أعاني من هموم وضيقة في الصدر وأشعر بعدم التوفيق في حياتي، فما الحل؟
2017-04-26 01:09:20 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم..
أنا شاب، عمري 21 عاما، أغض بصري، وأذكر ربي، وأطلب العلم، ولكني أشعر بضيق في قلبي، وهم من حالتي المادية، وأشعر أنني غير موفق بشيء أبدا، فماذا أفعل؟
وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
- اعلم –أخي الحبيب حفظك الله وعافاك– أن الابتلاء بالأمراض والهموم والمصائب وغيرها سنّة إلهية كونية جارية على الخلق كلهم، فمن مقل ومن مكثر, لاسيما مع ما نعانيه مؤخراً من كثرة الضغوط والأزمات المتنوعة والمختلفة، نسأل الله السلامة والعافية، قال الله تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين...) فهذه طبيعة الدنيا (لقد خلقنا الإنسان في كبد) (يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاً فملاقيه).
طبعت على كدرٍ وأنت تريدها ** صفواً من الأكدار والأقذارِ
ومكلف الأيام ضد طباعها ** متطلبٌ في الماء جذوة نارِ
وإذا طلبت المستحيل فإنما ** تبني الرجاء على شفير هارِ.
- فتكون أحياناً كعقوبات للعاصين بغية رجوعهم لرب العالمين (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون).
- وتكون أحياناً لرفع درجات وتكفير سيئات المؤمنين الصادقين, ولذلك فالمؤمن لا تخلوا حياته من الهموم والأحزان, وحسبنا أنه كان أول دعاء أهل الجنّة: (الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزن إن ربنا لغفورٌ شكور* الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب) كما صح في البخاري ومسلم قوله صلى الله عليه وسلم : (أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل, يبتلى المرء على قدر دينه, فمن كان في دينه شدة اشتد بلاؤه ومن كان في دينه رقّة هوّن عليه, فما يزال البلاء بالعبد حتى يتركه ويمشي على الأرض وما عليه خطيئة).
- فالدنيا دار ابتلاء وممر, والآخرة دار نعيم ومستقر. وهذه المصائب والمنغصات تعرّف المؤمن عظمة الله تعالى والآخرة، وحقارة النفس والدنيا, ولما سُئل الإمام أحمد: متى يستريح المؤمن؟ قال: حين يضع إحدى قدميه في الجنة. بل روي عن أبي بكر الصديق قوله: (لو أن إحدى قدمي في الجنة, والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله) وقد صح عند مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر).
- وفي سبيل التخفيف من حدّة الهموم والأحزان فلنعلم أن الله تعالى وإن جعل الدنيا دار بلاء وشقاء إلا أنه أمرنا بطلب الراحة والسعادة فيها بحسب الإمكان كما قال تعالى: (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنّي أعود بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وقهر الرجال)؛ ذلك لأنها ربما كانت الابتلاءات فتنة للمسلم عن دينه والعياذ بالله كما وهي دمار للصحة النفسية أيضاً.
لكن العاقل يمكنه أن يجعل من الفتنة نعمة, ومن المحنة منحة (لا تحسبوه شراً لكم بل هو خيرٌ لكم) والمرء –كما يقال– حيث يجعل نفسه.
فالواجب عليه ألا ييأس ولا يقنط ولا يستسلم, بل أن يحسن الظن والثقة بالله تعالى ثم بنفسه, وذلك –بإذن الله– بالآتي:
- تعميق وتنمية الإيمان وذلك بطلب العلم النافع والعمل الصالح والتفكّر في آيات الله الكونية والشرعية والإكثار من الذكر وقراءة القرآن بتدبّر والعمل الصالح. قال تعالى: (ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه)، (من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين).
- وفي المقابل فإن الغفلة عن الله تعالى وذكره وعن الدار الآخرة والعمل الصالح مما يقسي القلب ويضيق الصدر ويزيد من الهموم والأحزان كالذي نسمعه ونقرؤه في بلاد الغرب رغم ما هم عليه من ثراء من فشو الأمراض النفسية وظاهرة الانتحار مما يلجؤهم إلى هروب مؤقت كالمسكرات والمخدرات. قال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطاناً فهو له قرين).
- ومما يعين على الصبر على البلاء أن يشكر العبد ربّه باستحضار ما من عليه من النعماء (وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلومٌ كفّار).
- الإيمان بالقدر والقضاء, والثقة بالله تعالى ثم بالنفس (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف... احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ولا تقل لو أنّي فعلت كذا كان كذا وكذا ولكن قل : قدّر الله ما شاء فعل) رواه مسلم.
- استحضار ثواب البلاء والأجر عليه يوم اللقاء، وفي الحديث: (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه) متفق عليه. كما صح قوله: (تكون للعبد المنزلة يوم القيامة عند الله فلا يبلغها بعمل فما يزال البلاء به حتى يبلغها). ولذلك قال بعض السلف: (لولا المصائب لوردنا يوم القيامة مفاليس). وقال صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير, فإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ولا يكون ذلك لأحد إلا للمؤمن) رواه مسلم.
- التقوى لله والتوكل عليه (من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه).
- إعطاء النفس حقها من الراحة وفق حدود المشروع كمزاولة الرياضة والخروج إلى المتنزهات مع الصحبة الطيبة والصالحة فقد قال بعض السلف: (أجمّوا هذه القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان).
- أوصيك –أخي الحبيب– بتدبّر القرآن الكريم وما فيه من قصص الأنبياء والمرسلين, وتدبّر السيرة النبوية, والتمعّن في مثل هذه الكتب:
(الوسائل المفيدة للحياة السعيدة) للشيخ عبد الرحمن السعدي. و(جدد حياتك) للشيخ محمد الغزالي. و(لا تحزن) للشيخ عائض القرني. و(استمتع بحياتك) للشيخ محمد العريفي.
أسأل الله تعالى أن يفرّج همك وغمك, ويكشف حزنك وكربتك, ويشرح صدرك وييسر ويتولى أمرك, ويرزقك سعادة الدنيا وكرامة الآخرة.