عند تعرضي لصدمة تتغير طبيعتي وأبتعد عن ربي، فهل أعاني من فصام؟
2016-01-02 21:56:35 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أعاني من حالة تنتابني، فبمجرد تعرضي لصدمة أجدني أبتعد عن ربي، وأرتكب المعاصي الكبيرة، وأكون شخصية أخرى غير شخصيتي المعتادة، وأحب أشياء لم أكن أحبها، ولكن بعد فترة أرجع لطبيعيتي وشخصيتي، وحبي لربي، فهل أنا أعاني من الانفصام أو الازدواجية؟ وهل أنا محتاجة للعلاج؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ NO no no حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
لا أرى أنك تعانين من مرض الفصام، وهذا التقلُّب في المنهجية والتصرف، والتقلب ما بين السير في طريق الخير ثم السير في طريق الشر هو أحد العلامات التي نشاهدها لدى الأشخاص الذين لديهم هشاشة كبيرة في أفكارهم، وكذلك في وجدانهم وتركيبتهم النفسية، وربما شخصياتهم.
أيتها الفاضلة الكريمة: الإنسان حين يكون على هذه الدرجة من الهشاشة تتلاعب به نفسه الأمَّارة بالسوء، للدرجة التي لا تُعطي النفس اللوامة الفرصة الكاملة للهيمنة والسيطرة، لأن النفس اللوامة تنقل الإنسان إلى مرحلة النفس المطمئنة.
أما النفس الأمَّارة بالسوء فتنقل الإنسان إلى المزيد من السوء، وبفضلٍ من الله تعالى مكوّنات النفس الثلاثة متواجدة لدينا جميعًا، ولابد ن يكون هنالك توازن ما بين هذه النفوس، حين تأتي النفس الشرِّيرة (الأمارة بالسوء) لا بد أن يستدرك الإنسان، وهذه وظيفة العقل التي حبانا الله تعالى به، ويكون الإنسان صارمًا مع نفسه صرامة شديدة جدًّا، فالنفس لا بد أن تُكبح، وهذه تحت إرادتنا.
هذه ليست حالة مرضية نفسية، هذه هشاشة نفسية، فيجب أن تفهمي الأمور وتُدركيها على هذا السياق، أنك أنت المحاسبة بما تقترفينه من أخطاء وذنوب، وإن شاء الله تعالى لك الأجر العظيم لكل عمل وكل طاعةٍ وكل خير تقومين به.
اجعلي الثواب والعقاب مبدأك في الحياة، وانطلقي من هذا المنطلق، هنا -إن شاء الله تعالى- تبدأ نفسك في الترويض والاعتدال وتخرج من الزلات والهنَّات، فالصرامة مع النفس هي العلاج لحالتك.
لا بد -أيتها الفاضلة الكريمة– أن تكون لك بؤرة قوية من العلاقات الاجتماعية الراشدة والطيبة، أن يكون حولك عدد من الفتيات الصالحات، هذا مهمٌّ جدًّا، الإنسان يحتاج لمن يؤازره في كثير من الأمور خاصة حين تضعف نفسه.
بر الوالدين والانهماك في الأنشطة التي تفيد الأسرة أيضًا تثبت الإنسان على طريق الخير، واحرصي على الصلاة، فالإنسان حين يرتقي بصلاته، ويكون خاشعًا في صلاته لا شك أنها تعصمه من الكثير من الذنوب؛ فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر.
على نطاق الحياة العامة: أكثري من اطلاعاتك، واقرئي، واجعلي لنفسك برنامجا يوميا تُحسنين من خلاله إدارة وقتك، وأعتقد أن ذلك سوف يضعك على المسار الصحيح.
أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأشكرك على التواصل مع إسلام ويب.
___________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-.
وتليها إجابة الشيخ/ أحمد المحمدي -المستشار التربوي-.
___________
نسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرا على خلقه، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه.
