حالات الاكتئاب التي تؤدي إلى إسقاط الذات وكيفية تجازوها

2004-12-22 12:36:26 | إسلام ويب

السؤال:
كنت خلال مرحلة الابتدائي متفوقة جداً، والأولى دائماً في دراستي، مع أن والدي قد أخرني عن الدراسة سنة لخوفه علي، وكنت أحب إحدى معلماتي جداً، وفي المتوسط أحببت غيرها معها، ولكن مستواي تدنى قليلاً لكثرة التفكير بها، وتذكرها وتقليدها وكتابة الخواطر والمذكرات اليومية عنها، وكان لي صاحبات كثر، وبحكم أني ليس لدي أخوات وكنت أصغر إخوتي كنت أحب الصديقات، ومتفانية في خدمتهن، وحين يتصلن بي كنت أطيل المكالمات، وأخجل أن أرد متصلة ولو كان تأثيرها على مستواي الدراسي.

وفي الثانوية كذلك، لكن المعلمة التي أحببتها كانت متدينة، فأثرت في سلوكي كثيراً، وقد كان في المتوسط ينصحني أخي كثيراً، فتحسنت نفسيتي، وسرت ـ ولله الحمد ـ في طريق الخير، وبصحبة بنات طيبات، إلى أن وصلت إلى المرحلة الجامعية، وكنت - وهذا من فضل الله - محل حب وتقدير واحترام الجميع من معلمات وطالبات وبعض الأهل، وأمي لها دور كبير في حسن تربيتي بعد وفاة والدي.

ومع شدة قربي بأمي وحبنا لبعضنا إلا أني كنت لا أصارحها تماماً بالذي كان يحدث لي مع صديقاتي، ومن حبي لمعلماتي وأفعالي وكلامي معهن، لكن كنت أتحدث بالهاتف معهن، لكن ليس أمام أمي؛ لأنها ستعلق فيما بعد على الشيء الكثير من كلامي، ولا أدري لماذا لم أكتف بحب أمي الكبير لي؟ ربما لأني كنت أبحث عن الأخت، أو لأن فكرة أن الوالدين لا يفهمون الأبناء قد تغلغلت في أعماقي؟

في مرحلة الكلية عشت في السكن الداخلي للطالبات، تلك هي الفترة المميزة في حياتي، فقد تركت بصمتها إلى الآن علي، كنت متغربة عن أهلي، وجدت مصاعب كثيرة من ناحية تأقلمي مع بنات جدد من كل بلد، لكني - والحمد لله - كنت أتغلب عليها، كان الطالبات يهتممن بالمذاكرة ولو كان المكان وسخاً، وكنت أنا العكس، لا أستطيع المذاكرة في مكان وسخ، فأترك المذاكرة وأنظف، ويتعجب الجميع مني، لكني أشعر براحة الضمير.

لكن مشكلة الحب لازالت في داخلي، أحببت إحدى الطالبات في السنة الرابعة، وقدمت لها كل شيء دون أن تطلب، وهي تعاملني كأي بنت مستجدة تحتاج إلى العطف والحنان، ولكني لم أفهم، أفكر بها وأتحدث عنها وأقدمها على الجميع، وأتمنى فقط الجلوس معها والحديث، وكنت أراها جميلة مع أنها غير ذلك، وحين تمرض أسهر الليل بجانبها، وأثر ذلك التفكير في مستواي جداً في السنة الأولى، وكنت أنام في المحاضرات لعدم النوم الكافي ليلاً في السهر في شيء لا يهم، ولا أستطيع التركيز في المحاضرات، وكثيرة النسيان، وعندما انتهت السنة نجحت، لكن بتقدير جيد، وأنا التي كنت ممتازة.

ثم تمت خطبتي لأحد الشباب الطيبين، لكن حبي أيضاً للبنات لا زال مشكلتي التي أعاني منها إلى اليوم، إني أحب مساعدة الناس ولو على حساب أي شيء، أي شيء ولو كان صحتي، نومي، مستواي الدراسي، المهم عندي ألا أرى أحداً مهموماً وأنا أقدر على مساعدته، للأسف الشديد لا أرد أي طارق باب لغرفتي، ولو كان عندي اختبار، مع أنهم كانوا يهتمون للاختبارات جداً، ويستعدون لها قبلها بشهر، وأنا كنت لا أذاكر إلا ليلة الاختبار أو قبلها بيوم أو يومين.

