أخشى على والدي من النار، ولا أعرف كيف أتعامل معه، ساعدوني
2018-01-16 01:11:08 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أنا شاب أحاول علي قدر استطاعتي أن أكون مسلما جيدا, لكن هناك ذنب أقترفه باستمرار بسبب نفسي الضعيفة، وأحاول مقاومته، حتى بدأت بالإقلاع عنه، وهو حصاد الماضي الذي تربينا عليه، وتعلمناه، حيث نشأت في أسرة يسودها المشاكل بين أبي وأعمامي منذ الصغر، فوالدي ليس لديه مبدأ وأسلوب جيد في التربية، وكذلك أمي، مما أدى إلى طلاقهما مرتين، لكنهم مجبورون على البقاء معا لأجلنا.
عندما أقول الصدق لأبي في أي موقف، فإنه يعاقبني وينهرني، لأنني أتصف بالمثالية، فكان ينهرني على أتفه الأمور، ومن أمثلة ذلك: أنه كان ينهرنا إن تعثرنا بطرف السجادة، أو إذا تأخرنا خارج البيت، فيصرخ علي بصوته العالي، ويضربني ضربا متكررا لا يليق ببني آدم، فكانت الأشياء التي يضربني بها تطبع على ظهري.
كنت أتذكر أمي دائما وأنا صغير، حيث لا أستطيع تحمل المسؤلية، فكانت تدعو علي بالموت أو انقطاع الرزق، عشت 25 عاما في هذه الأوضاع منذ الطفولة وحتى الشباب، كل يوم نهر وضرب لأتفه الأسباب، فكان والدي يثني على الشيء في يوم، وينهرني على الشيء ذاته في اليوم التالي، والمشاكل بين الوالدين لا تنتهي، وأحيانا تصل إلى التطاول باليد، والألفاظ البذيئة.
بدأت أمي بالتفهم قليلا، ولكن أبي لا يعترف بخطئه إن نصحته، فهو يتصف ببعض الغرور والكذب، كان يريدني طبيبا، ولكنني كنت أرغب الهندسة، وما زالت أدرسها، وكانت نتيجتي 97٪، فدخلت عليه بهذه النتيجة مبتسما، وكان يعقد حاجبيه، وسألني ماذا فعل صديقك؟ قلت له: نتيجته: 99٪، فرد علي: وماذا ينقصك أنت لكي لا تحصل على هذه النتيجة؟ فقلت له: لكنني اجتهدت، وهذا يكفيني لكي أحقق حلمي، حتى أنني كلما استشرته بشيء لا يسمعني، ويقول: ليس لدي وقت، ويريدني أن أفعل مثل الناس، لا كما أرغب، حتى انعدمت قيمتي في نظر نفسي، وأشعر بالحزن، وأعصابي لا تتحمل، وأصبحت سريع الغضب، ولا أشعر بنفسي، كتوما، ليس لدي أمل في أي شيء، فالموت والحياة سيان.
كنت اعتبره قدوة، لكنني وجدته لا يحتذى به، كنت أحس بالحسرة عندما أرى آباء أصدقائي وهم في مثل سنه، وكان يرفض النصيحة، ولا يعترف أنني أصبحت رجلا متعلما، ودائما يقول: أنتم أدنى الناس، ويريد أن نصنع ما صنعه أعمامنا من نجاح وينهرنا عليه, وكان يعيرنا بأنه ربانا وعلمنا، وأننا المفروض أن نكون في الشارع لولا فضله علينا، فكنت أشعر أن البيت كالسجن.
أشعر أنني غير سوي في شعوري، ونظرتي للحياة، وأشعر بغربة اجتماعية، وحزن، يعلو صوتي من شدة التوتر، والعصبية المفرطة، خاصة أثناء مشاجرة أبي مع أمي، حتى يظن أنني أعقه, جعلنا نشعر أنه مصدر المال لنا فقط، وأحيانا يكون حنانه علينا بالغا، أخشى عليه من النار، وأرغب بنصحكم النير في التعامل معه.
أفيدوني مع الشكر.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Abdullah حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
بارك الله فيك -أخي العزيز- وأشكر لك تواصلك مع الموقع, سائلاً الله تعالى أن يفرج همك، ويكشف غمك، ويهدي والدك ويصلحه، ويرزقك الصبر والسعادة والنجاح في حياتك عامة، وفي الدنيا والآخرة.
- ينبغي أن تعلم -أولاً- أن الآباء -عفا الله عنهم وغفر لهم- حين يسيؤون إلى أولادهم في سلوكهم وتصرفاتهم, فإنهم لا يكونون بذلك قاصدين أو متعمدين لأذيتهم والإضرار بهم, فلا يخفاك أنهم بمقتضى الفطرة الإلهية قد جُبلوا على عظيم المحبة لأولادهم, وإنما يكون هذا الجفاء من كثيرين منهم لغلبة الطبع عليهم والتربية القاسية، وربما لغلبة سوء الظن والعقد النفسية نتيجة ضغوط الحياة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية وغيرها, بدليل ما يظهره والدك أحياناً من مظاهر الرحمة والحنان البالغ، وعدم تقصيره في النفقة.
