خطيبتي تملك مميزات كثيرة لكنها ليست جميلة، فماذا أفعل؟
2018-01-09 05:12:30 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب عمري 25 سنة، ملتزم، خطبت صديقة أختي، وهي فتاة مقبولة الجمال وتعجبني شخصيتها وتفكيرها، وهي محترمة ومتدينة ومحتشمة وأهلي يحبونها جدا، وهي إنسانة فوق الوصف، رأيتها مرتين ثم خطبتها.
يوم الخطبة عندما نظرت إليها لم يعجبني شكلها، وشعرت بعدم الرغبة فيها، حاولت أن أبرر لنفسي أن ملابسها السبب أو أي شيء آخر، لكني لم أقتنع ولم أفرح بالخطبة.
استمررت في الخطوبة، ولم أخبر أحدا عن مشاعري، وفكرت ربما مع الوقت أحبها وأجد فيها ما يفرحني، فهي إنسانة فيها صفاء وجمال داخلي وضحكة وروح جميلة والكل يحبها لطيبة ونقاء قلبها.
دعوت الله مرارا أن يجملها في عيني، وسمعت أختي تقول عنها أنها غير جميلة، وهذا الكلام عزز نظرتي إليها، وما زلت حزينا أنها ليست جميلة.
أخبرت أمي بمشاعري، فعارضتني؛ لأنها إنسانة تساعدني على التقرب إلى الله ولن أجد مثلها، علما أن الفتاة أصبحت متعلقة بي، وأخشى أن أجرحها إن تركتها، تغيرت معها فترة في الكلام فشعرت بذلك، ونفسيتها تعبت ومرضت، فعدت إليها كما كنت.
أصبحت لا أغض بصري، وأنظر للفتيات في الطريق، وأقارن بينهن وبين خطيبتي، فما فائدة الزواج إن كان لن يمنعني عن النظر للحرام، أعلم أن جمال الباطن أفضل من الظاهر، وقد حاولت أن أركز على مميزاتها ولا أرى عيوبها، ولكن لا أستطيع لأن الشكل غير مخفي.
رقيت نفسي، وداومت على سورة البقرة ويس، واستخرت الله مرات كثيرة، وحلمت أنها تعاتبني بأنني لا أهتم، والكل يسألني لما لا أبدو سعيدا، وأخاف إن تركتها أن أخسر شيئا ثمينا، وأن أظلمها إن تزوجتها.
أفيدوني، جزاكم الله خيرا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
- بارك الله فيك – أخي العزيز – وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع, سائلاً الله تعالى أن يلهمك الهدى والرشاد والحكمة والسداد والصواب, وأن يرزقك الزوجة الصالحة ويوفقك إلى ما فيه محبته ومرضاته.
- بخصوص سؤالك – حفظك الله, فلا يخفاك – ترغيب الشرع الحنيف في دعوة الشباب إلى المبادرة في الزواج وبيان مقاصده الشرعية في تحصيل غض البصر وإحصان الفرج والعفّة, حيث جاء في الحديث المتفق عليه : (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغضٌ للبصر وأحصن للفرج).
- كما بيّن أن من مقاصد الزواج أيضاً تحصيل السكن النفسي بين الزوجين والمودة والرحمة, حيث قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لمن من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة).
- ومن الوسائل المعينة على تحقيق هذه المصالح والمقاصد: اعتبار معايير الدين والخلق والأمانة في كلا الزوجين, كما في الحديث: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه – وفي رواية : وأمانته – فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير), وقال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع : لمالها وجمالها وحسبها ودينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك) والمعنى أن الأربعة الأمور – ومنها الجمال – مطلوبة ومرغوبة لدى الناس, وهو أمرٌ فطري طبيعي, إلا أنه عند التزاحم والتعارض بين هذه المصالح الأربعة يقدم معيار وعامل الدين كما في الحديث. وقال تعالى : (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله).
