الاكتئاب أفقدني لذة الحياة
2018-08-15 04:58:09 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
سأطرح عليكم سؤالين:-
الأول: أعاني من أعراض الاكتئاب، وفقدت القدرة على الاستمتاع بالحياة، وأصبت بالأرق، وفقدان الوزن، وفقدت من وزني 6 كيلو، وأرغب في الانتحار، وحاولت الانتحار 3 مرات، وأشعر بالقلق الدائم واليأس والبكاء يصل أحياناً إلى 5 مرات يوميا، فهل هذا أمر طبيعي في مثل عمري، أم أنه اكتئاب؟
ثانياً: صديقتي تعاني من الشيء ذاته، فهل هناك طريقة كي أساعدها وأزيد فيها من ثقتها بنفسها؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ مينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن مثل هذه الحالات تحتاج إلى تقييم طبي نفسي سلوكي مباشر، وهذا يتم من خلال مقابلة طبيب نفسي مقتدر.
الاكتئاب له أعراضه وله شروطه التشخيصية، وقطعًا فقدان الوزن أحد المؤشرات التي نعتبرها فيما يُعرف بمجموعة الأعراض البيولوجية للاكتئاب، لكن هنالك أسباب أخرى قد تؤدي أيضًا إلى فقدان الوزن.
الرغبة في الانتحار ومحاولته قطعًا أمرٌ مؤسف ومؤلم في مثل عمرك، وأسبابه كثيرة، أحيانًا قد يكون الاكتئاب النفسي أو عدم القدرة على التكيُّف أو اضطرابات الشخصية – خاصة ما يُعرف بالشخصية الحدِّيَّة – وفي بعض الأحيان يكون لصرف الانتباه وجعل الآخرين يحسُّون بالذنب حيال الشخص، وهنالك أسباب كثيرة.
أرجو أن تذهبي وتقابلي الطبيب، وإن شاء الله تعالى سوف يتمُّ تقييم الحالة بصورة صحيحة، وتُعطى لك الخطة العلاجية المتكاملة من إرشادٍ وعلاجاتٍ دوائية – إن تطلَّب الأمر – وهذا أيضًا ينطبق على صديقتك، يجب أيضًا أن تذهب وتقابل المختص.
وأقول لك – أيتها الابنة العزيزة -: أنتِ في سِنٍّ صغيرة، في سِنِّ الشباب وبداياته، والحياة طيبة وجميلة، وتذكّري دائمًا أن كل مشكلة إن شاء الله تعالى لها حلّ، والله تعالى لطيف بعباده، ورحمته واسعة جدًّا وسعتْ كل شيء. أكثري من الاستغفار، وحقِّري الفكري السلبي، واجعليه فكرًا إيجابيًا، وانطلقي في الحياة بكل قوةٍ وأملٍ ورجاء.
أرجو أن تذهبي وتقابلي الطبيب المختص. بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
----------------------------------------------------------------------
انتهت إجابة د/ محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان، وتليها إجابة د/ عمار ناشر مستشار الشؤون الأسرية والتربوية:
- بارك الله فيك – أختي الفاضلة – وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع وحرصك على سعادة الناس وتخلصهم من الأخطاء, وهو دليل حسن دينك وخلقك وطيبتك وتربيتك وفقك الله لكل خير وكشف عنكِ كل شر وضير.
- قرأت رسالتك وأحزنني ما تضمنتها من مشاعر الاكتئاب عندك ولاشك أن كتابتك للرسالة دليل على توفر القوة لديك والحرص على التخلص من مشكلتك وآلامك وعدم استسلامك لحالة المرض لديك, وهو مؤشر جيد وبداية الشفاء -بإذن الله تعالى-, كما ربما كان لعامل السن عندك أثره في معاناتك.
- تعلمين – أختي الفاضلة – أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان, وأن المسلم مأمور بالصبر على البلاء والشكر على النعماء والإيمان بالقدر والرضا بالقضاء واستحضار ثواب ما يلقاه من محن ومتاعب يوم الثواب والجزاء، وما تجدينه من اكتئاب وتقلب المزاج بسبب كثرة الصدمات التي تعرضتِ لها وكراهيتك لأخطاء المجتمع, كل ذلك من البلاء المأمور فيه بلزوم الصبر واستشعار الأجر عليه, والسعي إلى مدافعته، مع حسن الظن بالله تعالى وتعزيز الثقة بالنفس وضرورة مجاهدتها بالتركيز منك على حياتك وواقعك ومستقبلك ودينك ودنياك ودراستك بإيجابية وفاعلية وتوازن واعتدال, ولا تلتفتي للماضي أو تستصعبي العوائق بلزوم الاستعانة بالله والتوكل عليه وتقواه, وعدم اليأس من الدعاء ولزوم الاستغفار والذكر (ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب * ومن يتوكل على الله فهو حسبه) .
- احذري – حفظك الله ووفقك – من اليأس والقنوط من رحمة الله (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) وفي الحديث : (إن النصر مع الصبر وإن الفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا) كما في الحديث الصحيح. (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. احرص على ما ينفعك , واستعن بالله ولا تعجز, ولا تقل : لو أني فعلت كذا وكذا كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل) متفق عليه.
- وخير ما يتداوى به المسلم: اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء, فاحرصي على التماس أوقات الإجابة كالدعاء في جوف الليل ودبر الصلوات المكتوبات ودعاء الوالدين, قال تعالى: (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ) ولا عجب، فإن الله تعالى بيده ملكوت ومقادير السموات والأرض فهو المهيمن على كل شيء وهو على كل شيءٍ قدير, فكما ابتلاك تعالى لحكمة من رفع الدرجات وتكفير السيئات وزيادة الحسنات, حيث قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : (إذا أحب الله قوماً ابتلاهم, وإن عظم الجزاء مع عظم البلاء), وفي الحديث أيضاً: (فما يزال البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة), فهو المتصف جل جلاله بصفة الرحمة, ولذلك قال في وصفه خليله إبراهيم عليه السلام: (وإذا مرضت فهو يشفين), فالحياة طبعت على الابتلاء والامتحان, وما الراحة إلا في الجنة, قال تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه) (ولنبلونكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين..).
- ومما يقوّي العامل الإيماني ويستجلب العون الإلهي حسن الصلة بالله تعالى ومعرفته وطاعته وذكره ودعاؤه سبحانه وتعالى والرضا بأقداره المؤلمة, قال تعالى: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه).
- وكذلك فإنه لما كانت الكثير من الأمراض النفسية تعود إلى صدمات وضغوط اجتماعية فإن من المهم والضروري, وهو واجب المحافظة على النفس مراجعة استشارية نفسية وعرض المشكلة عليها من غير حرج ولا تردد, وفي الحديث: (ما أنزل الله داءً إلا جعل له دواءً), وأبشرك فإنه تتوفر أدوية نافعة ومجربة بفضل الله تعالى للتخفيف والتخلص من أعراض الاكتئاب, فإن الخلل في هذا المرض عضوي أيضاً كسائر الأمراض كما يقرر المختصون.
- كما وأنصحك بتعزيز الثقة بالنفس وقوة الإرادة, وتخفيف الضغوط النفسية عليك بضرورة الترويح عن النفس بالقراءة في الكتب النافعة ومتابعة المحاضرات والبرامج المفيدة, والخروج إلى المتنزهات برفقة الأهل والصحبة الصالحة لمدافعة هذه الهموم وهذه الأحزان, وتخطيها وتجاوزها بالشعور بالثقة والأمل والطموح والتفاؤل، وإدراك أن الحياة قليلة, فهي لا تستحق هذه المبالغة في القلق والأحزان.
- وأما ما ذكرتيه من التفكير في الانتحار – والعياذ بالله حفظك الله وسلمك من كل سوء ومعصية – فهو أمر محرم وجُرم كبير وخطير, وهو موقع في عذاب الدنيا والآخرة, في غضب الجبّار وعذاب النار, قال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)، وثبت في الصحيحين أن ( قاتل نفسه في الدنيا يعذّب بما قتل نفسه في الآخرة خالداً مخلداً فيها أبدا).
- تذكّري أن عذاب الدنيا مهما عظم فهو أخف بل لا يقارن بعذاب الآخرة العظيم المقيم, وتذكري أن البلاء الواقع عليك أقل بكثير من بلاء كثيرات غيرك, كما وإن الانتحار – والعياذ بالله – دليل على ضعف الدين والخلق والعقل, وسوء الظن بالله والخذلان, فإن احتمال بلاء الدنيا على زوالها أخف من احتمال عذاب الآخرة العظيم المقيم.
- وما نوصيك به هو ما نوصي به زميلتك, شكر الله لكِ حرصك ومحبتك لها الخير سلمكما الله من كل سوء ومكروه, وأسأل الله تعالى لك العفو والعافية, وأن يفرج همك ويشرح صدرك وييسر أمرك ويرزقك التوفيق والسداد والنجاح والصواب والحكمة والهدى والرشاد والزوج الصالح والحياة السعيدة الآمنة والكريمة والمطمئنة.