أخشى أن يكون الزواج تجارة نهايتها الفشل، أشيروا علي بنصحكم
2017-05-07 03:08:55 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب بعمر 22 سنة، أعجبت بفتاة ذات خلق ودين وتقدمت لخطبتها، ثم طلب والدها أن نتحدث معاً عبر مواقع التواصل، وحصل القبول من الجانبين، ثم تدخل أهلي لتحديد موعد التقدم للخطبة، ولكن بسبب وفاة جدتي تم تأجيل موعد الزيارة.
عندما تقدمنا للخطبة كان هناك طلبات كثيرة للزواج، رغم أننا قدمنا لهم الكثير تقديراً لهم، لكنهم كانوا يعقدون مقارنة بيني وبين شاب آخر يعمل في البترول، حاولنا التحدث معهم بأن السعادة ليست بالذهب أو بالمال، ولكن دون جدوى، ومع ذلك اتفقنا وحددنا مواعيد كل شيء، ثم حدث خلاف بسيط بين أمي وأمها، فتوقف كل شيء.
حاولت مراراً مع أهلي وأهلها حتى عادت الأمور بيننا، وطلبت موعداً للتقدم للخطبة، ولكن أهلها أجلوا ذلك إلى بعد رمضان، وأبلغتهم أنني جهزت شقتي كاملة ما عدا الأثاث وأواني المطبخ، وكنت أستشيرهم قدر المستطاع، وكان كل حديثي وتواصلي مع والدة الفتاة، فتارة يضيقوا علي، وأحياناً تذكر لي والدتها أن أشخاص آخرين يرغبون في التقدم لخطتها، وأن والدها يفكر بالموضوع، فكنت أسكت وأتغافل أحيانا، وأحياناً تكون الأمور جيدة، وحالياً أستعد للخطبة بعد رمضان، وعلى أهلها إحضار الأجهزة وخلافه.
كنت أظنهم ينتظرونني، ولكنني فوجئت بخطبتها لشاب آخر، أكثر مني مالاً، رضيت بقضاء الله، ولكنني أحببت الفتاة، وتمنيت أن يجمعني الله بها، فلا أملك سوى ضعفي ورغبتي في البكاء، وأحاول الظهور أمام الناس بابتسامتي، لكنني أركن إلى الانطواء والعزلة أكثر، وأفكر عقلياً بالبحث عن فتاة أخرى ذات دين، ولكنني مشوش الآن بسبب حبي لتلك الفتاة، وأدعو الله أن يكون ذلك الابتلاء اختباراً لصبري واستعانتي به سبحانه، وأن يجمعني بها رغم بعدي عنها، وخطبتها لغيري، لأنني أرى أنني سأظلم أي فتاة سوف أتزوجها.
كما أفكر في ترك أمر الزواج نهائياً لطلب العلوم الشرعية، وكنت أفكر أنني بالزواج سوف أعين زوجتي وتعينني على ذلك العلم، ورغم أن الناس وصفوني بالعقل والحكمة، إلا أنني إنسان عاطفي للغاية، أحب وأتعلق بشدة، وأبكي بشدة عندما أكون بين يدي الله، لأنه سبحانه يعلم حاجتي ورغبتي في تكوين أسرة تقية يكون مصيرها الجنة.
ماذا أفعل؟ وكيف أتوكل على الله، وكيف أخبر ولي أمر الفتاة أنني سوف أتقي الله فيها، كما أنني لا أريد أن أضيع ديني بكثرة الطلبات التي لا تزيد العبد سوى تعلقاً في الدنيا ومظاهرها، كما أخشى أن ينكسر قلبي من ذلك الزواج، وأن يكون تجارة نهايتها الفشل، بسبب عدم التكافؤ بين الزوجين، فما رأيكم؟
أفيدوني مع الشكر.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ وليد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
- لقد تألمت لألمك وأحسست لمصابك -أخي العزيز-، وأدرك مدى الأثر النفسي العاطفي الذي ستتركه هذه المشكلة في نفسك, فأسأل الله تعالى أن يفرج همك، ويعوضك خيراً ويرزقك الصبر وعظيم الثواب والأجر.
- اعلم -أخي الحبيب حفظك الله وعافاك- أن الابتلاء بالمصائب وغيرها سنّة إلهية كونية، جارية على الخلق كلهم فمن مقل ومن مكثر, لا سيما مع ما نعانيه مؤخراً من كثرة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، -نسأل الله العافية- (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين)، فهذه طبيعة الدنيا (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، (يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاً فملاقيه).
طبعت على كدرٍ وأنت تريدها ** صفواً من الأكدار والأقذارِ.
ومكلف الأيام ضد طباعها ** متطلبٌ في الماء جذوة نارِ.
وإذا طلبت المستحيل فإنما ** تبني الرجاء على شفير هارِ.