- وعليه فلا مانع شرعاً ولا عقلاً ولا فطرة, ولا ينبني على ترك الزواج من غير الجميلة رغم صلاح دينها إثم ولا عقاب ولا خُذلان من الرب سبحانه وتعالى ؛ لما سبق من أن من مقاصد الزواج غض البصر وإحصان الفرج, وهما أمران يتحصلان بصورة أظهر حين توفر الجمال, ولما سبق من أن من مقاصد النكاح عند الناس هو أمر فطري طبيعي توفّر الجمال في الزوجة, ولا يخفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص على اختيار الزوجة الجميلة كما ثبت في ردّه واستبدال الجارية (سيرين), والتي كان حسّان بن ثابت قد أخذها لنفسه, بالجارية (مارية القبطية أم ولده إبراهيم), لمزيّة مارية في الجمال عن سيرين, وقد أهداهما إليه المقوقس حاكم مصر, وهكذا فقد قلّب صلى الله عليه وسلم بصره في امرأة وهبت نفسها له, ثم لم يقبلها لعدم إعجابه بجمالها, وزوّجها برجل من المسلمين.
- ومن مقتضى العقل أيضاً أنه كلما توفّر أكبر كم وكيف من الصفات الطيبة الدينية والدنيوية في الزوجة كمراعاة المال والجمال والحسب والدين والخلق وغيرها فهو أمر محمود ومطلوب.
إلا أنه لا ينبغي هنا بناءً على النصوص السابقة أمران:
1) تقديم مزايا المال والجمال على مزايا الدين والخلق والعقل في الزوجة.
2) تأخير المبادرة إلى الزواج مبالغةً في توفر أكبر كم من الصفات الطيبة في المرأة.
- نعم, يجوز تأخير الزواج لضرورة اطمئنانك في تحقق الصفات الطيبة في الزوجة شريطة عدم المبالغة, وألا يكون التأخير فتنة لك في دينك, وذلك فيما لو كانت رغبتك بالزواج وغض البصر والعفّة ملحّة وظاهرة.
- مع ضرورة الحذر من التقدم لخطبة فتاة حتى تطمئن من توفّر ما ترغب به فيها وذلك بالحرص على سؤال أهل المعرفة والثقة بها؛ منعاً من كسر خاطرها وجرح مشاعرها برفضها بعد النظر إليها.
- أوصيك – حفظك الله ووفقك – بالأمور التالية أيضاً:
1- الحرص على رقية نفسك بالذكر وقراءة القرآن والدعاء وصلاة الاستخارة لله تعالى, والاستشارة لمن تأنس منه الحكمة والاعتدال والنُصح والأمانة, فالاستشارة تنفي الهوى وتدفع الوساوس والشكوك والأوهام.
- الحذر من طلب الكمال في الجمال, والذي ينشأ غالباً بسبب المثالية والبُعد عن الواقعية, أو المقارنة بالصور في المسلسلات والأفلام الهابطة وملكات الجمال ونحو ذلك.
2- ضرورة اعتبار نعمة الله عليك بتوفُّر المزايا الطيبة في خطيبتك, وهي مزايا عظيمة وكريمة, ولا تقل فضلاً وأهمية عن الجمال بل تزيد لما فيها من صلاح دينك ودنياك وآخرتك, كما فيها مرضاة لأهلك واستقرار لنفسيتك وأولادك.
3- الحذر أن تبلغ بك المبالغة في اشتراط الجمال حد المبالغة والإفراط في المثالية ومخالفة الواقعية كما يفعل بعض الناس, وأن تدرك أن الكمال عزيز, وأن النقص والعيب هو الأصل, وربما كان الكمال الجمال الزائد في المرأة مجال فتنة له ولمن حوله, وكما قيل في الحكمة : "لا تغرّك الجميلة بجمالها فعسى جمالها أن يرديها, ولا تغرك الغنية بمالها فعسى مالها أن يطغيها, ولا تغرك النسيبة بنسبها فعسى نسبها أن يلهيها, واعلم أنه ليست كل البيوت تبنى على الحب والجمال, إنما تبنى بالمودة والرحمة - كما في الآية الكريمة - أما الحب – فكما يقال – إنما هو ميل وإعجاب بما يسر ويُفرح في الحال, وأما المرأة الودود فأثر طيب ودها في الاستقبال, ويوشك جمال المرأة إذا انكشف حالها وسوء طباعها وقلّة عقلها أن يكرهها شريكها ولو بعد حين.
"جمال الوجه مع قبح النفوسِ ** كقنديلٍ على قبر المجوسِ".
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يفرّج همومنا ويشرح صدورنا وييسر أمورنا ويستر عيوبنا, ويرزقك الزوجة الصالحة والذرية الطيبة والصحبة الناصحة, ويجعل لنا من أزواجنا وذرياتنا قرّة أعين, ويعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
والله الموفق والمستعان.