أخاف من الزواج ومن كل شيء في الحياة!
2017-10-24 01:42:18 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيراً عن هذا الصرح الإسلامي العظيم، وأرجو من الله أن تستطيعوا مساعدتي في حل مشكلتي.
أنا شاب ملتزم -ولله الحمد-، طموح، أعمل وبدخل جيد، مشكلتي هي الخوف الشديد من كل شيء ومن كل جديد في حياتي، لا أنكر أن هذا الخوف كان سبباً في نجاحي في كثير من التجارب التي خضتها في حياتي، فمثلاً في الجامعة كنت أخاف من الامتحانات؛ فكنت بسبب خوفي الشديد أدرس وأحضر نفسي لأتجنب الخوف، لكن هذا الخوف أصبح يؤثر على حياتي الاجتماعية والعملية، أخاف من أن أركب سيارة، أخاف من الزواج -وأنا في سن الزواج- وكلما تقول لي أمي ألا تريد أن تتزوج؟ أقول لها: ليس الآن، ولكنها لا تعلم أني مبتلى بهذا الخوف.
في كثير من الحالات تبداً أطرافي ترتعش وتهتز، أشعر بأن الدنيا مغلقة أمامي، أنا مشخص عضوياً بمرض القولون العصبي، ولا أعلم إذا كان هو السبب وراء ذلك أم لا!
حدثت معي عدة مواقف صعبة يمكن أن تكون ساعدت على تولد هذا الخوف لدي، أكبر خوف أواجهه حاليًا هو الخوف من ترك مدينتي، والشركة التي أعمل بها قريبة من مكان سكني، ولكني قد أضطر إلى تغير عملي لظروف معينة، هذا التغيير سيضطرني إلى الانتقال إلى العيش في مدينة أخرى بعيداً عن أهلي.
في موقف من المواقف كنت أسكن وأعمل في هذه المدينة، حيث كنت سأخسر عملي بسبب حالات شديدة من الخوف كانت تأتيني، خوف من لا شيء، ولا أعلم ما سبب هذا الخوف! وما يحيرني أنّي لا أجد سبباً لهذا الخوف! فأنا شاب ملتزم -ولله الحمد-، أعمل وبدخل جيد، وإخوتي يتخذوني قدوة لهم.
قد تكون هذه أول مرة أبوح بما داخلي لأحد؛ لأن مجتمعي لن يتقبل مثل هذه الأشياء.
أنا أؤمن بالسحر والعين، ولم أفكر يوماً أن هذا بسبب عين أو سحر؛ لأني ملتزم وأحافظ على تلاوة القرآن وأذكار الصباح والمساء.
قد تكون حالتي محيرة، لكن أرجوكم ماذا أفعل؟! من أين أبدأ بحل هذه المشكلة؟ كيف أتغلب على كل هذا الخوف؟!
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك –أخي العزيز– وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع، وأبارك لك ما أنت عليه من التزام وطموح وقدوة للأهل ومستوى مادي طيب، حفظك الله من كل سوء ومكروه، ودفع عنك الآفات والأمراض الحسية والنفسية والمعنوية.
وأما بخصوص ما تعانيه من خوف شديد من كل شيء –كما ذكرت في سؤالك– من السيارة والزواج، ومفارقة مدينتك للقرب من عملك، ونحوها من أمور، فيمكنني أن أؤكد لك أن هذا الخوف أو ما يُعرف بالرهاب إنما هو محدود لديك –بفضل الله- مهما كثر بأشياء معينة؛ بدليل توفيق الله لك بالالتزام بدينك، والطموح في مستقبلك، وشجاعتك في استشارة الموقع عمّا يهمّك ويقلقك كما هو واقعك الآن مشكوراً مأجوراً؛ ولذلك فإني مطمئن بقدرتك على تجاوز مشكلتك، شريطة أن تثق بنفسك وتحسن الظن بربك وقدراتك في إمكانية تغيّرك إلى الأحسن بمعونة الله أولاً ثم مساعدة نفسك على التخلص من أخطائك، فلابد من أن تبني ثقتك بنفسك، وترسم لها الأهداف والطموح في الحياة، وأن تعتز وتفخر بنفسك، وتحبها وتقدرها، وأن تواجه بنفسية هادئة وواثقة وإيجابية ومتفائلة مشكلات الحياة بالتدريج، ولا تخشَ العواقب، فـ(المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز) كما في صحيح مسلم. وفي الحكمة: (المرء حيث يضع نفسه).
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ** ففي صالح الأعمال نفسك فاجعلِ
تحل بالعزم والحزم والتصميم وقوة الإرادة، ولا تخف أبداً من التعرّض للنقد أو الأذى والإساءة أو خوض غمار التحديات، واعلم أن مصدر هذا الخوف قد يعود إلى ما ذكرت من مرض القولون العصبي؛ مما يستلزم منك المبادرة إلى عرض نفسك على طبيب باطني أولاً، وقد يعود إلى مشكلة نفسية تستلزم منك مراجعة طبيب نفسي؛ لاحتمال عامل وراثي أو تراكم ضغوط وتحديات معينة، إلا أنه من المعلوم مهما كانت الأسباب أن اللجوء إلى الله تعالى هو الحل أولاً، ثم التزام الأذكار والصحبة الطيبة وقراءة القرآن، ثم مراجعة الأطباء، وفي الحديث: (ما أنزل الله داءً إلا جعل له دواءً علمهُ من علمَه وجهلهُ من جهله).
أحسنت حين تنبهت إلى آثار الخوف السيئة على واقعك ومستقبلك؛ ولذلك فلابد مما لابد منه، وما لا مفر منه لا ينبغي الهروب منه، بل مواجهته بصبر وحزم وقوة وشجاعة وثقة وثبات.
ومن يتهيب صعود الجبال ** يعش أبد الدهر بين الحفر.
لذلك فإن الحل في اقتحام هذه المخاوف الوهمية والوساوس الكاذبة، بداية من ضرورة انتقالك من مدينتك إلى المدينة القريبة من عملك، ومن المهم هنا توفر دعم الأصدقاء الأمناء لك بمحبة ونصح. وكما قيل في الحكمة: (من لم تكن بدايته محرقة، لم تكن نهايته مشرقة). قال تعالى: {ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون * وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}، وستدرك بعد نجاحك كم كانت هذه المخاوف جاهلة وجائرة، وستحمد الله على عونه وتوفيقه، وعند الصباح يحمد القوم السرى -كما يقال في المثل-، ولا شك أن نجاحك في البداية يسهم في مواصلة مسلسلة نجاحك حتى النهاية بإذن الله لزوال العائق الوهمي.
لا تلم نفسك على الوقوع في الأخطاء إذا وقعت؛ فـ(كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون).
وخالف النفس والشيطان واعصهما ** وإن هما محّضاك النصح فاتهمِ
أوصيك بطلب العلم النافع، وتوسيع دائرة ثقافتك واطلاعك في متابعة الكتب والدروس والبرامج النافعة والمفيدة، والمحافظة على الأذكار والصحبة الطيبة، ومجاهدة النفس (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).
أسأل الله أن يرزقك الله التوفيق والسداد، وأن يلهمك القوة والرشاد، والحكمة والحزم والثبات والصواب، وأسعدك في الدنيا والآخرة.