كانت عائلتي من الأسر المثالية، فكيف أعيدها كالسابق؟
2015-12-02 23:34:06 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أنا فتاة أدرس طب الصيدلة في السنة الرابعة، كنت قد استشرتكم سابقاً في وضع أسرتي، والتي كانت من الأسر المثالية، فقد كان الأب ناجحاً في عمله، والأم كانت بمثابة الكنز بشهادة جميع الناس، والأولاد يتميزون بحسن الخلق والتفوق وحسن التربية، لكننا تشتتنا، وزاد الوضع سوءًا، وأصبحنا نتعامل مع بعضنا كالأعداء، فأختي المتزوجة لم يتم الله عليها حملها، وأجهضت دون أسباب، وفجأة أصبحت تعاني من الغدة الدرقية رغم سلامة جميع فحوصاتها، وأنا بدأت أفكاري تتغير، ولم أعد أهتم بدراستي أبداً، وأصبحت أهتم بشكلي وبشرتي وشعري، وكيف يجب أن أصبح جميلة ومبهرة، ولم أكن أهتم بهذه الأمور من قبل، فأصبحت بلا هدف، رغم أنني ألتزم بالزي الشرعي -والحمد لله-، ولكنني لا ألتزم بالصلاة أبداً.
لا أعلم ماذا حل بعائلتي؟ فقد انقلب حالنا، أريد أن أعيد عائلتي كالسابق قبل أن يلحق أي شخص منا أذىً بنفسه، وأرغب بالاهتمام بدراستي، فأنا أملك الوقت لتحسين أدائي، ولكنني أحتاج بعض الخطوات التي تساعدني في تحسين وضع نفسي وعائلتي، فهلا أرشدتموني بها؟
جزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Abeer حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فحين يتخلى الوالدان عن وظيفتهما في التربية، ومتابعة الأولاد وتأديبهم، والأخذ بأيديهم، تحدث النزاعات بين الأبناء، فيتعادون ويسير كل واحد في فلك خاص به، وينمي علاقاته مع أقرانه، وغالباً ما يصاحب الأبناء في مثل هذه الأجواء أصحاب الهمم الهابطة والعاطلين، فيترك كل واحد منهم الهدف الذي كان في رأسه، لأنه لا وجود لمن يشجعهم ويقومهم، فالأب والأم هما لسان الميزان للعائلة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالأب راع ومسئول عن رعيته، والأم راعية ومسئولة عن رعيتها)، وقال: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع؟)، وقديما كان يقال:
إذا كان رب البيت للدف ضارباً *** فشيمة أهل البيت كلهم الرقص.
إن بعض الآباء والأمهات يتركون الحبل على الغارب لأبنائهم، بحجة أنهم يعطونهم حريتهم ولا يريدون أن يضغطوا عليهم، وأحيانا يكون السبب التشبه بأعداء الله في تربية أبنائهم، وقد يكون بسبب قوانين البلد التي تعاقب الأب والأم إن أدبا ولدهما أو اشتكى الولد على الجهات المختصة، ولذلك ينشأ الأبناء كل على هواه، وكل حسب توجهه وهمته، فينشؤون خليطاً غير متجانساً ولا مترابطاً، ويصبح تأثر الأبناء بمن يخالطونهم من الأصحاب.
وبحسب الدراسات التي تفيد أن تأثير الأصدقاء في أخلاق وسلوكيات الأبناء يكون أضعاف تأثير البيت، هذا وإن التخلي عن جزء من الدين يسبب الكثير من أسباب العداوة والبغضاء، ليس بين أفراد الأسرة فحسب، بل في أوساط هذه الأمة أيضاً، قال تعالى: (فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)، فكيف إن ترك الدين بالكلية؟ وهكذا، فللذنوب والمعاصي دور بارز أيضا في تفكك الأسر، فكما أن الترابط والمحبة والتناصح والهمة العالية في التدين، والتحصيل العلمي رزق من الله، فالعبد يفقد كل ذلك أو بعضه بسبب الذنوب، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه).
ولعودة أسرتك إلى الترابط والتماسك لا بد من اتخاذ خطوات جادة:
1- تمسك الأسرة بالدين، وبذل الجهد في أداء شعائره ابتداء بالوالدين ثم الأبناء، فمن تخلف عن ذلك فسيكون مصدر بلاء على نفسه وعلى أسرته وأمته، وأمعني النظر في قول الله تعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ )، هذه الآية نزلت في غزوة أحد، حين تحولت مجريات المعركة من النصر إلى الهزيمة، بسبب مخالفة واحدة وقع فيها الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-، فجاؤوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يقولون له: كيف حدثت هذه النكسة؟ فنزلت هذه الآية، بأنكم أنتم السبب، لأنكم خالفتم أمر نبيكم عليه الصلاة والسلام، فمخالفة واحدة تسببت في الهزيمة فكيف بكثرة المخالفات؟!
2- التوبة النصوح من كل ذنب اقترف كل على حدة، ومن شروط التوبة حتى تقبل: الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة مرة أخرى.
3- توثيق الصلة بالله، بالمحافظة على الفرائض والإكثار من النوافل، فذلك سيجلب لكم السعادة، قال ربنا -جل وعلا-: {منْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
4- العيش مع القرآن تلاوة وتدبراً وسماعاً، والمحافظة على أذكار اليوم والليلة، فذلك من أسباب طمأنينة النفس، كما أكد على ذلك سبحانه وتعالى فقال: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
5- ترك الرفقة السيئة ومصادقة الأخيار، فالجليس له تأثيره سلباً وإيجاباً، يقول نبينا -عليه الصلاة والسلام-: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة).
6- القراءة في سير العظماء والعلماء والمفكرين والمبدعين، فذلك محفزاً للاقتداء بهم، وشاحذاً للهمم نحو السمو بها، والترفع عن سفاسف الأمور.
7- التفكر في عواقب البقاء على ما أنتم عليه، فلربما انتحر البعض، وانحرف الآخر، فالنظر في العواقب يجعل المرء يعيد حساباته، ويتوقف عن الفعل الشنيع.
8- لا بد من جلسة لأسرتك، لإعادة النظر في أمر الأسرة وما وصلت إليه من التفكك، ومعرفة الأسباب والعمل على تلافيها، وبمعنى آخر لا بد من أن يقوم منكم نذير ينذر بكارثة إن استمرت الأسرة تسير في هذا الطريق المظلم.
9- الابتعاد عن الاهتمام بسفاسف الأمور والعناية والتركيز بمعاليها.
10- البدء بالخطوة الأولى نحو التغيير، والاستمرار في ذلك الطريق، مع التقييم ما بين الحين والآخر، وتعاونكم وتشجيع بعضكم لبعض.
أسأل الله تعالى أن يصلح شأنكم، ويهديكم لأحسن الأخلاق، ويصرف عنكم سيئها، إنه على كل شيء قدير.