- ومن المهم هنا بصدد التأثير على والدك -حفظه الله- ضرورة الدخول مع الوالد خاصة -أولاً- في حوار واضح وصريح ومتزن متحرياً الحكمة والهدوء واللطف والرفق والأدب وحسن التعامل والخدمة، استعانتك ببعض الأهل والأقارب ممن يحظون بالحكمة والمروءة والقبول لديه والتأثير عليه بإقناعه بخطئه، وضرورة مراجعة أسلوبه معكم.
- كما ومن المهم أيضاً -بصدد أداءً لحق الله تعالى وحق الوالدين- مجاهدة النفس في القيام بواجب البر والطاعة والإحسان إليهما، والدعاء لهما بالصلاح رغم شكواك من القسوة والجفاء غفر الله لهما, حيث قال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكِبَر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيرا), وهذا الواجب -أخي الفاضل- لا ينتقض بأي حال أو عذر مطلقاً, فانظر كيف قرن الله تعالى حقه في العبودية والتوحيد بحق الوالدين في الإحسان, والإحسان أبلغ من العدل, إذ هو المعاملة بأحسن من المثل, بل إن الله تعالى أوجب بر الوالدين، ولو كانا مشركين كما في قوله سبحانه: (وإن جاهداك على أن تشرك بي مالي سلك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا)، والمعنى عدم طاعتهما في الشرك, مع وجوب صحبتهما بالمعروف.
- أوصيك بلزوم الصبر والحكمة والهدوء، وعدم الإفراط في الشعور بالقهر والتوتر والهم والألم والحزن, مما يؤثّر على نجاحك ونفسيتك ودينك وأخلاقك.
- أحسن الظن بربك -سبحانه وتعالى-, وحيث أنت على حال طيبة ومتميزة في الدراسة والذكاء والتخصص, فمن الواجب أيضاً شكراً لنعمة الله عليك أن تعزز الثقة بنفسك, وتتحلّى بقوة الإرادة والعزم والطموح والأمل والتفاؤل في زيادة التغيير في وضعك النفسي والعلمي والأخلاقي إلى الأحسن، وتجاوز مشاعر الألم, لاسيما مع ما حباك الله من التوفيق في التخلص من الذنب الذي كنت مقيماً عليه بفضل الله تعالى, فأنصحك بزيادة التركيز على رفع مستواك التعليمي والثقافي والانشغال -فحسب- بما ينفعك في أمور دينك خاصة, حياتك الدراسية والوظيفية عامة, وثق بأنه سيأتي اليوم الذي يشكرك والدك على جميل صبرك وجهدك وتضحيتك -بإذن الله تعالى-, وقدوتك في ذلك الأنبياء والمرسلون والنُبلاء والمتميزون في القديم والحديث, ممن لم تخلُ حياتهم من عوائق وعقبات ومنغصات داخلية وخارجية, تمكّنوا -بفضل الله- ثم إصرارهم وصمودهم من تجاوزها بل استلهام روح المنافسة وخوض غمار المواجهة، والتحدي للانتقال بأنفسهم ومجتمعاتهم إلى الأفضل, فأمِّل في الله خيراً, وتأمل معي قول الله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، وفي الأحاديث الصحيحة: (وإن النصر مع الصبر, وإن الفرج مع الكرب, وإن مع العسر يسرا)، (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)، (احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده أمامك).
- ولا شك أن أحسن ما يستمد به العون الإلهي هو حرصك على طاعة الله، وذكره وشكره وحسن عبادته، والصبر على البلاء إيماناً بقضائه ورضاً بقدره, وحرصك على واجب البر بالوالدين وصلة الأرحام عامة, لا سيما في حسن التعامل مع والدتك لتعويضها ما تحتاجه من حنان ورحمة، قياماً بالواجب الشرعي, ولعل الله تعالى أن ييسر لك بذلك الزوجة الصالحة والحياة السعيدة.
- أوصيك بلزوم الصحبة الطيبة التي تذكرك إذا نسيت وتعلمك إذا جهلت, وتنبهك إذا غفلت, وهي خير عدّة لأوقات الرخاء والشدّة, والحرص على توسيع دائرة ثقافتك وصرف همومك بملازمة القراءة والذكر والطاعة.
- وأخيراً -بل وأولاً أيضاً- فإني أوصيك باللجوء إلى الله تعالى، والإلحاح عليه سبحانه بالدعاء (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء).
- أسأل الله تعالى أن يصلح والدك, ويجمع شمل الأسرة على خير ومحبة ورحمة, ويرزقك التوفيق والسداد, ويلهمك الصبر والحكمة والهدى والخير والصواب والرشاد, والله الموفق والمستعان, وهو الهادي إلى سواء السبيل.