موقف الإسلام من التعدد والنصيحة لمن ترفض أن تكون زوجة ثانية.
2005-07-26 08:17:15 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم..
أنا متزوج منذ (9) سنوات ولدي ثلاث بنات، أحب زوجتي وبناتي، أحببت فتاة عرفتها، كانت بالنسبة لي الفتاة التي تمنيتها طول عمري، وأحبتني، وعندما طلبت منها الزواج رفضت لأسباب منها أنها لا تقبل أن تكون زوجة ثانية، وضغوط المجتمع والأهل كان لها دور كذلك، حاولت أن أفهمها أن التعدد أصل في الدين وأنه مستحب لمن قدر عليه، لكنها كانت دائماً ترفض الفكرة، وهي كذلك لا تريدني أن أطلق زوجتي، وأنا لا يمكن أن أفعل ذلك لأني أخاف الله فيها وأحبها ولا أريد خسارتها.
والمشكلة الأخرى أن زوجتي عندما عرفت فقط بفكرة الزواج من فتاة أخرى أخبرتني أنها من المستحيل أن تعيش معي بعدها، وأنها ستطلب الطلاق من القاضي، فهل يحق لها ذلك؟
فكيف أقنع الفتاة التي أحببتها بقبول التعدد؟ وكيف أقنع زوجتي كذلك؟ مع العلم أنني لا أستطيع التخلى عن أي منهما، سبحان الله كيف أصبح من يريد أن يطبق شرع الله بحاجة لإقناع الناس به مع أنه عين الصواب؟! هل يمكن لكم أن ترسلوا رسائل لحالات ومقالات عن التعدد للفتاة التي أحببتها دون أن تعلم أنها من طرفي، إذا أمكن ذلك فسأرسل لكم البريد الإلكتروني الخاص بها لعل القبول يكون على أيديكم، وجزيتم كل خير.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله العظيم أن يقدر لك الخير ثم يرضيك به، وأن يلهمنا وإياك السداد والرشاد، وأن يعيننا جميعاً على ذكره وشكره وحسن عبادته.
فلا شك أن وسائل الإعلام وضعف الإيمان وقلة العلم الشرعي وغيرها من وسائل وأسباب هي التي ساعدت على انتشار هذه المفاهيم الغربية، وإذا لاحظ الإنسان الهدي الذي كان عليه رسولنا والراشدون يلاحظ أنهم جميعاً كانت لهم عدد من الزوجات، ومضى هذا الخير في أمة النبي صلى الله عليه وسلم حتى حَلَّ المستعمر بديارنا وترك نابتة شريرة من بني جلدتنا وممن يتكلمون بألسنتنا، وليتهم إذا خرجوا من الدين كانوا وحدهم، لكنهم يصرون وما زالوا على إخراج الناس معهم، وذلك عن طريق تطاولهم على أحكام الشريعة وطرح ثوابت الأمة للأخذ والرد دون علم أو معرفة، فجاء من يقول: ما رأيك في التعدد؟ وجاءت من تتكلم عن مساواة المرأة مع الرجل في الميزان! إلى غير ذلك من القضايا والإشكالات التي لو عرض بعضها على عمر رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر.
ورحم الله مسلماً ومسلمة يقفون عند حدهم ويرددون بلسان أهل الإيمان: سمعنا وأطعنا، ولا يقدمون على قول الله وكلام الرسول رأياً أو فكرة؛ لأنهم يفهمون قول الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ))[الحجرات:1].
ولا عجب إخوتي؛ فإن مجرد الحرج في أحكام هذه الشريعة قد يخرج الإنسان من دائرة أهل الخير والإيمان، قال تعالى: (( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء:65]، ومشروعية تعدد الزوجات فيها من الحكم البالغة والفوائد الحاصلة الشيء الكثير، والإسلام دين عظيم جاء ليعالج مشكلات الحياة ويواجه ظروف وضرورات الفرد والمجتمع.
والإسلام صان للمرأة كرامتها، وتوعد من يميل إلى زوجة دون الأخرى بالوعيد الشديد، وطبق الصحابة الأبرار هذا العدل لدرجة أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان لا يشرب الماء في بيت زوجته الأولى إذا كان اليوم للثانية.
وقد أقر الإسلام نظام تعدد الزوجات وجعله رخصة لمن ضاقت به ظروف الحياة، وجعل فيه حماية للأسرة من التصدع، ومن هنا كان فيه مصلحة عظيمة للمرأة؛ فهل الخير للمرأة التي تعجز عن أداء وظائفها والقيام برسالتها أن يتركها الزوج إلى غيرها أم الأفضل لها أن تظل في رباط الزوجية معززة مكرمة مع أختٍ لها أخرى يجمع بينهما الإيمان والطاعة للرحمن؟! وفي ذلك نفتح لفرص زواج جديدة لأخوات مسلمات، وفيه حماية للرجل من الانحراف، وفيه منع له من الخيانة التي تدفع ثمنها المرأة أمراضاً وأضراراً، وقد قالت بعض الجاهلات لزوجها حين رغب في الزوجة الثانية بالحلال، قالت له: لن أقبل ولكن لا مانع عندي من أن تقع في الزنا! فنفذ فكرتها وأصيب بمرض الإيدز ثم نقله إليها فماتت وهي تشجع على المعاصي وترد أحكام الله والعياذ بالله.
وقد تطاول بعض السفهاء فمنعوا التعدد وأباحوا اتخاذ الخليلات؛ يقلدون في ذلك الكفار أعداء الله، وليس بعد الكفر ذنب، ولكن عار على أهل الإسلام أن يتركوا شريعة الله ويسيروا خلف القوم.
وخير من يتكلم في هذه الأمور بعد أكابر العلماء هن الداعيات الفاضلات، وهذا طرف من أقوالهنَّ؛ فهذه الداعية زينب الغزالي تقول: تعدد الزوجات له حكمة أراها أولاً من صالح المرأة، وقد اشترط الحق تبارك وتعالى العدل بينهنَّ في المبيت والنفقة حتى الكلمة الصالحة التي يجامل بها من أحب يجعلها عملاً صالحاً له عند الله للأخرى.
إلى أن تقول: وتعدد الزوجات أراه شامة في تشريعنا الإسلامي، فماذا يفعل الرجال الذين لا تكفيهم معاشرة امرأة واحدة؟ وكيف يتصرف من يتقي الله؟ والله تبارك وتعالى الذي قرر أن الرجم هو عقاب الزاني المحصن هو الرحيم الذي اقتضى عدله أن يمنح الرجل رخصة التعدد.
إلى أن تقول: وأقول للمرأة هل الأفضل أن يعود زوجك نظيفاً طاهراً على صلاة ووضوء من عند أختك في الإسلام لها فيه مثل ما لك فيه، غير خائنة ولا معتدية، أم الأفضل أن يأتيك ملطخاً بالآثام والأمراض من عند خليلته بالحرام؟
أما الداعية الأمريكية آمنة شولتز فتقول: "تعدد الزوجات تشريع إسلامي وهو رحمة من الله، ومن نكون نحن حتى نناقش أوامر الله تعالى – وصدقت والله وأحسنت – والتي ترفض ذلك لا تؤمن بالآية التي تبيح التعدد، والذي لا يؤمن بآية واحدة لا يعد مسلماً بحق، على أنه يشترط في تعدد الزوجات العدل والقدرة على تحمل الأعباء؛ فإن لم يستطع فواحدة".
أما الدكتورة كوثر كامل فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك حين قالت: "إن التعدد ليس مما يلجأ إليه عند الضرورة، والدليل على ذلك هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم عقب نزول آية تحديد الزوجات بأربع، حيث أمر كل من أسلم ومعه أكثر من أربع أن يختار أربعاً ويطلق الباقي، ولو كان التعدد لا يلجأ إليه إلا عند الضرورة لأمر باستبقاء واحدة فقط ثم أعطى الرخصة لمن كانت زوجته مريضة أو عاقراً، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث.
ونكتفي بما ذكرنا من أقوال الداعيات، ولمن أرادت المزيد أرجو مراجعة كتاب "قالوا وقلن عن تعدد الزوجات" للأستاذ أبي أسامة محي الدين عبد الحميد؛ فقد أجاد فيه وأفاد.
