اتبعت كل الوسائل التي تبعدني عن الشهوة ولكن دون جدوى!
2017-05-22 05:28:52 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله على كل شيء، أشكركم إخواني وأهلي في الإسلام على هذا المواقع الرائع.
أنا شاب عمري 24 سنة، أدرس في جامعة غربية في أوروبا نتيجة الظلم الذي وقع علي في بلدي وسجني وعذابي؛ فاضطررت أن أهاجر وأكمل دراستي، قصتي في الحقيقة عندما أتيت إلى هذا البلد، وجدت أن بلدي برغم كل مساوئه أفضل من هذه البلاد، ولكن لدي مشكلة مع المرأة.
طلبت الزواج من أهلي مرارا وتكرارا لحفظ نفسي من الكبائر، ولكني أقابل بالرفض؛ بسبب الحالة المادية، فكلما خرجت إلى جامعة وجدت الكاسيات العاريات حتى في سكني وجيراني يقومون بالعلاقة المحرمة ويسمونه الحب، فالجنس يمارس في الشارع بدون أي حياء، تحت بيتي هناك النوادي الليلة التي تكون شبه مجانية.
انتقلت إلى قرية صغيرة لكي أبتعد عن الشبهات، ولكن الحال يبقى نفسه، أبكي عندما أصلي، وأقوم الليل وأدعو وأقول يا ليت أمي لم تلدني، تعلقت بالعادة السرية وأنا أعلم أنها محرمة، أصوم ولكن الصيام يهذب نفسي يوما أو يومين، والنهار لدينا طويل، فأنا أدعو ربي أن يهديني للقلب السليم.
اتبعت كل الوسائل التي تبعدني عن التفكير في الشهوة الجنسية، أتوب وأتوب وأعاهد ربي أن لا أعود، طبعت أوراقا فيها سورا من القرآن الكريم وعلقتها في غرفتي، وضعت كل شيء يذكرني بالله عز وجل، حرقت جسدي لكي أذكر نفسي بعذاب النار، وكلما ألتزم يأتيني ذلك التفكير الذي يخنقني فأضرب رأسي وأقوم وأتوضأ وأدعو الله أن ينصرني على نفسي، ثم أذنب ثم بسرعة أبادر إلى توبة، ثم يأتيني شعور يجعلني أبكي من الألم، أمارس الرياضة، وأخرج إلى المسجد ولكن نفسي تقتلني من شدة الألم، هل يجوز إخصاء نفسي لكي أخفف على نفسي الخوف من الوقوع في سهم من سهوم الشيطان؟
حاولت أن أذهب إلى البلاد العربية ولكن لا جدوى؛ لأن جنسيتي سورية.
أعتذر على الإطالة، أفيدوني وساعدوني جزاكم الله خيرا على كل عمل صالح.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
هذه الحياة ابتلاء واختبار للناس، ينظر الله فيها من يطيعه ومن يعصيه، قال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا).
وجود الشهوة في الإنسان لحكم كثيرة، منها الاختبار هل يستعملها فيما أباح الله له، ويحجز نفسه عما حرم الله، أم يخبط فيها خبط عشواء؟
من القواعد التي ذكرها الله تعالى في القرآن أن من جاهد نفسه في طاعة الله والابتعاد عن معصيته هداه الله ووفقه، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
من العلاجات النافعة في هذا المجال: كثرة الصوم بنية التقرب إلى الله ونية الحد من الشهوة، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، ولا يمكن أن يكون إرشاد النبي -صلى الله عليه وسلم- بدون فائدة، فإنه مع المداومة على الصوم تفتر الشهوة.
من العلاجات والتدابير المهمة ما أمر الله به في القرآن الكريم، بقوله: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)، لقد أحسنت حين خرجت من المكان الأشد فتنة إلى الأقل فذلك من جملة التدابير المهمة.
تواصل مع المراكز الإسلامية، واصحب الأخيار من الشباب والرجال الصالحين؛ فإنهم خير معين بعد الله على الطاعة، واستفد من توجيهاتهم وشاركهم في الأنشطة الاجتماعية والرياضية، واشغل نفسك بكل عمل مفيد.
العادة السرية كما ذكرت محرمة ولها عواقب وخيمة، ومع هذا فالوقوع فيها أخف ضررا من الوقوع في الزنا، وديننا إنما أتى لتحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، والحياة قائمة على الموازنة بين المصالح والمفاسد فإن كان الإنسان لا بد أن يقع في إحدى مفسدتين فليقع في الأدنى، ويدفع الأعلى، ومن ذلك أن يقع في العادة السرية ويدفع الزنا، لكن هذا عند الضرورة الملجئة.
احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وتجنب المواطن التي تثير شهوتك قدر المستطاع، واجعل لسانك رطبا بذكر الله تعالى، فإن من عصم يوسف قادر على أن يعصمك.
تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وتحين أوقات الإجابة، وتعرض لنفحات الله في مواسم الخير كرمضان مثلا وأكثر من دعاء ذي النون فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
أحسن الظن بالله، ففي الحديث القدسي يقول الله جل في علاه: (أنا عند ظن عبدي بي؛ فليظن بي ما شاء فإن ظن بي خيرًا فله، وإن ظن بي شرًا فله) والمعنى كما قال القرطبي في (المفهم): قيل معنى ظن عبدي بي: ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها، تمسكًا بصادق وعده، ويؤيده قوله في الحديث الآخر: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة".
أكثر من التحاور مع والديك عن موضوع زواجك، واذكر لهم ما تتعرض له من الفتن والضغوطات النفسية التي تدفعك نحو ارتكاب المحرم لولا فضل الله عليك.
أكثر من التواصل مع الصالحين، وكن اجتماعيا فلعلك تجد من يزوجك ويعينك على إكمال دراستك، أو تجد فتاة أو حتى امرأة ثيبا لها مصدر دخل تريد رجلا يعفها عن الحرام، وتستظل بظله وتعينه على نفقات الحياة.
الاختصاء محرم، ففي صحيح البخاري (لقد رد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا).
ما ينبغي لك أن تحرق بدنك بحجة تذكر عذاب الله، ولكن عليك أن تتذكر عقاب الله للعاصين كلما أتتك الخواطر، يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) والمعنى: "إن الذين اتقوا الله مِن خلقه، فخافوا عقابه بأداء فرائضه واجتناب نواهيه، إذا أصابهم عارض من وسوسة الشيطان تذكَّروا ما أوجب الله عليهم من طاعته، والتوبة إليه، فإذا هم منتهون عن معصية الله على بصيرة، آخذون بأمر الله، عاصون للشيطان".
أنصحك بالإكثار من الاستغفار، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريح الهموم، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).
وثق صلتك بالله، واجتهد في تقوية إيمانك من خلال المحافظة على ما فرض الله عليك، والإكثار من نوافل الأعمال الصالحة، كنوافل الصلاة والصوم وتلاوة القرآن الكريم، فقوة الإيمان تحجزك عن ارتكاب ما حرم الله، وتعينك على مراقبة الله، وما وقع أحد في الذنب إلا بسبب ضعف إيمانه، (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، ومن ثمار الإيمان والعمل الصالح جلب الحياة الطيبة، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، ومن لوازم الحياة الطيبة أن يرزقك الله الزوجة الصالحة التي تحصن فرجك عن الوقوع في الحرام.
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق، وأن يسمعنا عنك خيرا.