التوهم المرضي والخوف من الأمراض.. ما علاج ذلك؟
2014-11-30 04:31:54 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
بارك الله فيكم وفي جهودكم، أود أن أستفسر عن حالتي، وهي كالتالي:
في إحدى المرات شربت شراب الطاقة وأحسست بضيق غريب فجأة، وتجاهلت الأمر، وبعد يومين تعبت تعبًا شديدًا وذهبت لأكثر من دكتور فقالوا: إنه ارتجاع بالمريء، فتناولت الأدوية وتحسنت الحالة.
بعد فترة أصابتني نوبة غريبة وإحساس بالموت، وضيق كبير بالتنفس، وخدران بالأيدي لدرجة أن يدي اليسرى توقفت، وذهبت مسرعًا للمستشفى، وعند وصولي اختفت الحالة فجأة، فقال الدكتور: إنها مجرد نوبة قلق، وعادت الحالة بعد أشهر ولكنها كانت أشد قسوة، وكانت عبارة عن ضيق كبير بالتنفس، وخوف شديد وغريب، وتزداد كلما ازداد قربي للمستشفى، وأيضًا شخصوا الحاله بأنها مجرد نوبة قلق، ولكنها كانت تأتيتي فجأة وبشكل غريب، وبدون أي سبب.
عادت لي -بعد ذلك- مشاكل واضطراب المعدة، أعاني كثيرًا من شعور عدم ارتياح بالصدر ومنطقة أعلى البطن، وأشعر بانتفاخ شديد بالبطن، وأصبحت كثير التشجؤ، وأشعر دائمًا كأني أريد أن أستفرغ؛ فراجعت كثيرًا من الأطباء وكلهم بنفس التشخيص: ارتجاع في المريء.
ذهبت للخارج وقمت بعمل منظار للمعدة فقال الدكتور: إني سليم، وإن كل ما عندي هو من التوتر والضغط، ثم ذهبت الحالة عندما عرفت أني سليم، واستمريت لمدة شهر سليما، ثم عادت نفس المشكلة، مع أني تناولت كثيراً من أنواع الأدوية بدون جدوى، حتى أحسست أن الأطباء يشخصون حالتي خطأ.
عدت مجددًا للأطباء وعملت فحصًا للجرثومة أكثر من مرة والنتائج سليمة، ثم عملت تخطيطًا للقلب ووجد الأطباء أن هناك مشكلة خلقية ولكنها عادية، وطمأنني الأطباء بأنها عادية وهي مجرد انقباض بسيط بالصمام، وأني أستطيع ممارسة حياتي بشكل طبيعي، وأعطاني دواء كونكر 2.5؛ فازددت رعبًا وذهبت إلى 4 أطباء قلب، وقالو لي: إن الأمر عادي جدًا ولا يشكل أي خطورة، ثم عدت إلى نفس المشكلة بالجهاز الهضمي، أصبحت أخشى الطعام، وأخشى الخروج بمفردي خوفًا من تكرار النوبات، أصبحت أخشى الاستحمام؛ لأنها تسبب لي ضيقًا غريبًا، ودائمًا أشكو عند الاستيقاظ من النوم من الغثيان والانتفاخ وضيق بالصدر.
في هذه الأيام تطورت حالتي سوءًا وأصبح كل جسمي يؤلمني بطريقة غريبة، ووجود نغزات في الصدر، وتنميل في الجسم، ووجع في العضلات والعظام، فماذا تنصحني يا دكتور؟ أود إضافة أني أعاني من وساوس دائمة، وخوف شديد من الأمراض، ودائمًا أقيس حرارتي وأتفقد جسمي بشكل هستيري، ودائمًا أخاف أن تصيبني الأمراض الخطيرة، وأشعر بالضيق عندما أرى شخصًا مريضًا أو أسمع أن شخصًا مريضًا أشعر بأني أنا التالي، أخاف أن أمرض.
أصبحت عصبيًا بدرجة كبيرة، وأصبح مزاجي سيئًا جدًا، وكلما راجعت طبيبًا أجد ضغطي مرتفعًا؛ فقال الأطباء: إن المشكلة هي خوف من الأطباء، وفعلًا عندما أذهب للمنزل أو للصيدلاني لقياس الضغط أجده طبيعيًا، ثم أصبحت أقيسه عشرات المرات، وإذا وجدته طبيعيًا أرجع لقياسه حتى يرتفع، ثم أقول: إني مريض عندي إحساس أني مريض بمرض لا يستطيع أحد تشخيصه، فأرجو مساعدتي هل هناك مشكلة في المعدة أم هي مجرد وساوس وتوهم مرضي؟
قرأت كثيرًا عن التوهم المرضي، ثم بدأت أقتنع بفكرة أن ما أعانيه هو مجرد وساوس، وخاصة أني أنسى كل هذه الأعراض عندما أكون مشغولًا ومركزًا بشيء ما، ولكن أصبحت أخاف أن أفهم أعراضي على أنها وساوس، ويكون هناك مشكلة، وأتأخر في تشخيصها ظنًا مني أنها وساوس.
