هل ما أصابني ابتلاء من الله؟

2015-06-01 04:55:08 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سأطرح لكم قصتي باختصار حتى تجيبوا على استفساري.
أنا معلمة أبلغ من العمر (34) سنة، مدة خدمتي في مجال التعليم (11) عاماً -ولله الحمد- في السنوات الثلاث الأولى من خدمتي كنت معلمة في مدرسة ثانوية، وعلى الرغم من خطورة هذه المرحلة إلا أن الله تفضل علي بحسن المعاملة، والأسلوب، والحكمة، والموعظة الحسنة، والتي سرعان ما قطفت ثمارها، فقد كنت مشرفة المصلى، وكنت ألقي المحاضرات والمواعظ الدينية، فاهتدى بها الكثير من الطالبات
-بفضل الله-.

ربما كنت أنا المعلمة الوحيدة التي تحظى باحترام ومحبة طالباتها، ومع العلم بأنني أدرس اللغة الإنجليزية، لكنني كنت أربط الموعظة بالدرس، فلا تكاد تخلو حصة من الموعظة الخفيفة والبسيطة، والتي لا تتجاوز الدقيقة، لقد لاحظت تشوق الطالبات لسماع المواعظ الجديدة، ففي كل يوم يجريها الله على لساني بتوفيق منه دون سابق إعداد.

لكن للأسف وفجأة فقدت ذلك كله بسبب العين والحسد التي أصابتني، تعبت تعباً شديداً وصلت إلى درجة أنني لا أستطيع الكلام، حتى بشرح الدروس، وقاومت ذلك وقلت ربما أصابني مرض الرهاب الاجتماعي، وتركت المصلى والمواعظ، واستمريت تقريبا على ذلك الوضع لمدة ثلاث سنوات، ولم أر إلا أن الأمر بدأ يزداد سوءًا عن السنة التي قبلها، أصبحت لا أطيق النظر بوجوه الطالبات، ولا أستطيع الكتابة على السبورة أبداً دون سبب واضح، وكذلك تتشنج رقبتي في المدرسة فقط، فأخذت إجازة دون مرتب لمدة ثلاثة أشهر، وبدأت أرقي نفسي رقية مكثفة، حدث لي بسببها أمور غريبة جداً، أيقنت حينها أن تعبي حقيقي وليس نفسيا، وعرض علي أهلي الذهاب لشيخ يقرأ علي، فرفضت وتوكلت على الله، وتحسنت أموري بعد الرقية بنسبة (70%)، وعدت للعمل بعد انتهاء الإجازة، وكنت أشعر بالتعب لكن بشكل أخف مما مضى.

بعد تلك السنوات انتقلت إلى مدرسة ابتدائية، لأن الطالبات في المرحلة الثانوية كانوا يعتبون علي لعدم تقديم المواعظ لهن، ولا يعرفون حقيقة ما حصل لي، ولم يدر عنه أحد سوى مديرة المدرسة.

استفساري لكم: ما فقدته شيء عظيم، وأجد له حرقة بالقلب، وأشعر بأن لا شيء يعوضني عن ذلك، أخاف من غضب ربي وأنه استغنى عني، ولا شك أن ذنوبي حرمتني ذلك، فكل ابن آدم خطاء، وكان أكثر دعائي ببداية شبابي (اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا) وكنت حريصة على مجالس الذكر وأنا طالبة، وما أصابني أفقدني الدعوة إلى الله، التي هي أعظم شرف ساقه الله لي، وحكمة الله لا يحيط بها أحد من عباده، حتى القرآن أجاهد نفسي على حفظه منذ سنين ولم أستطع حتى الآن سوى حفظ نصفه، لكن ربما توضحون ما حصل لي، هل هو بلاء أم ابتلاء؟

مع العلم بأنني أعاني من المس، وإلى الآن أذهب للرقاة.
وجزاكم الله خيراً.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هدى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يُبارك فيك، وأن يُكثر من أمثالك، وأن يثبتك على الحق، وأن يجعلك من الصالحات القانتات، وأن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وألا يحرمك الأجر والمثوبة، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة- فأُحِبُّ أن أبيِّن لك بدايةً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا بقوله: (إذا أحبَّ الله عبدًا ابتلاه) وفي رواية: (إذا أحبَّ الله قومًا ابتلاهم، فمن رضيَ فله الرضا، ومن سخط فعليه السُّخط) وقال -صلى الله عليه وسلم- أيضًا: (من يُرِدْ الله به خيرًا يُصِبْ منه)، أي ينال منه في بدنه أو في ماله أو في ولده أو في نفسه أو غير ذلك.

ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا أيضًا بقوله: (نحن معاشر الأنبياء أشدُّ الناس بلاءً، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى المرء على قدر دينه، فمن قوِيَ إيمانه استدَّ بلاؤه).

وأتصور أن الذي حدث لك إنما هو نوع من البلاء من الله تبارك وتعالى ابتلاك به، لأن العبادات عند الله تبارك وتعالى ليست نوعًا واحدًا، وإنما يبتلي الله تبارك وتعالى عبده بالسرّاء ويبتليه بالضراء، ليعرف مدى محبته له، فبعض الناس يؤدُّون العبادات في حالة العافية والرخاء، أما في حال الشِّدَّة والرضاء فإنهم لا يُقدِّمون شيئًا، بل وقد ييأسون ويقنطون من روح الله تعالى، ويُنكرون على الله حقه في أن يُنزل بعباده ما شاء، فالله تبارك وتعالى نوَّع العبادات رحمةً بالخلق.

ثانيًا: أنت وإن كنت تؤدين عبادةً عظيمةً، تقولين أنك تخافين أن يكون ذلك بسبب غضب من الله تبارك وتعالى، وأن الله استغنى عنك، أقول لك: أنت لست أول من يتعرض لمثل هذا البلاء، وأن بلاءك أخف، فلديك مثلاً أعلى وقُدوة صالحة، نبي الله أيوب -عليه السلام-، نبيٌ من الأنبياء، يتعطَّل عن الدعوةِ لسنين طويلة، بل إن أهله قد لفظوه وأخرجوه من القرية بتمامها، ليعيش وحيدًا مريضًا عليلاً لفترة طويلة من الزمن، حتى شاء الله أن يعافيه، هل كان ذلك غضبٌ من الله تبارك وتعالى عليه؟ أبدًا، وإنما هذا نوع من الابتلاء الذي يُقدِّره الله لأوليائه ليرفع من درجاتهم، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة حتى يمشي على الأرض وليستْ عليه من خطيئة)، فهذه عبادةٌ جليلةٌ منحك الله إيَّاها، استطعتِ أن تؤدي عبادات لفترة طويلة من الزمن من النصائح والموعظة الحسنة وغير ذلك، من التوجيه الذي قمت به، والأثر الطيب الذي تركته في نفوس طالباتك، ثمَّ حوَّلك الله لعبادةٍ أخرى ليرى هل ستصبرين عليها أم ستجزعين وتضجرين؟

ولذلك أنصحك بالصبر الجميل، كما أنصحك -بارك الله فيك- بالاجتهاد في العلاج، لأنه ممَّا لا شك فيه أن الأُمَّة في حاجة إلى أمثالك، فالأُمَّة في حاجة إلى داعيات صادقات، خاصة في مجال التعليم الذي هو أخطر مجال فعلاً، فقلَّ نجد مُعلِّمَةً أو مُعلِّمًا الآن يجمع ما بين الدين والدنيا، ويحرص على أن يُقدِّم دينه لطلابه صافيًا نقيًّا مُعينًا لهم على طاعة الله تعالى، هذا نادر، ولذلك أنت من هؤلاء النوادر القلائل الذين قال الله تبارك وتعالى: {وقليلٌ ما هم}.

فإذًا أوصيك -بارك الله فيك- بالتمسُّك بما أنت عليه من الفضل والخير، وأن تُحسني الظن بربِّك ومولاك، وأن تقولي بلسان حالك وبلسان مقالك: (أنا راضية بقضائك وقدرك، فلن تجدني إلا أكثر رضًا وسعادةً وقبولاً لما قدَّرْتَه عليَّ ياربَّ العالمين).

خذي بالأسباب بالنسبة للعلاج، واجتهدي في الدعاء أن يصرف عنك السوء، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يسأل الله العافية، وأوصانا بقوله: (سلوا الله العافية)، لأن العافية مُعينة على الطاعة، ومُعينة على أمور الدين والدنيا معًا، واعلمي أنك على خير، أحسبُك كذلك، والله حسيبك، ولا أزكي على الله أحدًا.

هذا وبالله التوفيق.

www.islamweb.net