أهل زوجتي عرضوا علي السكن في شقة ببيتهم، ما توجيهكم؟
2015-01-14 00:35:06 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا مهندس أعمل في القاهرة منذ 6 سنوات، متزوج منذ 5 سنوات، ورزقني الله بولدين، والحمد لله وضعي المادي والاجتماعي ممتاز، تزوجت وكانت لي شقة مستقلة في بيت أهلي الذي يبعد عن عملي حوالي ثلاث ساعات؛ مما كان يشق علي السفر يوميًا من بيتي إلى العمل، ولذلك كنت أترك زوجتي وأولادي في بيت أهلي، وأعود لهم كل أسبوع يومين.
مكثت على هذا الحال مدة سنتين، حتى مللت أنا وزوجتي من هذا الحال، من التشتت والبعد، فأنا آتي لهم في نهاية الأسبوع كالزائر، بعدها قررت أن أستأجر شقة بجوار عملي؛ لتكون زوجتي وأولادي معي، وبنهاية كل أسبوع أعود إلى منزلي عند أهلي؛ لأبرهم وأطمئن عليهم.
في هذه الفترة عرض والد زوجتي علي عرضا وهو: أن أسكن في شقة مستقلة في منزلهم، حيث إن هذا البيت في نفس مكان عملي؛ لأزيح عن عاتقي الإيجار، والسكن في بيت مؤجر، وستكون لي كل الخصوصية والقوامة على بيتي، ولكنني رفضت هذا الطلب، حيث إنني أريد أن أعتمد على نفسي، وأن أشعر أنا وزوجتي بأننا في اعتماد كلي على بعضنا البعض، ولكن هذا القرار أصاب زوجتي وأهلها ببعض الحزن؛ لأنهم لم يروا أي مبرر لرفض ذلك، واعتبروا أنني أتعفف منهم ومن مساعدتهم، وكان هناك جانب آخر، حيث إن والدي لم يكن يرحب أيضا بالموضوع.
المهم بعد مرور السنين ذهبت زوجتي إلى بيت أهلي في فترة الولادة، وكنا نسكن ونقيم في نفس الشقة التي حدثني بها والد زوجتي من قبل، ويعلم الله أن كل المخاوف والقلق الذي كان يدور في عقلي قديما لم أر له أي أثر، بل العكس، وجدت من أهل زوجتي الاحترام والتقدير، وعدم التدخل في أي شيء، حتى إنهم يستأذنون مسبقا قبل زيارتنا أو طلب أي شيء.
عندما جاء والدي لزيارة زوجتي في هذه الأثناء، ووجد المعاملة والاستقلالية التي أنا عليها، حدثني في أمر هذه الشقة بنفسه، وقال لي: فكر في الأمر، فأنا كنت أرفضه قديما؛ لأنني كنت أخشى أن يتم هتك عرض منزلك، وأنك لن تشعر بالاستقلالية، ولكني أرى عكس ذلك الآن، وكل أهل زوجتك يعرفون قدرك، ويعرفون من أنت، ولا أتوقع أن أحدا منهم سوف يجرح مشاعرك بربع كلمة.
عرضت الموضوع على زوجتي بشروط معينة، ووجدنا في قلبنا أن ننتقل إلى السكن هناك، وكنت أود أن أدفع إيجارا مقابل ذلك، ولكن والدي نصحني بعدم فعل ذلك، حيث إنها قد تحز في نفس أهل زوجتي، وتزيد من الحساسية.
وللعلم أهل زوجتي -بفضل الله- كرماء، وذوو خلق ودين، حتى إنهم بعد قراري هذا رجعت في يوم من الأيام فوجدتهم معلقين لوحة على باب الشقة: هذا منزل المهندس محمود، وكانت لفتة جميلة.
هنا أود أن أستشير حضراتكم في الآتي:
- هل هذا القرار -الذي اتخذته- صحيح؟
- هل أنا بهذا القرار أنقص من قدري ومكانتي؟
- هل نظرة الناس لي سوف يشوبها شيء من النقصان؟
- إن كنت سأجلس في البيت هل لا بد أن أدفع مقابلا لذلك؟
مع العلم أنا أنوي امتلاك بيت خاص، ولذلك هذه الإقامة سوف تكون مؤقتة ما لم يحدث شيء وأرى مصلحتي في الإقامة الدائمة.
