أتمنى أن أشعر بالسكينة والأمان في بيتنا، ماذا أفعل؟
2018-08-12 03:21:07 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا أعاني من قلق وضغط أعصاب شديد بسبب كثرة المشاكل بين إخوتي، فأرى دائماً أخي يعتدي على أختي بالضرب، وهي كذلك لأسباب من الممكن أن يكون لها حل بالتفاهم والرحمة، لكن التفاهم شبه معدوم في أسرتنا وبالتحديد بعد وفاة أبي منذ سنوات، وأمي كبيرة في السن ليس باستطاعتها أن تحل إلا بالكلام والنصائح، إخوتي شباب كبار ودائماً هناك مشاكل بينهم لدرجة التعدي بالضرب، والإهانات المتكررة لأمي وإلقاء اللوم عليها كثيراً.
أصبحت لا أقوى على فعل شيء، ودائماً أسعى لتقديم الصلح بينهم، وأبادر بالتسامح دائماً ولكن دون جدوى، فأصبحت أخاف من كل شيء، وانتابني القلق والضغط العصبي، وكثيراً ما أبكي على حالنا، دائماً أشعر بالخوف من أن يتكرر أي سلوك عدواني بين إخوتي وأرى ذلك بعيني، أنا في حالة عدم ثقة في أخي بعد مشاكله الكثيرة، ولا أستطيع أن أساير حياتي بشكل طبيعي معه، وأنا أشعر أنه أهاننا كثيراً، كيف أعيد ثقتي فيه؟
أحاول دائماً التفاهم معه، ولكن أسأل الله أن يهديه ويهدي إخوتي، ودائماً أتوجه إلى الله وأسأله أن يهدينا، فنحن -ولله الحمد- نحاول جاهدين بأن ننال رضى الله، ولكن!
أصبحت أشعر بعدم الأمان في بيتنا، أهرب كثيراً للنوم، ولا أستطيع أن أتوقف عن التفكير، ودائماً أدعي الله أن يهدينا ويؤلف بيننا بالخير، ولكن أنا أعاني من حالة عدم اتزان وشبه اكتئاب، أملي من الله أن أخرج من هذه الحالة، وأن يرجع الأمان والسكينة في بيتنا، ماذا أفعل؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Fatima حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
بارك الله فيك -أختي العزيزة- وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع وحرصك على سعادة الناس وتخلصهم من الأخطاء, وهو دليل حسن دينك وخلقك وطيبتك وتربيتك، وفقك الله لكل خير وكشف عنكِ كل شر وضير.
قرأت رسالتك، وأحزنني ما تضمنتها من مشاعر القلق والتوتر والاكتئاب عندك، ولاشك أن كتابتك للرسالة دليل على توفر القوة لديك والحرص على التخلص من مشكلتك وآلامك، وعدم استسلامك لحالة المرض لديك، وهو مؤشر جيد وبداية الشفاء -بإذن الله تعالى- كما ربما كان لعامل السن عندك أثره في معاناتك.
تعلمين -أختي الفاضلة- أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وأن المسلم مأمور بالصبر على البلاء، والشكر على النعماء، والإيمان بالقدر والرضا بالقضاء، واستحضار ثواب ما يلقاه من محن ومتاعب يوم الثواب والجزاء، وما تجدينه من هذه الضغوط والمشاعر النفسية السلبية، وعدم الشعور بالأمان بسبب المشكلات الأسرية، وتسلط أخيك على أختك بالضرب، وفقدانك الثقة به، كل ذلك من الابتلاء المأمور بلزوم الصبر واستشعار الأجر عليه، والسعي إلى مدافعته مع حسن الظن بالله تعالى وتعزيز الثقة بالنفس وضرورة مجاهدتها بالتركيز منك على حياتك وواقعك ومستقبلك ودينك ودنياك ودراستك بإيجابية وفاعلية وتوازن واعتدال، ولا تلتفتي للماضي، أو تستصعبي العوائق بلزوم الاستعانة بالله، والتوكل عليه وتقواه (ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه).
احذري -حفظك الله ووفقك- من اليأس والقنوط من رحمة الله (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)، (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون)، وفي الحديث: (إن النصر مع الصبر وإن الفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا)، كما في الحديث الصحيح: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، ولا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل)، متفق عليه.
خير ما يتداوى به المسلم: اللجوء إلى الله تعالى بالاستغفار والذكر والدعاء، فاحرصي على التماس أوقات الإجابة كالدعاء في جوف الليل، ودبر الصلوات المكتوبات، ودعاء الوالدين، قال تعالى: (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ) ولا عجب، فإن الله تعالى بيده ملكوت ومقادير السموات والأرض، فهو المهيمن على كل شيء، وهو على كل شيءٍ قدير، فكما ابتلاك تعالى لحكمة من رفع الدرجات، وتكفير السيئات وزيادة الحسنات، حيث قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: (إذا أحب الله قوماً ابتلاهم، وإن عظم الجزاء مع عظم البلاء) وفي الحديث أيضاً: (فما يزال البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) فهو المتصف -جل جلاله- بصفة الرحمة، ولذلك قال في وصفه خليله إبراهيم عليه السلام: (وإذا مرضت فهو يشفين) فالحياة طبعت على الابتلاء والامتحان، وما الراحة إلا في الجنة، قال تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه)، (ولنبلونكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين).
- ومما يقوّي العامل الإيماني، ويستجلب العون الإلهي حسن الصلة بالله تعالى، ومعرفته وطاعته وذكره والرضا بأقداره المؤلمة, قال تعالى: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه).
- وكذلك فإنه لما كانت الكثير من الأمراض النفسية تعود إلى صدمات وضغوط اجتماعية، فإن من المهم والضروري, وهو واجب المحافظة على النفس مراجعة استشارية نفسية وعرض المشكلة عليها من غير حرج ولا تردد, وفي الحديث: (ما أنزل الله داءً إلا جعل له دواءً), وأبشرك فإنه تتوفر أدوية نافعة ومجربة للتخفيف والتخلص من أعراض الاكتئاب, فإن الخلل في هذا المرض عضوي أيضاً كسائر الأمراض كما يقرر المختصون.
- كما وأنصحك بتعزيز الثقة بالنفس، وقوة الإرادة, وتخفيف الضغوط النفسية عليك بضرورة الترويح عن النفس بالقراءة في الكتب النافعة ومتابعة المحاضرات والبرامج المفيدة, والخروج إلى المتنزهات برفقة الأهل والصحبة الصالحة، لمدافعة هذه الهموم وهذه الأحزان، وتخطيها وتجاوزها بالشعور بالثقة والأمل والطموح والتفاؤل, وإدراك أن الحياة قليلة، فهي لا تستحق هذه المبالغة في القلق والأحزان.
- ومن الحلول العملية: الاستعانة بشكوى أخيك سراً إلى جهة موثوقة كالوالدين إذا توفر أو إلى أهل العلم والأقارب، المتحلين بقوة الحجة والأمانة والثقة والمروءة، والقبول لديه والتأثير عليه، والحرص على توفير الصحبة الصالحة الناصحة له، والتي تسهل السبيل إلى تحليه بقوة الإيمان والعلم النافع والعمل الصالح وتوفير الكتب والبرامج النافعة والمفيدة، فإن لم يتُب ويتعظ فلا بأس من شكوى أمك -حفظها الله- إياه لدى الجهة الرسمية والمسئولة، وقد صح في الأثر عن عثمان: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).
أسأل الله تعالى لك العفو والعافية، وأن يفرج همك ويشرح صدرك وييسر أمرك، ويرزقك التوفيق والسداد والنجاح، والصواب والحكمة والهدى والرشاد، والزوج الصالح والحياة السعيدة الآمنة والكريمة والمطمئنة.