أصبت بحالة هلع وخوف من الموت بعد الولادة، بماذا ترشدونني؟
2013-10-09 02:11:23 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيراً على ما تقدمونه من خدمة قيمة لهذا المجتمع، وأسأل الله التوفيق لكم ولكل من يسعى في مصلحة الأمة.
أنا متزوجة منذ سنة ونصف تقريباً، وقد رزقت بطفل قبل شهرين، عمري 20 سنة.
مشكلتي بدأت قبل شهر، في الأول كانت ضيقاً في التنفس خاصة في الليل عند انطفاء الأضواء، لكنها تحولت إلى حالة قرأت في موقعكم أنها حالة فزع أو هرع، أظن أنني عانيت من هذه الحالة، لكن أحيانا يتضح لدي العكس، عندما أضحك أو أتكلم كثيراً، أو أتمشى أو وأنا في حالة راحة كاملة، أشعر بشعور أقل ما يمكنني وصفه أنه غريب كأنه ضيق في التنفس، أو كأني سأسقط، أو كأن جسمي ليس بجسمي، ودوخة، وأحيانا قرقرة في الجهة اليسرى من بطني.
والله لقد حرت، ذهبت للمستشفى بسيارة الإسعاف بعد أن جاءتني تلك الحالة، ظننت أني سأموت، وبعد عدة تحاليل وجدوا كل شيء في أحسن حال، القلب والرئة والكليتين والدم والبول، وشخصوا حالتي أنها ضعف بعد الولادة، لكني لم أشعر بعد الولادة بهذه الأعراض، بل كنت نشيطة، أما الآن فلا، ونفسياً بعد هذه الحالة تأتيني حالة من الخوف الشديد من الموت، وأفكر في عذاب القبر، وكيف تقبض الروح، وأسئلة كثيرة أساسها الخوف من عذاب الله، وأنني سأنتقل لعالم آخر وسأندم على ما فرطت في دنياي.
هذا الخوف لم أكن أشعر به عندما كنت غير ملتزمة، لكن بعد مشاهدتي للشيوخ أصبحت إنسانة أخرى، لا أستمع للموسيقى بعد أن كنت مدمنة عليها، ولا نميمة ولا لباسا فاتنا، بل وفي تفاصيل جد صغيرة يستغرب من حولي، ويقولون: إني أحرم كل شيء، وأستغرب عندما أرى الناس يعصون الله، ألا يعرفون عن عذاب الله شيئاً؟
والله تغيرت حياتي بشكل خاص، أسمع كثيراً أن فلانا جيد ويحبه الناس كثيراً وقد توفي، ويقولون: الله دائماً يأخذ الطيبين بسرعة، فأخاف عندما أرى الآخرين من العائلة والجيران والأصدقاء يحبونني، والله أحاسيس غريبة أشعر بها تزداد وتؤثر على حياتي، فأنا أريد الإبداع والحياة الجميلة كباقي الناس، لكنني عندما أشعر بالسعادة الكثيرة، أو أقوم بواجبي وزوجي راض عني، تأتيني وساوس وتقلب السعادة حزناً، لكن هذه الأحاسيس جاءتني بعد تلك الحالة المرضية التي قدمتها في البداية.
أشعر أن جسدي أصبح آخر بعد الولادة، وتزعجني الدوخة والإحساس الدائم بالفشل الجسدي، وهذه الأعراض لم أكن أشعر بها من قبل، حتى في مرحلة الحمل، والآن أصبحت وكأنني أتعايش مع هذه الحالة، فتصبح أحياناً عادية إلى أن أنسى أني مريضة وأتصرف طبيعية، وتعود الحالة من جديد وكأنها أول مرة، وأبدأ من جديد في محاولة التأقلم معها، وهكذا أعيش في دوامة، ولا أعتقد أن الحالة النفسية هي السبب في الحالة المرضية بل العكس؛ لأنه بمجرد اختفاء تلك الأعراض كضيق التنفس، أصبح عادية ونشيطة.
طبيبتي أعطتني دواء لتهدئتي نفسياً من القلق، لكني لا أشعر بذلك ولم أشتر الدواء، والآن آخذ فيتامينات ثلاث مرات في الأسبوع عن طريق الحقن بعدما أخبرتها أن لدي الكثير من الحليب، ابني لا يفرغ الثدي وإن شرب كثيراً، خاصة الثدي الأيمن إلى الآن لم يفرغ دقيقة واحدة، وكل يوم تصبح ملابسي مبللة رغم وضع قطن للثدي، مع العلم أن ثديي كان صغيراً جداً قبل الحمل، وازداد حجمه بطريقة مفاجئة بعد الولادة، قد يكون هذا أيضاً سببا فيما أشعر به.
آسفة على الإطالة، لكني حاولت ما أمكن وصف حالتي.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ safae حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أولاً: نهنئك بالمولود، ونسأل الله تعالى أن يجعله من الصالحين، وأن يجعله قرة عين لكما.
حوالي 70% من النساء تحدث لهن تغيرات نفسية بعد الولادة في الأسبوع الأول، لكن معظم هذه التغيرات تكون غير ملاحظة، شيء من القلق، شيء من البكاء البسيط والمتقطع، ضيق في الصدر، هذه عادية جدًّا وتحدث لعدد كبير جدًّا من النساء.
وهنالك عدد آخر من النساء حوالي 10-15% تحدث لهنَّ تغيرات نفسية متنوعة، قد يكون هنالك عسر في المزاج، شعور بالتوترات، ضيقة في الصدر، المخاوف، الوساوس، وهذه ربما تتطور إلى اكتئاب نفسي، وهنالك أقلية قليلة من النساء 1-2% ربما تحدث لهنَّ أمراض ذهانية بعد الوالدة.
أنا أعتقد أن الحالة التي تعانين منها هي حالة قلق مخاوف وسواسي، والقلق ليس من الضروري أن يكون ثابتًا، ولا حتى المخاوف، ولا حتى الوساوس، هي قد تأتي متقطعة، قد تأتي في شكل موجات، قد تأتي متفرقة، أو تكون في قالب واحد، وهكذا، وهذه الحالات تأتي تحت ما يسمى بـ (الاضطرابات الوجدانية البسيطة)، نعم هي تزعج صاحبها، لكن أعتقد أن علاجها ليس بالصعب.
هذه الحالات تستجيب استجابة ممتازة جدًّا للأدوية؛ لأن النظرية العلمية تؤيد ولدرجة كبيرة أن التغيرات البيولوجية التي تحدث بعد الولادة ربما تلعب دورًا مهمًّا في الوضع المزاجي للمرأة، ولذا يعتبر الدواء مهمًّا؛ وعليه أرجو أن تتكلمي مع زوجك الفاضل وتشرحي له ما تعانين منه، وتذهبي معه إلى الطبيب النفسي، أنت لست محتاجة للكثير من الجلسات، ربما جلسة أو جلستين، وأن يُصرف لك دواء ممتاز وسليم خاصة مع الرضاعة، مثل: عقار (زولفت) ويعرف أيضًا تجاريًا باسم (لسترال)، ويسمى علميًا باسم (سيرترالين)، أعتقد أن ذلك سوف يحل مشكلتك تمامًا، ويزيل أعراض (قلق المخاوف الاكتئابي) الذي تعانين منه.
الأفكار التشاؤمية وغير المنطقية والوسواسية، دائمًا يتعامل معها الإنسان من خلال صدها وتحقيرها وتجاهلها، ويستبدلها بما هو مضاد لها، كوني على هذا النسق، وقطعًا أنا سعيد جدًّا بالتزامك الديني، أسأل الله تعالى أن يزيدك في ذلك ويثبتك عليه.
ومصاحبة الصالحات من النساء مهمة جدًّا، حتى في أمر الدين، وحتى لا تفرط الأمور من يدك حول بعض الأفكار ذات الطابع الوسواسي، والتي ربما يكون فيها شيء من الغلو، فمزاملة الداعيات والصالحات فيها خير كثير جدًّا في هذا السياق، واستعيذي بالله تعالى من الشيطان الرجيم، وأكثري من الدعاء.
لا تتشائمي، لا تتخوفي خوفًا مرضيًا من الموت، فالموت حق كما تعلمين، وكل ما يُقال حوله: إن الإنسان يشعر بموته، وأن الطيبين الصالحين يموتون مبكرًا؛ هذا الكلام -وإن لم يكن هذا مجالي- ليس لي به قناعة شخصية، والخوف من الموت لا يقدم في عمر الإنسان ولا يزيده لحظة واحدة، والإنسان يتوكل على الله، ويعرف أنه في حفظه ومعيته، ويسأل الله تعالى أن يحفظه، وأن يطيل عمره في صالح الأعمال.
موضوع الثدي وزيادة حجمه بعد الولادة متوقع لدى الكثير من النساء، وأعتقد أن مشاعر الحساسية والمخاوف والقلق والوساوس لديك جعلت الأمر يتضخم لديك كثيرًا، فاطمئني -أيتها الفاضلة الكريمة– حياتك فيها أشياء طيبة جميلة كثيرة، أرجو أن تتفكري وتتمعني فيها، وأن تتذكريها دائمًا، وأن تسألي الله تعالى أن يعافيك وأن يحفظك وأسرتك.
باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا.