كل شيء أفكر به يحدث عكسه، فهل أنا متشائمة؟
2017-04-19 01:44:09 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
مشكلتي كلما أفكر في شيء معين يحدث عكسه، حتى في أبسط الأمور، فمثلا أكون مستلقية على سريري وأحدث نفسي بأنني سوف أذهب إلى دورة المياه -أكرمكم الله- بعد قليل، ومباشرة أسمع باب دورة المياه يفتح من قبل أخواتي ويدخلن إليه، وهذا الأمر لم يحدث مرة أو مرتين أو ثلاث مرات، وإنما عشرات المرات.
وقصة أخرى: أنا من الناس الذين يحمرون خجلا ولأبسط الأمور، وعند دخولي إلى الكلية كان لدي عرض فخشيت أن يظهر الاحمرار علي كما يقولون لي، فبقيت خائفة وأفكر وأتخيل نفسي وأنا أعرض، ولكن عندما انتهيت تفاجأت أن الأمور سارت على ما يرام، ولم يظهر علي الاحمرار أبدا.
أيضا عندما نخطط لرحلة بالغد أصبح سعيدة، وأظل أفكر وأتخيل ماذا سأعمل في هذه الرحلة؟ ولكن للأسف لا يتحقق تخيلي، أو أن الرحلة تلغى بالكامل، وعندما أحدث نفسي عن موضوع معين أجد مباشرة من حولي يبدؤون بالحديث عن نفس الموضوع، ولكن بعكس ما كنت أفكر به، فأنا لست وحدي من يحس بهذا الأمر، فلقد بحثت في النت ووجدت أن هناك بعضا من الناس ممن يعانون من نفس مشكلتي، والكثير من الناس أجابوهم بأن هذا سببه عدم حسن الظن بالله، ولكن السؤال لماذا عندما نتشاءم يحدث الأمر الجيد، وعندما نتفاءل يحدث العكس؟ أمور كثيرة في حياتنا نتفاءل فيها، وللأسف لم نجد ما يرضينا، ألم يقل الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (تفاءلوا بالخير تجدوه)، فلماذا نحن نجد الخير عندما نتشاءم؟
فعندما أتمنى شيئا أفكر فيه طريقة تشاؤمية؛ حتى أجد المطلوب، وحقيقة التفكير في الأشياء بصورة تشاؤمية متعب جدا، فبديهيا كل إنسان يحلم بأحلام يقظة جميلة وليست تشاؤمية، أخذت أفكر عن السبب المحتمل، فتارة أقول ربما لأني لا أقول بإذن الله، أو إن شاء الله، ولكن المشكلة تحدث حتى في صغائر الأمور، وتارة أقول ربما بسبب أنني أفكر في المستقبل وكأني أفكر في الغيب الذي يعتبر حرام، وتارة أقول ربما الشيطان هو السبب، ولكن الشيطان لا يعلم ما في صدورنا.
حقيقة أصبحت لا أطيق العيش بتاتا، وأصبحت وللأسف متشائمة كثيرا، ثقتي بالله قليلة، وأشعر أنني سبب تعاسة المنزل بتفكيري الذي يحبط كل خططنا، فهل من الممكن أن يكون سببه غضب الله، أم عدم حبه لي؟ فأنا أستغرب من كراهية الناس لي بدون سبب وأقول ربما لأن الله يكرهني فكره عباده بي، مع أنني عشت سنين حياتي صابرة على كل ما لقيته من ظلم وإهانات وكان شعاري دائما الصبر، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس وسترهم، وكنت مدركة أن الفرج من ربي سيأتيني لا محالة، وأن ربي سيكتب لي السعادة في يوم من الأيام، ولكن للأسف ما أراه اليوم أحبطني كثيرا، أنا لا أريد أن أعيش في قصر ولا أن أعيش مترفة، ولكنني أريد حياة كريمة، وزوج ميسور الحال، واحترام الناس.
أصبحت أحدث نفسي ليتني لم أصبر، ليتني لم أكظم غيظي، وليتني لم أعف عن أحد، وعندما أصلي تأتيني الوساوس لماذا أصلي؟ فالله لا يحبني، ويريد أن يضلني كي أدخل النار.
وأخبركم أيضا أنني لا أشعر بنفسي -ربما لن تفهموا ما أقصد- وأشعر أن قدمي لا تلمس الأرض، ليس لي وجود،عندما كنت صغيرة وأنا على فراش نومي بكيت بسبب هذا الأمر، وعندما قمت من الفراش لأقضي حاجة شعرت ولأول مرة أن قدمي تلامس الأرض، ثم عاد الحال إلى طبيعته.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمن القواعد المسلمة عند المسلم أن جميع ما يدور في الكون يسير وفق قضاء الله وقدره، ولا يتحكم فيه أحد سواه سبحانه وتعالى فهو القائل: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له اكتب قال وما أكتب قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.
لكل حادث يحدث في حياتنا سبب قد يعلم ذلك السبب وقد لا يعلم، وليس تفكيرنا هو السبب فيما يحصل ولكن تكون هنالك توافقات فأنا أفكر في إنسان وفجأة يطرق علي الباب أو أراه أمامي أو يتصل بي وما شاكل ذلك من أحداث فهذا إنما حدث وفق قضاء الله وقدره وليس تفكيري هو الذي جعله يطرق الباب مثلا.
ينبغي على العبد أن يكون محسنا الظن بالله فلا يتهمه بأنه يكرهه أو إنما خلقه ليعذبه في الدنيا، أو أنه أصبح مصدر شقاء للآخرين، يقول شَدَّاد بن أَوْس: يَا أَيهَا النَّاس لَا تتهموا الله فِي قَضَائِهِ؛ فَإِن الله لَا يَبْغِي على مُؤمن فَإِذا نزل بأحدكم شَيْء مِمَّا يحب فليحمد الله وَإِذا نزل بِهِ شَيْء مما يكره فليصبر وليحتسب فَإِن الله عِنْده حسن الثَّوَاب.
احذري من التشاؤم الذي هو الظنُّ السيئُ الذي يكون في القلب فإن ذلك مما يجلبه الشيطان للإنسان، ولذلك لما ذُكِرَت الطِّيَرةُ عند رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، والطيرة هي التشاؤم من رؤية شيء أو سماع صوت أو ما شابه ذلك فقال: (أحسَنُها الفأْلُ، ولا تردُّ مُسلمًا؛ فإذا رأى أحدُكم ما يكرَه فليقُل: اللهم لا يأتي بالحسَنَات إلا أنت، ولا يدفعُ السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله).
في الحديث عنه –صلى الله عليه وسلم– يقول: «لا عدوَى ولا طِيَرَة ولا هامَة ولا صَفَر»؛ رواه الشيخان.
والمعنى: أن هذه الأمور لا تأثيرَ لها بذَوَاتها البتَّة، ولا يجوزُ للمُسلم أن يعتقِدَ بها أو فيها، ولا أن يُلقِيَ لها بالاً؛ فكونك تتشاءمين من تفكيرك وأن تلك الأفكار تؤدي إلى أفعال عكسية نوع من التطير الذي حذرنا منه نبينا عليه الصلاة والسلام.
قولك إنك صرت مصدر شقاء على أسرتك نوع من التطير فأقلعي عن هذه الأفكار الخرافية.
لقد رغب الشرع بالتفاؤل وحث على إحسان الظن بالله تعالى والمقصود بالتفاؤل انشراح قلب المؤمن، وإحسانه الظن، وتوقع الخير فكان ذلك من أخلاق نبينا عليه الصلاة والسلام لأن التفاؤل يفتح للإنسان آفاقا ويؤدي إلى انشراح الصدر ويزرع الثقة بالله تعالى وبوعده.
ثبت في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ) وفي مسند الإمام أحمد عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَتَفَاءَلُ وَلَا يَتَطَيَّرُ، وَيُعْجِبُهُ الاسْمُ الْحَسَنُ).
لقد رغب عليه الصلاة والسلام بحسن الظن بالله وحذر من سوء الظن به ففي مسند الإمام أحمد عن أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللهُ عليه وسلم- قَالَ: (إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ).
لا شك أن لقول إن شاء الله دور كبير فيما يتكلم به الإنسان، فإن لم يقل الإنسان إن شاء الله قد يحدث عكس ما نطق أو خطط، ولذلك أمرنا الله بها في قوله: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) وفي الصحيحين أن سليمان بن داود عليه السلام قال: (لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تحمل كل امرأة فارسًا يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فلم يقل، ولم تحمل شيئًا إلاَّ واحدًا ساقطًا أحد شقيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قالها لجاهدوا في سبيل الله).
كيف تظنين أنه لا وجود لك وأنك لا تشعرين بنفسك، فمن الذي كتب لنا هذه الاستشارة فأنت موجودة، ولكن عندك تخيلات غريبة، ولذا فإني أنصحك أن ترقي نفسك صباحا ومساء بما تيسر من القرآن والأدعية المأثورة وتنفثي في كفيك وتمسحي ما تيسر من جسدك.
أكثري من تلاوة القرآن الكريم واستماعه، وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
وثقي صلتك بالله تعالى، واجتهدي في تقوية إيمانك، وأكثري من الأعمال الصالحة توهب لك الحياة الطيبة كما وعد الله بذلك بقوله: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم، وكشف الكروب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).
نسعد بتواصلك، ونتمنى أن تنتفعي بما ذكرنا لك من موجهات، وأن تعيشي حياتك بشكل اعتيادي، وألا تعطي القضية أكبر من حجمها، وفقك الله لكل خير، ودفع عنك كل سوء وضير إنه سميع مجيب.