أما الشيخ ابن باز رحمة الله عليه فقد قال: "الأصل شرعية التعدد لمن استطاع ذلك ولم يخف الجور لما في ذلك من المصالح الكثيرة، ولأنه صلى الله عليه وسلم تزوج أكثر من واحدة".
والفضل ما شهدت به الأعداء، وهذا ذكر لبعض أقوال الكافرين، ويشهد الله أننا لم نكن بحاجة لذكر أقوالهم لولا ما عند بعض أبناء الأمة من ميل إليهم وإعجاب بأقوالهم، ونسأل الله أن يلطف بنا وبإخواننا وأن يردنا إليه رداً جميلاً، يقول د. جوستاف بول: "إن تعدد الزوجات على مثال ما شرعه الإسلام من أفضل الأنظمة وأوفاها بأدب الأمة التي تذهب إليه وتعتصم به، وسبيله أن تكون المرأة المسلمة أسعد حالاً وأوجه شأناً وأحق باحترام الرجل من أختها الغربية"، أما الألماني شوينهور فيقول: "ولقد أصاب الشرقيون في تقريرهم لمبدأ تعدد الزوجات؛ لأنه مبدأ تحتمه وتبرره الإنسانية"، ويقول الدكتور فيشر: "إن الأخطار الهائلة التي يتعرض لها المجتمع الغربي يمكن أن تحل بإباحة تعدد الزوجات، بل إن إباحة التعدد ضرورية جدّاً لتخليص المجتمع الغربي من الهاوية التي أوشك أن يقع فيها".
ونحن من جانبنا ندعو الرجال والنساء إلى الاحتكام إلى هذه الشريعة: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِه ))[الأحزاب:36]، ومن الضروري كذلك أن تكون النيات خالصة؛ ((فبعض الأزواج يقصد الإضرار بزوجته، وبعضهم يتكلم بالزوجة الثانية سنوات ولا يتعدى مقاله؛ ولكنه يربك تصرفات زوجته ويجعلها تفسر كل التصرفات والمواقف انطلاقاً من ذلك التهديد.))
والرجل ليس ملزما بأن يفاوض ويحاور ويشاور في أمر الزوجة الثانية، ولست أدري كيف دارت مفاوضاتك مع الزوجة الجديدة، وأين أهل الفتاة، وكيف توسعت معها في العلاقات حتى أصبحت لا تطيق الاستغناء عنها؟! وعليه أرجو أن تحرص على أن نؤسس علاقتنا وفق أحكام وضوابط هذه الشريعة التي تطلب من الإنسان إذا أعجب بفتاة أن يتقدم لأهلها ثم يسعى في إعداد نفسه لتكون العلاقة شرعية تحت ضوء الشمس وسمع البشر.
وأرجو أن نذكرك بأنه لا يجوز للزوجة الجديدة أن تشترط فراق الأولى، وقد أحسنت حين رفضت ذلك، وأحسنت بحرصك على صيانة منزلك الأول والمحافظة على أسرتك.
وأرجو أن نتذكر بأن الحب الحقيقي المقبول شرعاً لا يكون إلا بعد الزواج، فلا تتماد في علاقتك مع تلك الفتاة فربما يُحال بينك وبينها ويحصل عند ذلك الندم والحسرات.
والصواب أن نتعلم هدي السلف رجالاً ونساء في هذه القضية، وقد كان من هدي نساء السلف أن تبارك لزوجها وتساعده على إكمال زواجه الثاني وتتقبل أختها الجديدة، ولا شك أنه كانت تحصل مشاكل بين الضرائر لكن الكل يحتكم لهذه الشريعة؛ فلا يجوز للمرأة أن تغتاب أختها أو تحرض عيالها على زوجها، ولا ينبغي أن تمنعهم من الذهاب لأبيهم وتحول بينهم وبين بره وطاعته، وهذا فجور في الخصومة لا يليق بمن تؤمن بالله، ولا ينبغي للرجل أن ينسى زوجته الأولى أو يقصر في حقها وإلا جاء يوم القيامة وشقه مائل، ((وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ))[الشعراء:227].
والله الموفق.