أصبحت أخاف من كل شيء، وقريبًا سوف أخطب، وبالسابق كنت فرحًا جدًا، أما الآن لا أستطيع حتى التفكير بالفرح، وأصبحت أخشى أن أفرح بالخطبة، وأنه سيصيبني مكروه ما أثناء الخطبة، وصف لي دكتور قلب وأعصاب دواء نسيت اسمه، ولم أتناوله؛ لأني قرأت أنه مضاد للتوتر والاكتئاب، ولكن قد يسبب الانتحار؛ فخفت منه ولم أتناوله، ولعله السبراليكس أو Sertraline.
آسف جدًا على الإطالة.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أمين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
رسالتك واضحة جدًّا، ونشكرك على ثقتك في إسلام ويب، وأؤكد لك أنني قد تفحصت رسالتك وتمحصتها، واطلعت عليها بكل دقة، وأقول لك وأنا على درجة كاملة -إن شاء الله تعالى- من اليقين: أن حالتك هي حالة نفسوجسدية (سيكوسوماتية) لديك قلق المخاوف الوسواسي الذي أدى إلى هذه الأعراض الجسدية، وحتى إن كان هنالك تغيرات عضوية بسيطة مثل انقباض الصمام البسيط أو زيادة في الحموضة، هذه أعراض شائعة جدًّا، لكن في حالتك حدث نوع من التضخيم والتجسيد لهذه الأعراض، لذا نعتبر حالتك –كما ذكرنا– سيكوسوماتية –أي نفسُ جسدية– والقلق هو الذي يؤدي إلى التوترات العضلية التي تؤثر على بعض مناطق الجسم؛ مما يزيد من الأعراض ويُدخلك في مزيد من المخاوف والتوترات، والقلق والوساوس.
أيها الفاضل الكريم: نصائحي لك هي كالآتي:
أولاً: يجب أن تقتنع قناعة مطلقة أن حالتك نفسوجسدية، وأنها ليست خطيرة.
ثانيًا: أرجو أن تتوقف من التنقل بين الأطباء والتردد عليهم، هذا يزيد من علتك ويؤدي إلى ما يعرف بالمراء المرضي، وهو أسوأ أنواع التوهم المرضي.
ثالثًا: عش حياة صحية، احرص على أن تؤدي الصلاة في وقتها، فيها راحة عظيمة جدًّا، ومارس التمارين الرياضية، واجعل غذاءك متوازنًا، ونم مبكرًا، وتواصل اجتماعيًا، وطوّر نفسك فيما يخص عملك ومقدراتك المعرفية. هذه هي الحياة الصحية التي أنصحك بها وأُنشدها لك، وأنا أعرف تمامًا أنها سوف تصرف انتباهك تمامًا عن هذه الأعراض.
رابعًا: تواصل مع طبيب واحد مثل طبيب الأسرة مثلًا، مرة كل ثلاثة إلى أربعة أشهر من أجل إجراء الفحوصات الروتينية، ومن أجل التأكد على صحتك، لا تحتاج لأكثر من ذلك أبدًا.
النقطة الأخيرة هي العلاج الدوائي، نعم أنت محتاج للسيرترالين، دواء ممتاز، دواء فاعل، ولا يسبب الانتحار في مثل عمرك، هذا الكلام خاطئ، والسيرترالين أنت تحتاج له بجرعة خمسين مليجرامًا، تناولها ليلاً، وبالمناسبة يسمى تجاريًا (زولفت) أو (لسترال) وهو متوفر في المملكة.
تناول هذه الجرعة –أي حبة واحدة– ليلاً لمدة شهر، ثم اجعلها حبتين ليلاً -يفضل تناول الدواء بعد الأكل– استمر على هذه الجرعة لمدة أربعة أشهر، وهي الجرعة العلاجية الصحيحة في حالتك، ثم خفضها إلى حبة واحدة ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم اجعلها حبة يومًا بعد يوم لمدة شهرٍ، ثم حبة واحدة كل ثلاثة أيام لمدة شهرٍ آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.
كما تُلاحظ –أخِي الكريم أمين– بدأنا بالجرعة التمهيدية –أي جرعة البداية– ثم الجرعة العلاجية، ثم جرعة الوقاية والتوقف التدريجي، أرجو أن تتبع هذا المنهج، والالتزام بتناول العلاج بصورة صحيحة ومتواصلة؛ يُتيح فرصة للبناء الكيميائي ليتم بصورة صحيحة، وهذا يؤدي إلى فعالية جيدة، وأنا أؤكد لك أن الدواء دواء سليم وليس إدمانيًا.
فقط من عيوبه بالنسبة للمتزوجين أنه ربما يؤخر القذف المنوي قليلاً، لكنه لا يؤدي إلى العقم أو شيء من هذا القبيل.
السيرترالين حين يُدعم بدواء آخر يعرف تجاريًا بالمملكة (جنبريد) ويسمى علميًا باسم (سلبرايد) ويسمى تجاريًا أيضًا (دوجماتيل) وهو صناعة سعودية ممتازة جدًّا، هذا تتناوله بجرعة خمسين مليجرامًا صباحًا ومساءً لمدة شهرين، ثم خمسين مليجرامًا صباحًا لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناوله، لكن يجب أن تتناول السيرترالين بنفس الطريقة التي قلتها لك.
أخِي الكريم: لا بد أن تستصحب العلاج الدوائي بالتوجيهات التي ذكرتها لك سلفًا، هذا -إن شاء الله تعالى- يؤدي إلى عملية علاجية صحيحة ينتج عنها التعافي بإذنِ الله تعالى.
باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.