ربما أني معتمدة كل الاعتماد على بعض القناعات النفسية، مثلاً ربنا سيسهل الأمور لو ساعدنا بعضنا، سأنجح بإذن الله لو رسمت البسمة على الشفاه، الاختبارات ليست كل شيء، سأنجح بإذن الله لو كنت غير مستعدة؛ لأن بعض الدكاترة لا يصححون أوراق الإجابة، مثلما نجح البعض الذين هم كسالى لا يفهمون، سأنجح وأنا - والحمد لله - أفهم دون أن أحفظ، وقد كان البعض يقولون عني أني أفهم، حتى لو لم أحفظ، فأستطيع التعبير عما أريد، وقد كنت متفوقة في مادة التعبير، كنت أحتاج إلى المساعدة من البعض، ولم أجدها، كن أنانيات جداً، ويقدمن الاختبار على كل شيء، عكسي تماما.

في السنوات التي تليها تخرجت تلك الفتاة، كنت حين أعود إلى أهلي لأستعد للاختبار أنام ولا أذاكر إلا قليلاً، وآخذ الهدايا للبنات والأكل بعد ذهابي، وأتعب في المذاكرة؛ لأني لا أستوعب، بل أفكر كثيراً في كل شيء، كل شيء وخاصة حياتي في سكن الطالبات، وبعدما كنت متفوقة تقهقر مستواي كثيراً، كانت لي صديقة - وهي للأسف زميلة - تنخر في قلبي بكلامها، وهي تدعي محبتي، وتفرض صداقتها علي، وتقول للجميع أننا منذ سنوات عمرنا الأولى ونحن صديقات، وأننا نحب بعضنا، مع أنها عادية بالنسبة لي، وليتني لم أعرفها، فهي سببت شقاء لي.

هذه الزميلة كانت تدرس معي، وتقول لي: (تعالي أشرح لك هذا الدرس!) فقلت لها أنا فاهمة الدرس، لا تقولي أشرح لك، نحن فقط نذاكر مع بعضنا، هي تحب دائماً أن تبين للجميع نقاط ضعفي، وأني لا أفهم، وأنها أذكى مني، وأمامي، بأسلوب لا يجعلني أغضب منها، بل بأسلوب خفي، فهي تقول إن بعض الملابس ليست جميلة علي؛ لأن جسمي غير متناسق، وركزت هذه المعلومة في نفسي، وصرت دائماً أحطم نفسي، وأشعر أن ليس كل شيء جميلا هو جميل علي!، على العكس من جسمها كما تقول.

وتقول أني لا أفهم من أول مرة، وهي العكس، كلامها أثر في نفسي كثيراً، وصرت فعلاً أشعر أني لا أفهم مباشرة، وذلك أني حين يكلمني أحد في موضوع أجدني مشتتة، أفكر في شيء آخر، وقد لا أسمع ماذا يقول؛ لأني لم أنتبه، فقد شغلت نفسي في أشياء أخرى، ومع أني لا أحب أن أسيء إلى أحد، وليس لي أعداء، واجتماعية، ومحبوبة - ولله الحمد - من الجميع، لكني أشعر أن هذه الزميلة تغار مني، وكثير من تصرفاتها تدل على ذلك، مع أني دائماً أرفع معنوياتها، وأشجعها، لقد حطمتني فعلاً، وأثر ذلك في نفسي إلى يومنا هذا بعد مضي ست سنوات.

كان البعض ينصحني بالاهتمام بالمذاكرة؛ لأنها هدف، لكني لم أستطع في الوقت الضائع، وأضعت كل شيء، وزميلاتي الضعيفات تخرجن بامتياز، وتوظفن، وأنا لا، أنا ـ والله ـ لا أحسدهن، بل أغبطهن، مع أني لا أريد الوظيفة، لكن أريد التقدير؛ لأني كثيراً ما أخجل من ذكر (جيد).

لاحظت بعد تخرجي أني - للأسف - تخرجت بتقدير (جيد)، ولم أتوظف؛ لأنهم يركزون على التقادير العالية، والدورات، والخبرات، وهي لا تشجعني على الوظيفة، وأني كسبت علاقات كثيرة جيدة، وكونت صداقات رائعة، لكني - للأسف - خسرت نفسي وتفوقي ومستواي، وأصبحت كثيرة التفكير في كل شيء، وكل شيء يقلقني، وأفكر في فلان وعلان، هل غضب مني؟ وهل أسأت إلى أحد؟ وأعتذر كثيراً ولو لم أخطئ بالنسبة للبعض؟

ثم تزوجت، ولله الحمد مستقرة، لكن زوجي أفضل مني - ما شاء الله عليه - في كل شيء، وأشعر أنه تزوج زوجة فاشلة، حتى في تقديرها، كثيرة النسيان معه ومع أهله، وهم - ما شاء الله عليهم - ذوو ذاكرة قوية، غير منظمة في حياتي مع أني أهوى النظام وأسعى له، وكنت في السابق يضرب بي المثل!