- والحكمة منها: أنها تكون لرفع درجات وتكفير سيئات المؤمنين, ولذلك فالمؤمن لا تخلو حياته من المصاعب والأحزان, وحسبنا أنه كان أول دعاء أهل الجنّة: (الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزن إن ربنا لغفورٌ شكور* الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب), وقد ثبت في الصحيحين قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل, يبتلى المرء على قدر دينه, فمن كان في دينه شدة اشتد بلاؤه ومن كان في دينه رقّة هوّن عليه, فما يزال البلاء بالعبد حتى يتركه ويمشي على الأرض وما عليه خطيئة).
الدنيا دار ابتلاء وممر, والآخرة دار نعيم ومستقر، وهذه المصائب والمنغصات تعرّف المؤمن عظمة الله تعالى والآخرة، وحقارة النفس والدنيا, ولما سُئل الإمام أحمد: متى يستريح المؤمن؟ قال: حين يضع إحدى قدميه في الجنة، بل روي عن أبي بكر الصديق قوله: (لو أن إحدى قدمي في الجنة, والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله)، وقد صح عند مسلم قوله -صلى الله عليه وسلم-: (الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر).
- المسلم العاقل يمكنه أن يجعل من الفتنة نعمة, ومن المحنة منحة (لا تحسبوه شراً لكم بل هو خيرٌ لكم)، والمرء -كما يقال- حيث يجعل نفسه، فالواجب عليك ألا تيأس ولا تقنط ولا تستسلم, بل أن تحسن الظن والثقة بالله تعالى ثم بنفسك, وذلك -بإذن الله- بالآتي:
- تعميق وتنمية الإيمان، وذلك بطلب العلم النافع والعمل الصالح، والتفكّر في آيات الله الكونية والشرعية، والإكثار من الذكر، وقراءة القرآن بتدبّر، والعمل الصالح، قال تعالى: (ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه)، (ومن عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين).
- في المقابل فإن الغفلة عن الله تعالى وذكره، وعن الدار الآخرة والعمل الصالح مما يقسي القلب، ويضيق الصدر ويزيد من الهموم والأحزان قال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى)، (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطاناً فهو له قرين).
- مما يعينك على الصبر على هذا البلاء أن تشكر ربّك، باستحضار ما منّ عليك من النعماء (وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلومٌ كفّار), وأن تحسن الظن بالله، فما يدريك فلعل الفتاة التي تعلقت بها لم تكن خيراً لك في المستقبل, لا سيما مع ارتباطها بأسرة مادية, ولعل الله يعوضك خيراً منها, واختياره سبحانه لك خير من اختيارك لنفسك, كما قال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون), كما قال في أمر الطلاق حين يكثر الشقاق ولم يكن مجال للوفاق: (وإن يتفرقا يغنِ الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيما)، فاستحضر ثواب البلاء والأجر عليه يوم اللقاء وفي الحديث: (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه)، متفق عليه.
كما صح قوله: (تكون للعبد المنزلة يوم القيامة عند الله فلا يبلغها بعمل فما يزال البلاء به حتى يبلغها)، ولذلك قال بعض السلف: (لولا المصائب لوردنا يوم القيامة مفاليس)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير, فإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ولا يكون ذلك لأحد إلا للمؤمن)، رواه مسلم.
- الإيمان بالقدر والقضاء, والثقة بالله تعالى ثم بالنفس (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم)، وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، احرص على ما ينفعك واستعن بالله، ولا تعجز، ولا تقل لو أنّي فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدّر الله ما شاء فعل)، رواه مسلم.
- حيث قد صارت الفتاة مخطوبة، فلا مجال للمزاحمة ولا للحسرة, وثق أنها لو كانت من نصيبك لم تذهب لغيرك, "فما مضى فات, والمؤمل غيب, ولك الساعة التي أنت فيها"، فبادر بالبحث عن فتاة أخرى تجتمع فيها صفات الدين والخلق والجمال تعوّضك عمّا فاتك من العاطفة والحنان، فاتقِ لله وتوكل عليه وأبشر بقرب رحمته وفرجه (من يتق الله ؤيجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه).
- اعطِ نفسك حقها من الراحة المباحة كمزاولة الرياضة، والخروج إلى المتنزهات مع الصحبة الطيبة والصالحة، لدفع الطاقة النفسية السلبية, فقد قال بعض السلف: (أجمّوا هذه القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان).
- أخيراً: فإني أوصيك -أخي الحبيب- بتدبّر القرآن الكريم وما فيه من قصص الأنبياء والمرسلين, وتدبّر السيرة النبوية, والتمعّن في مثل هذه الكتب: (الوسائل المفيدة للحياة السعيدة) للشيخ عبد الرحمن السعدي، (جدد حياتك) للشيخ محمد الغزالي، (لا تحزن) للشيخ عائض القرني، (استمتع بحياتك) للشيخ محمد العريفي.
أسأل الله تعالى أن يفرج همك، ويكشف غمك، ويعينك في أمورك، ويحفظك من السوء وأهله، ويرزقك الزوج الصالح والصحبة الصالحة، وسعادة الدنيا والآخرة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله.