أصبحت بعد انفصالي لا أشعر بأي طعم للحياة!
2018-05-08 03:37:35 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
تركت هذا الرجل بعد أن علمت بخيانته لي التي جعلتني أتركه بدون أدنى تأنيب لضميري, شعرت براحة نفسية كبيرة بعد الطلاق مباشرةً، ولكنني الآن وبعد انفصالي بشهر لا أشعر بأي طعم للحياة، ولا أستطيع التخفيف عن نفسي، على الرغم من أنني اشتركت في العديد من النشاطات، ولا أشعر حتى بطعم الذكر أو الصلاة، وأستغفر كثيراً ولكن بلا جدوى.
أراه يومياً لأننا نعمل في نفس المكان؛ مما جعلني متضايقة من مكان عملي، رغم أنني كنت أحب عملي، وكنت أعاني من فترة طويلة من القلق الاكتئابي، وبداية وسواس، وكتب لي طبيبي النفسي (بروزاك 20) مرتين يوميا, (بوسبار15) مرة واحده يومياً، أشعر أنني أنا المخطئة لأنني لم أختر من البداية شخصا على دين وخلق.
أرجو مساعدتي بخطوات واضحة لأتخطى هذا الألم النفسي.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ S N حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
كوني على يقين أن كل أمور بني آدم بل الكون كله تسير وفق قضاء الله تعالى وقدره، فما حصل منك من التقصير في اختيار شريك حياتك لم يكن محض صدفة بل هو جار وفق قضاء الله وقدره، كما قال سبحانه وتعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له اكتب قال وما أكتب قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.
أقدار الله كلها خير للإنسان وإن كان ظاهرها غير ذلك، فعليك ألا تكثري من لوم نفسك وجلد ذاتك، بل لا بد أن ترضي بالقضاء والقدر؛ لتنالي رضى الله تعالى، كما ورد في الحديث: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ).
احمدي الله تعالى أنك انفصلت عن هذا الرجل قبل أن يدخل بك؛ لأن نظرة المجتمع للثيب المطلق نظرة خاطئة وفيها شيء من القسوة.
احذري من إرسال الرسائل السلبية لنفسك، فإن آثارها سيئة على النفس؛ لأن العقل يستقبل تلك الرسائل ومن ثم يتفاعل معها، ويرسل أوامره للأعضاء للتفاعل معها؛ فينتج عن ذلك حالة من الضيق والاكتئاب والقلق، ولكي تخرجي من آثار تلك الرسائل، عليك أن تستبدليها برسائل إيجابية، كأن تكثري من حمد الله وشكره أن صرف عنك هذا الشخص، وأن تنظري إلى المرآة وتخاطبي نفسك بأنك قوية وأنك غير مكترثة بما حدث، وأن قدر الله خير، وأن رزقك سيأتيك، وما شاكل ذلك.
المؤمن يأنس بالقرب من ربه وخالقه سبحانه وتعالى، ولذا فقد قال بعض أهل العلم: (من وجد الله فماذا فقد ومن فقد الله فماذا وجد)، فأكثري من تلاوة القرآن الكريم واستماعه، وأكثري من السجود بين يدي الله تعالى والتضرع بالدعاء، ولا تفكري فيما حصل لك؛ فإن كثرة التفكير والتركيز هو الذي يشوش ذهنك، ومن هنا لا تجدين طعما للعبادة.
قولك: (لا أشعر بأي طعم للحياة، ولا أستطيع التخفيف عن نفسي على الرغم من أنني اشتركت في العديد من النشاطات، ولا أشعر حتى بطعم الذكر أو الصلاة وأستغفر كثيراً لكن بلا جدوى) هذا كله من الرسائل السلبية التي ذكرناها سابقا، ولذلك لا بد من التوقف عن هذا الكلام واستبداله برسائل إيجابية؛ لأن أي كلام باللسان أو يتكرر في النفس له تأثيراته، وقد يقع كما يتكلم الإنسان أو يحاسب نفسه به، ولذلك قيل: (إن البلاء موكل بالمنطق) فأرجو ألا يصدر منك إلا الكلام الطيب.
حين قال يعقوب لأبنائه: (وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) ابتلي بأن أبناءه كادوا ليوسف وأتوه قائلين: (يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ).
ودخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على رجلٍ يعُودُه، فقال: ((لا بأس، طَهورٌ إن شاء الله))، فقال: "كلا، بل حُمَّى تفور، على شيخٍ كبيرٍ، كيما تُزِيرَه القبورَ"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فنعم إذًا)).
يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "فحفظ المنطق، وتخير الأسماء من توفيق الله للعبد".
تفاءلي وأملي ولا تيأسي من رحمة الله تعالى؛ فالتفاؤل خلق كريم قل من يتخلق به، وهو من أخلاق الأنبياء عليهم الصلوات والسلام، ومن ثماره أنه يشرح الصدر، ويفتح الآفاق، ويطمئن النفس.
رزقك ونصيبك سيأتيك لا محالة بالشخص والوقت الذين قدرهما الله لك فلا تقلقي.
مارسي حياتك بشكل اعتيادي، وارفعي رأسك فأنت من طلب الطلاق، ولم يقم هو بتطليقك، ورفضك له أسبابه، وهي وجيهة جدا، فمن سمع ذلك شكر لك ومدحك، فلا تضعفي نفسك وشخصيتك بالأفكار السلبية.
تجاهليه تماما، فأنت المنتصرة وهو المنهزم، واستمتعي بمزاولة عملك ووظيفتك، ووطدي علاقتك مع زميلاتك.
ستستقبلين في الأيام القادمة شهر الصوم شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، فأنصحك باستغلال هذا الشهر استغلالا جيدا بحيث تعدين فيه برنامجا حافلا بالعبادة؛ فذلك سيعينك كثيرا على الخروج مما تعانين.
تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وسلي الله تعالى أن يشرح صدرك، ويفرج همك، ويرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في هذه الحياة، وكوني على يقين أن الله تعالى لن يرد يديك صفرا.
أكثري من دعاء ذي النون؛ فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).
أكثري من تلاوة القرآن الكريم، وذكر الله تعالى، وحافظي على أذكار اليوم والليلة، فبذلك تطمئن القلوب؛ لأن الله وعد بحصول ذلك والله لا يخلف الميعاد، يقول تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
اجتهدي في توثيق صلتك بالله تعالى، وتقوية إيمانك؛ فبذلك تستجلب الحياة الطيبة كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
من فوائد الاستغفار: أن يمتع الإنسان في هذه الحياة، يقول تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ).
أكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن فوائدها تفريج الهموم، ففي الحديث أنه قال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يجعل لك من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، وبعد عسر يسرا والله الموفق.