هل الخوف الذي أعاني منه يمس عقيدتي؟
2015-08-03 04:25:31 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
جزاكم الله عنا خيرا.
أنا امرأة في العقد الثاني من العمر، متزوجة، ولدي أطفال أخاف عليهم جدا جدا وعلى زوجي أيضا، فكلما سمعت عن أحداث مخيفة أو ابتلاءات لغيرنا -عافانا الله وإياكم- سرعان ما أخشى عليهم جدا، ويصل الأمر إلى متابعة هذا الأمر بشغف، حيث أنظر إلى الأولاد وأتخيل حدوث المواقف مع كل حركة -عافاهم الله وحفظهم-، وأتخيل أني وضعت في الابتلاء.
ومما يزيد الأمر سوءا هو بكائي المستمر، والأفكار التي تتوالى، وأفضل وجودهم بجانبي حتى أثناء النوم، مما يضايق زوجي كثيرا، ويقول لي: إن هذا عدم توكل على الله، وأن ما سيحدث لنا مقدر، فخذي بالأسباب وتوكلي على الله.
أنا أعرف هذا الكلام، ولكن الخوف والأفكار شعور لا إرادي، حيث يأتيني شعور بأنه لا خلاص من هذا الأمر إلا الموت لتنتهي المعاناة، وليس فقط فكرة البلاء، ولكن التحدث عن علامات الساعة الصغرى والفتن الكبرى، وأنها أوشكت على الظهور، تترك هواجسا في نفسي، ورسائل التهويل التي لا أحبها، وخوف شديد، وأشعر بأنه لا خلاص منه إلا الموت، فأشعر أن الموت راحة، ولا أعلم ما ألاقيه بعده؟ ولكن الله هو الرحمن الرحيم.
أعلم أن هذا الأمر متعلق بنقص مادة في المخ، ولكني لا آخذ الدواء حتى لا أقنع نفسي أني مريضة، ولكن الأمر زاد، وأسأل الله العافية، فقد قصرت مع نفسي وأولادي، ولكن هل ما أمر به يمس العقيدة في شيء وهو عدم توكلي وثقتي بالله؟
ولو تحدثت بما يدور في نفسي لأحد من باب إراحة البال هل يعتبر هذا لجوء لغير الله؟
علما بأني دائما أدعو الله بأن يحفظ أولادي وزوجي مما أخاف.
وجزاكم الله خيرا كثيرا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم معاذ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرا لك على التواصل معنا بهذه الأسئلة، ولاشك أنها أفكار صعبة ومزعجة لك، أعانك الله وخفف عنك.
هناك احتمالان لما تعانين منه من الأفكار السلبية عن أولادك وأسرتك.
الاحتمال الأول: وأعتقد هو الأرجح أن ما تعانين منه هي أفكار وسواسية قهرية، والتي عادة تأخذ عدة أشكال ومنها أفكار قهرية تتعلق بسلامة الأطفال وزوجك أو أفراد الأسرة، وكما يحدث معك من أفكار وخيالات تخطر في ذهنك من أن أطفالك سيتعرضون لشيء مؤذي، ولكن أرجو أن تطمئني أن هذه مجرد أفكار قهرية.
وفي الوسواس القهري لا تستطيعين صرف فكرة تقلقك أن يحصل مكروه لأطفالك الأعزاء، فكلما حاولت صرف هذه الفكرة، تجدينها تعود إليك مجددا، ولاشك أنها تزعجك، لأنك في قرارة نفسك أنت مؤمنة ومتوكلة على الله تعالى، ولكن هكذا هي طبيعة الأفكار الوسواسية القهرية، وهي ليست مؤشرا لضعف الإيمان أو ما شابه ذلك، فما الحل إن كان هذا الوسواس القهري؟
أن تحاولي أن تصبّري نفسك، ولا مانع أن تسمحي لها أحيانا بالاسترسال في التفكير في صحة أطفالك وزوجك، فلا حرج من التفكير فيهم، والتواصل معهم، وعندما تأتيك الأفكار القهرية، قولي لنفسك أنها أفكار قهرية، وأنه، بإذن الله، لن يحصل لأطفالك ما يضرهم، إلا ما قدّر الله تعالى أن يحصل.
واطمئني فإن الأفكار الوسواسية القهرية والمتعلقة بحصول مكروه لشخص ما في حياتنا، فبالرغم من إزعاج هذه الأفكار، إلا أنها في واقع الأمر ليس لديها قدرة سحرية على إحداث أي مكروه.
