليه، وهكذا.
فإذًا ما يحدث لك أرجو أن نعتبره في النطاق الإنساني الوجداني العاطفي الطبيعي، ويُعرف عن هذه المشاعر التي فيها شيء من الكرب والحزن أنها تتلاشى، ويمكن للإنسان أن يتواءم ويتكيف معها من خلال ما ذكرته لك، وتسير الحياة وينسى الإنسان، يتناسى الحزن، لكنه يستمر في الدعاء لموتاه وموتى المسلمين، وأنت على إدراك بذلك، ولكن وددتُّ أن أذكّرك، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، ولا تنس قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ).
هذا الأمر ليس له علاقة بالاكتئاب الموسمي أبدًا، وأنا لا أريد أن تصف حالتك بأنها اكتئاب، هي تفاعل إنساني وجداني طبيعي، وعليك أن تسير في حياتك بقوة، عليك أن تجتهد في دراستك، عليك أن تكون متميّزًا في كل شيء، تحمل ذكرى والدتك للآخرين، الناس سوف يذكرونك بخير إذا كنت مُنجزًا وكنت إيجابيًا، وسوف يذكرون والديك ولا شك في ذلك.
هذه هي الطريقة التي من خلالها يمكن أن تتغلب على هذا الوضع الوجداني.
مارسْ أيضًا شيئًا من الرياضة، اخرجْ مع أصدقائك، حافظْ على الصلوات في المسجد، والدعاء مهم وعظيم، وهو سلاح المؤمن دائمًا خاصة في مثل هذه الأحوال وفي كل الأحوال.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.