أفيدوني -جزاكم الله خيرا- حيث إنني هذه الأيام يأتي إلي الشيطان وأشعر بتردد: هل ما فعلته صحيح؟ هل ترحل من هذا البيت للنظرة العامة والاجتماعية تجاهك؟ هل تعود لمبدئك في الأساس بالاعتماد الكلي على نفسك أم ماذا؟
آسف على الإطالة وجزاكم الله خيرًا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -جل جلاله- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ييسِّر أمرك، وأن يوسِّع رزقك، وأن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يمُنَّ عليك بالأمن والأمان والرضا والرضوان، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل-: أرى أنك حقيقة أعطيت الأمر أكبر من حجمه، وأنا مُقدِّرٌ لظروفك، فإن هناك أشخاصا لديهم حساسية من بعض الأمور، وقد تُزعجهم الأمور البسيطة، كما أرى ذلك في رسالتك؛ لأن الأمر ما دام هناك نوع من التفاهم، ونوع من الرضا فالأمر منته من الناحية الشرعية؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا بقوله: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بِطيب نفسٍ منه) فما قد طابت أنفس أهل زوجتك أن يعطوك هذه الشقة إلا وهم سعداء بوجودك، ويحترمون وجودك إلى غير ذلك، أنا أرى أن القرار الذي اتخذته صحيح فعلاً.
تقول: هل أنا بهذا القرار أُنقص من قدري ومكانتي؟ في الواقع هذا كله من عمل الشيطان، وهذا لا يُنقص من قدرك ولا من مكانتك شيء، فإن الأمر سهل ميسور، وإن الناس أصحاب الدين، وأصحاب الخلق لا ينظرون لهذه الأشياء التافهة، وأنت لا ينبغي عليك أن تنظر لهذا الأمر بهذا الحجم من الحساسية؛ لأن الأمر في قمة البساطة، وأنت لا تسكن رغمًا عنهم، وفي نفس الوقت أيضًا أنت لا تسكن عند أحد غريب، فالأمر بسيط جدًّا –أخِي المهندس محمود– ولكن -اسمح لي- أنت تُضخمه.
هل نظرة الناس سوف يشوبها شيء من النقصان؟ مالك وللناس، أنت لا تنظر للناس إلا إذا كنت قد ارتكبت منكرًا، أو وقعت في جريمة كبرى، أما الذي فعلته هذا أمر يخصك، ويخص زوجتك، وأهل زوجتك، ولا يخص أحدًا، حتى وإن تكلم معك أحد من السهل جدًّا أن تردَّ عليه؛ لأن هذه مسألة شخصية لا علاقة للناس بها، ونحن لا ينبغي علينا أبدًا أن نضع الناس في اعتبارنا ما دمنا لم نعتد على حق أحد، ولم نأخذ شيئًا من أحد، ولم نمدَّ أيدينا من أحد، هذا بيت زوجتك كأنه بيتك، وزوجتك كانت تُقيم في بيت والدك، فالأمر عادي جدًّا باركَ الله فيك.
هل لا بد أن تدفع مقابل ذلك؟ هذه مسألة حسب الاتفاق بينك وبين أهل زوجتك؛ لأنه كما ذكرت لك: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسٍ منه) فحاول أن تستشير زوجتك في ذلك، فإن بيَّنت لك: أن الأفضل أن تدفع فادفع، وإذا قالت لك: إن الأمر لا يقتضي فاسمع كلامها وأخرج نفسك –بارك الله فيك– من هذه الدوامة؛ لأن هذا شيء عادي جدًّا وطبيعي للغاية، وليس فيه ما يقلل من شأنك، أو ما يجعلك تتألم نفسيًا، أو تتحسَّس من أمرٍ لا يقتضي ولا يستحق ذلك كله.
وإذا ما جاءك الشيطان ليُزيِّن لك هذه الأفكار؛ فاتفل على يسارك ثلاثًا، واستعذ بالله تعالى حتى يصرف الله عنك كيده.
نسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يُبارك لك، وأن يُبارك عليك وعلى أهلك، وأن يجعلكم من سعداء الدنيا والآخرة، وأن يجزيَ والديك ووالدي زوجتك عنكم خير الجزاء، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.