والاحتمال الثاني: ربما بعض الاكتئاب الذي تشعرين به، والذي ربما هو نتيجة متوقعة من نتائج هذه الأفكار القهرية، وطالما هو في الحدود المعقولة والمتحملة، فلا أنصح بالعلاج الدوائي، وإنما التركيز على أمر التكيّف مع الأفكار القهرية.
طبعا يمكن لهذه الحالة أن تخف وتزول من نفسها، ولكن إن طالت المعاناة وتطورت ولم تشعري بالتحسن، فأنصحك بمراجعة الطبيب النفسي، وسيقوم الطبيب بأخذ القصة كاملة، ومعرفة الأمور الكثيرة والتي لم تخبرينا عنها كنمط الحياة، وعلاقاتك الأسرية والاجتماعية، وتاريخ طفولتك، وطبيعة حياتك اليومية، ومن ثم يمكن له أن يقوم بعد التشخيص بالعلاج المطلوب للوسواس القهري أو الاكتئاب والذي قد يتضمن العلاج الدوائي.
لأنه وكما ذكرت في رسالتك هناك عادة في الوسواس القهري وفي الاكتئاب ربما نقص أو خلل في أحد النواقل العصبية في للدماغ مما يمكن أنك ستحتاجين لأحد مضادات الوسواس القهري أو الاكتئاب.
وفقك الله، وحفظك من أي سوء.
_______________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ مأمون مبيض -استشاري الطب النفسي-.
وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-.
___________________________
مرحباً بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.
نسأل الله تعالى لك العافية والشفاء، وأن يحفظك ويحفظ زوجك وأولادك من كل سوءٍ ومكروه، وأن يصرف عنا وعنك وعن المسلمين الشرور كلها.
نشكر لك تواصلك معنا وثقتك فينا، ونحن نقدر مدى المعاناة التي تعيشينها؛ بسبب هذه الأفكار والوساوس.
ونصيحتنا لك من الناحية الشرعية: أن تعرضي عنها تمام الإعراض، وتجاهدي نفسك على ذلك، فلا تلقي لها بالاً، وثقي بالله سبحانه وتعالى واعلمي أنه رب رحيم ، لا يفعل بالإنسان إلا ما يصلحه وما هو خير له، فهو أرحم بنا من أنفسنا، ومن آبائنا وأمهاتنا.
ومما يعينك على طرد هذه المخاوف التي تعانينها أن تنظري في أحوال الناس؛ فإن أكثر الناس في عافية من هذه الآلام التي تخافين منها، وكون بعض الناس قد وقع في نوعٍ من الابتلاء لا يعني أن يبتلى الناس جميعاً بمثل ما ابتلى الله تعالى به ذلك الإنسان، فهذه مكيدة من الشيطان يحاول بها أن ينغص عليك حياتك ويطرد عنك هناءة العيش والتنعم بما آتاك الله تعالى من الزوج والولد، فاطرحي عنك هذه الوساوس وثقي بهذا الرب الرحيم الذي منحك كل ما أنت فيه والله سبحانه وتعالى أهل لأن يحسن الظن به، وهو سبحانه عند ظن عبده به كما أخبر بذلك الحديث القدسي فقال سبحانه: (أنا عند ظن عبدي بي )، فثقي بالله وتوكلي عليه.
وأما إخبارك بمن يساعدك على التخلص من هذا الحال الذي أنتِ فيه: فليس فيه محذور شرعي، ويجوز للإنسان أن يصف ما به لمن يرجو منه الإعانة، وليس في ذلك شيء من الاعتماد على غير الله، أو التوجه إلى غير الله، فإن الله سبحانه وتعالى جعل الأسباب مقدمات للمسببات، وأمرنا نبينا الكريم بالتداوي، فقال: "تداووا عباد الله"، فلا حرج عليك في استشارة من يعينك على التخلص مما تعانينه، وهذا نوع من التداوي.
نسأل الله تعالى لك دوام العافية.
وأما سؤالك هل ما أنت فيه يمس العقيدة وهو عدم توكل على الله؟
فالجواب -أيتها الأخت الكريمة-: أن عقيدتك -إن شاء الله- سليمة لا شيء فيها، فاحذري أن يدخل الشيطان من هذا الباب لينقلك إلى أنواعٍ أخرى من الشكوك والوساوس والأوهام التي ينغص بها عيشك، ولكن التوكل على الله يعني الاعتماد عليه، وتفويض الأمور إليه، والرضا بما يقدره سبحانه وتعالى، وأنه سبحانه وتعالى لا يفعل لكِ إلا الخير، فإذا قامت هذه الحقائق في قلبك فإنك ستجدين الراحة والطمأنينة والسكينة.
نسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليك بذلك كله.