أما بخصوص ما تفضلت به فإنا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: الذي حدث معك -كما أشار الدكتور محمد- هو هروب من الصدمة إلى المعصية، بمعني أنك عجزت عن المقاومة، فأردت الفرح والسرور أيا كان مصدره ولو كان من حرام، وهذا أمر يحدث عندما يضعف الوازع الديني في الإنسان، والبعض يهرب إلى النوم، والبعض يهرب إلى تعذيب نفسه، والبعض يهرب إلى المعصية، والبعض يهرب إلى الله عز وجل.
ثانيا: نريد أن نغير مصطلح (الصدمة) التي تتحدثين عنه إلى مصطلح (الابتلاء)، فهو في الحقيقة ابتلاء وقعت فيه، وإذا فهمت أن الابتلاء من الله ليبلونا أنصبر أم نشكر؛ نستطيع ساعتها العمل مع البلاء بطريقة أفضل، وعوضا عن الهروب من الصدمة إلى المعصية.
ثالثا: الناس أمام البلاء على قسمين:
- قسم يعيش آلامه ويمكث في ابتلائه، ولا يبرح معاناته، وهذا حكم على نفسه بمزيد الحزن والكآبة والسلبية.
- وقسم آخر إيجابي النزعة في تعامله وتعاطيه مع الأحداث، يعلم قطعا أن البلاء سنة الله في الأرض، وهو سنة ماضية وجارية، ويعلم كذلك أنها متنوعة، فلا يوجد عبد منعم عليه من كل وجه، وآخر مبتلى من كل وجه، هذا القسم -أختنا- حين يستعرض ما ابتلاه الله به ويستصحب كذلك ما أنعم به عليه، يهون الاستصحاب البلاء ويقلل أثره عليه، وهذا أول ما ندعوك إليه، ونحن واثقون -أختنا الفاضلة- أن هناك نعما كثيرة أنعم الله بها عليك، ولكن ربما غيبتها المحن الشداد، فتشي عنها واستحضريها ذلك وأنت تتحدثين عن هذا البلاء.
رابعا: يقويك –أختنا- ويشد من عضدك استصحاب ما أعده الله لمن صبر على البلاء واحتسب الأجر عند الله عز وجل، فالابتلاء له أجره وقد بشر الله به صاحبه كما قال تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }، وقد وعد الله من تمسك بالصبر الخير الكثير والعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة قال تعالى: "فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ"، وبين القرآن أن الصابر يوفيه الله حقه فقال: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ"، فالصبر -أختنا- عطاء كاف، وخير جزيل لأهل البلاء، قال -صلى الله عليه وسلم-: (ما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر)، لأنه يعتقد أنه هو الخير له، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن)، بل قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم)، فاستحضار هذه المعاني هام جدا، وأنت تواجهين تلك المعاناة، مع العلم أن العبد لا حيلة له إلا الصبر، لكن شتان بين صبر يدفع إلى العمل ويأخذ صاحبه عليه الأجر، وبين صبر يُجبر المرء عليه، فالأخير يدفعه إلي اليأس ويحرمه الأجر ولا يغير من الواقع شيئاً.
خامسا: سيبقى الشراب المر مرا، والحامض حامضا، ما دمت تتعاملين معه بالسلبية، أما الإيجابية فستدفعك إلى وضع ملعقة واحدة من العسل ليؤول بعدها المر والحامض إلى شراب حلو المذاق.
أخيراً -أختنا الكريمة-: نذكرك بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر؛ فكان خيراً له "، كما نوصيك أن تكثري من الأخوات الصالحات فإن المرء بإخوانه، ولا تنشغلي عن الدعاء -أختنا-؛ فالدعاء سهم صائب متى ما كانت قاعدة الانطلاق القلب التقي.
نسأل الله أن يفرج همك، وأن ييسر أمرك، وأن يسعدك في الدارين، والله المستعان.