أريد الهروب من بيتنا بسبب مسؤولية تربية إخوتي... ساعدوني
2014-02-05 02:06:44 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة عمري 22 سنة، أقوم بتربية إخوتي الذين يصغرونني بسبب مرض والدتي -شفاها الله-، وتربيتهم سببت لي اكتئابا وقلقا لا يعلمه إلا الله، فبعضهم في نهاية الطفولة، وبعضهم في سن المراهقة، ولا يجبرني على الاهتمام بهم إلا الرحمة بوالديّ الذين ذاقا الأمرين من تربيتهم.
أحس أنني في أغلب الأيام أريد الهروب من المنزل – ولكن ليس إلى بيت الزوجية فهو الآخر يوجد به مسؤولية وهموم – أريد الهروب في بيت لوحدي بعيدة عن كل الناس والمسؤوليات، ولكن نظراً لمجتمعنا المحافظ لا أستطيع فعل ذلك, حاولت الهروب منهم عن طريق تغيير برنامجي؛ بحيث أنني أنام في غالب اليوم لكن هذه المحاولة لم تجد نفعاً، فهم مستيقظون طوال اليوم وكأنهم يتناوبون على النوم.
أنا من جهة لا أستطيع أن أتجاهلهم ولا أكترث لأمرهم (كما تنصحني بذلك صديقاتي، وكما تفعل أختي) رحمة وشفقة بوالدي ووالدتي المريضة، ومن جهة أخرى أحس بالضيق والاكتئاب منهم ومن تربيتهم، أشعر بالكره لهم، خاصة للمراهق منهم، أحيانا كثيرة بدل أن أدعو الله له بالهداية أدعو الله أن يأخذه ويقبض روحه لكي أرتاح من هذا الهم.
أشعر أنني مصابة بانهيار عصبي فقد قرأت أعراضه وأشعر أنها تنطبق علي، واليوم حدث لي موقف مع هذا المراهق أصابني بالقهر، مما جعلني ألقي بالأشياء وأرميها عند دخولي لغرفتي -علماً بأنني أول مرة أصاب بهذه الحالة-.
أرشدوني إلى الحل الذي يخفف من قلقي، وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لطيفة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مشكلتك ببساطة وهي: عدم تقديرك لذاتك، فأنت تقومين بعمل جليل، بعمل هو من أرقى وأفضل ما يمكن أن يقدمه الإنسان لنفسه ولوالديه ولإخوته ولذويه، أنت إنسانة ذات قيمة، وقيمة راقية جدًّا وقيمة رفيعة جدًّا، لكن بكل أسف لا تشعرين بذلك.
أيتها الفاضلة الكريمة: يجب أن تجلسي مع نفسك جلسة صدق وجلسة تأمل وأمل، وتتدبري وتتفكري في دورك، أنت خصك الله تعالى بهذا الدور، لا تضيعي هذه الفرصة أبدًا، لا تصيبي نفسك بالقهر، قدري ذاتك، قدري عملك، قدري ما تقومين به، وأقبلي عليه بكل ترحاب، بكل سعة صدر احتسابًا للأجر وأن تبني ذاتك، هذه مهارات تكتسبينها، فلماذا تحرمين نفسك من الأجر ومن مكاسب الدنيا؟ لا، أنا لا أتفق معك أبدًا في تفكيرك هذا، لماذا تقللين من شأنك؟ خير الناس هو من ينفع نفسه وينفع الآخرين.
خير الناس أنفعهم للناس ولا شك في ذلك، فهذه الخيرية التي وهبها الله تعالى لك لماذا تضيعينها؟ فقط خوفًا من الانفعال مع إخوتك، وعدم تحملك لما يظهر منهم هنا وهناك من شطط في التصرفات، لا، الأمر يحتاج إلى رؤية جديدة، إلى فكرة جديدة، إلى النظر إلى هذه المسؤولية أنها أمر إيجابي ومفرح، لا تتاح لكل الناس، لا تضيعي هذه الفرصة العظيمة، فتح الله تعالى لك -إن شاء الله- بابًا من أبواب الجنة فلا تغلقيه.
تحملي إخوتك، قومي بالإحسان إليهم، قومي بتوجيههم، ساعديهم في تقسيم أوقاتهم، وفي ذات الوقت خصصي وقتًا لراحتك، حين يذهبون إلى النوم أنت تذهبي وتنامين، من حقك أن ترفهي عن نفسك بما هو طيب وجميل، من حقك أن تأخذي قسطًا من الراحة، كل المطلوب منك هو حسن إدارة الوقت، والاستشعار بما تقومين به كعمل إيجابي عظيم، فرصة أتيحت لك لا تضيعيها أيتها الفاضلة الكريمة.