مع أني وقت التدريب في المدارس وأنا في الكلية كنت آخذ امتياز، وقد طلبت أنا من المعلمة والمشرفة أن تحضر لي من أول حصة تدريس لي، على العكس من بقية البنات، وكنت واثقة من نفسي، وكان معلماتي يقلن لي ستصبحين داعية إن شاء الله؛ لأني كنت أجيد النصح والكلام والنشيد والقراءة الواضحة، وأناقش المعلمات وأسألهن عن كل ما يشكل.

الآن أشعر أني حين أتكلم أن الكلام طار، ولا أدري ما الذي أردت قوله، وأتلعثم كثيراً، وأتشتت في الموضوع، وأتكلم بسرعة، حتى إني ألاحظ في وجوه البعض أنهم لم يفهموا ما قلت؛ فأعيد ثانية، لا أتهرب من النظر في وجوه الناس ذوي الشخصية القوية، ومن هم أفضل مني، وأضل أتكلم وعيني هنا وهناك، لا أستطيع الفهم، أحياناً حتى يعاد الكلام مرة ثانية، أنا الآن في وظيفة خيرية، لكني أشعر أني ضعيفة الشخصية؛ لأني طيبة، ولست حازمة، بل مرنة جداً.

أجد نفسي أحياناً متذبذبة في قراري إذا نصحني البعض بشيء غير الذي في بالي، وأتضايق حين أشعر أن البعض يعلق علي، وأقبل العذر، وأنا لا أستطيع أن أكون حازمة؛ لأن لي نقاط ضعف كثيرة، مثلا: لا أستطيع أن أتكلم كثيراً في مسألة الحضور مبكراً؛ لأني أحياناً كثيرة أتأخر عن الحضور، وفي نفس الوقت أرغب في المثالية، مع أني محبوبة من الجميع - ولله الحمد - ولكني حين أصاب بمشكلة، أو أجد أحداً لا ينفذ كلامي، أقول لنفسي لقد فشلت، لقد فشلت، لكني أرجع وأقول بإذن الله سأتغلب على كل الظروف، وأجعلها تجربة ناجحة لي.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريما حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

نشكرك غاية الشكر على رسالتك المفصلة، والتي عكست تماماً أن كل ما بك يتعلق بالسمات في شخصيتك، والتي أصبح القلق وما يعرف بالإسقاط وعدم القناعة بالذات، والتفكير السلبي، والحساسية، هي التي تسيطر على شخصيتك، وهذا بلا شك أدى إلى شعورٍ بالإحباط، مما نتج عنه عدم سعيك لتطوير الذات، بالرغم من أنك من الواضح لديك إمكانيات كثيرة .

لا شك أن ميولك العاطفي والوجداني حيال بنات جنسك تُعتبر أيضاً ظاهرة نفسية واجتماعية، تؤدي في ذاتها إلى الشعور بالإحباط في نهاية المطاف؛ لأنها غير مقبولة اجتماعياً ودينياً، بالرغم من كل ما يقال عن الجنسية المثلية في الدول الغربية.

أرجو مخلصاً أن تتأملي بصورةٍ أكثر دقة وشمولاً للصفات الإيجابية التي تحملها شخصيتك، وتحاولي أن تنمي هذه الصفات الإيجابية، ومن ثم سوف ينحصر كل ما هو سلبي في حياتك ومشاعرك.

ما ذكرته عن الصعوبات التي واجهتك في القسم الداخلي للبنات يُعتبر أمراً طبيعياً، حيث أنك تريدين فرض قيم معينة لا تروق للآخرين، وفي ذات الوقت أنت غير متقبلة لما تقوم به زميلاتك البنات.

على العموم هذه الفترة انقضت، وأرجو أن تنقلي نفسك إلى الحاضر والمستقبل، وتعيشي ذلك بقوةٍ وأمل.

أنا أرى أنك سوف تستفيدين كثيراً في حالة تناول بعض الأدوية المضادة للقلق والاكتئاب والوساوس، والدواء الذي أنصح به في حالتك، عقار يعرف باسم بروزاك، أرجو أن تبدئي بكبسولة واحدة يومياً لمدة شهر، ثم ترفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم، وذلك لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفض إلى واحدة لمدة شهرين آخرين، وبعدها يمكن إيقاف هذا العلا .

أرجو أن لا تستغربي دور الأدوية هنا، حيث أنه اتضح أن العوامل البيولوجية تلعب دوراً أساسياً في تكوين الشخصية وتطويرها، كما أن المشاعر السلبية التي تسيطر عليك هي في الواقع إحدى إفرازات الاكتئاب، ونعرف تماماً أن الاكتئاب في جله يتعلق الآن بكيمياء الدماغ.

وبالله التوفيق.

www.islamweb.net