ليس لدي ما أقوله غير ذلك، وأنت لست في حاجة لدواء، أنت في حاجة لشيء واحد فقط، وهو تقدير قيمة ما تقومين به، عمل عظيم أتاحه الله تعالى لك، وأنا متأكد بعد عشر سنوات من الآن سوف تحسين بقيمة هذا الذي قمت به من عمل، لا تضيعي هذه الفرصة الفاضلة الكريمة، ولابد أن تحسي بالرضا، وتحسي بالإشباع الداخلي، هذا مهم جدًّا.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة: د. محمد عبد العليم .. استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة: الشيخ / موافي عزب .. مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة -: أنا حقيقة لا أدري ماذا أقول لك؟ أبالله عليك يفتح الله أمامك أبواب الجنة وأبواب الرضا والرضوان وتهربين منها؟ إن خدمتك لإخوانك رحمة بأبيك وشفقة عليه، ورحمة بأمك المريضة من أعظم القربات وأجل الطاعات، وأعتقد أنك لو تعلمين ما أعده الله لك من الأجر والمثوبة لصبرت أضعاف ما أنت عليه مرات ومرات ومرات؛ لأن الأجر العظيم الذي ينتظرك عند الله تعالى والله لا تقوم له السموات والأرض جميعًا، فأنت تُحسنين إلى إخوانك وأخواتك إكرامًا لوالديك، فهنيئًا لك ثم هنيئًا لك.
ولذلك هذا الذي تشعرين به من تحديات أعلم أن غالبها من عمل الشيطان - عليه لعنة الله -؛ لأن الشيطان يحسدك، فهو يرى أنك ستحصدين جوائز هائلة، وتدركين منازل في الجنان عالية، بقيامك بمساعدة إخوانك وأخواتك وصبرك عليهم - خاصة هذا المراهق -ابتغاء مرضاة الله تعالى وإرضاء لوالديك وشفقة على أمك المريضة، والله (بُنيتي لطيفة) أنا لا أدري ماذا أقول لك؟ ويا ليتك تصبرين وتصبرين وتصبرين؛ لأنك عمَّا قريب ستجنين وتحصدين ثمار هذا العمل العظيم، ولكن شريطة أن يكون هذا العمل خالصًا لوجه الله تعالى وابتغاء مرضاته، وهذا أولاً، ثم إكرامًا لوالديك وإحسانًا لأمك المريضة.
ماذا سيصنع والدك كما ذكرتِ؟ وماذا ستصنع أمك المريضة العليلة طريحة الفراش التي تحتاج إلى مساعدتك أيضًا؟
إن هذه الحالة التي تأتيك إنما هي من الشيطان - لعنه الله -؛ لأن الشيطان يستكثر عليك رضوان الله تبارك وتعالى، يستكثر عليك هذه النعمة، هذا العمل العظيم الرائع الذي لا يقوم به إلا كبار الخلق، ولقد اختارك الله تبارك وتعالى لهذه المهمة وتلك الرسالة، والله ما اختارك لها إلا محبة منه لك؛ لأنه إذا أراد بالعبد الخير يسّر له أسباب الخير، وأنت ما زلت معانة على هذا الأمر وتقاومين وتصبرين، والله تبارك وتعالى معك يتولاك ويؤيدك ويسددك، ففكرة الهروب هذه إنما هي هروب من الجنة إلى الجحيم.
وأنت كما ذكرت لا تقصدين هروبًا إلى بيت الزوجية فإنه مسؤولية، وإن كان هذا الكلام أيضًا غير صحيح؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل لكل إنسان مسؤولية، فكما أنك ستكونين زوجة مسؤولة فإن زوجك أيضًا سيكون مسؤولاً، لا يوجد هناك رجل بلا مسؤولية، ولا توجد هناك امرأة بلا مسؤولية، ولا يوجد هناك أحد إلا وهو مسؤول، كما قال الله تبارك وتعالى: {فلنسئلن الذين أُرسل إليهم ولنسألنَّ المرسلين} والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: (كلٌ راعٍ وكلٌ مسؤول عن رعيته) فلا يوجد أحد بلا مسؤولية.
ولكن أقول -بارك الله فيك-: ما دام لم يتقدم لك أحد إلى الآن فجاهدي في خدمة إخوانك ابتغاء مرضاة الله، وأرفعي أكفَّ الضراعة إلى ربك ومولاك، وسليه أن يعينك، وأن يثبتك، وأن يسددك، وأن يقويك، وأن ينصرك على شيطانك، وألا يحرمك الأجر والمثوبة، واجتهدي، وحاولي (يا بُنيتي)، واعلمي أن كل شيء له بداية فإنه قطعًا له نهاية، وهذا الأمر سيأتي يوم ينتهي، ولكن ينتهي بماذا؟ ينتهي بروح وريحان وجنة نعيم؛ لأن إكرامك لهؤلاء الذين هم أشبه بالأيتام لن يضيع لك سُدىً عند الله، وسيكون فيك وفي عافيتك وفي زوجك وفي أولادك في المستقبل، وفي قبرك، وفي وقوفك بين يدي الله تعالى، بل سيجعل الله لك مقعد صدقٍ عنده بصبرك على إخوانك هؤلاء المساكين (الأيتام) إكرامًا لأمك المريضة، وإكرامًا لأبيك المسكين.
فاصبري (يا بُنيتي) وتوجهي إلى الله بالدعاء، وسليه أن يثبتك، وإنا لندعو الله تعالى أن يثبتك، وأن يسددك، وأن يأخذ بناصيتك إلى الحق، وأن يرد عنك كيد شياطين الإنس والجن، إنه جواد كريم.
هذا، وبالله التوفيق.