أصبحت شخصيتي انطوائية ولا أحد يحبني، ساعدوني
2013-09-26 01:27:49 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
بداية أود أن أشكركم على هذا الموقع، الذي أتاح للكثير طرح ما يعيق طريقه، واستفادة الناس منه، وأسأل الله تعالى أن يجعله في ميزان حسناتكم، وأن يجزي القائمين عليه خير الجزاء.
أنا فتاة في الخامسة عشرة من عمري، منذ أن التحقت بالمرحلة المتوسطة تغيرت حالتي النفسية رأساً على عقب، في البداية كانت مدرسة مادة العلوم غير محببة لي وأكرهها، وأتمنى لو يأتون بغيرها، من أول يوم دخلت فيه علينا كرهتها، صرت بمجرد أن أعود من المدرسة أبكي مقهورة منها، لا أدري لماذا، من تلك الأيام التي أصبحت أبكي فيها من المعلمة، أصبحت أبكي كل يوم بدون سبب، وفي هم لا يعلم به إلا الله، أصبحت أبكي بكاء يتقطع له القلب، تغيرت جذرياً، حساسة لأي كلمة تقال، أحسب أنها توجه لي، المشكلة أني لا أعرف السبب، ما أعرفه هو أني بدأت بحالة البكاء من بعد أن كنت أبكي من تلك المعلمة بدون سبب.
اسودت الدنيا في عيني، أصبحت أكره الحياة، وأكره كل شيء أمامي، لم أعد أتلذذ بالحياة مع أني كنت ما زلت في مرحلة الطفولة، أصبحت أعرف معنى النفسيات وأنا لم أنضج بعد، أحسست بكرهي للناس وكرههم لي، لم أعد أطيق الجلوس معهم ألبتة، أحاول قدر الإمكان أن أعزل نفسي عن العالم، أحب الوحدة والعزلة، فوجودي بين الناس أصبح يزعجني، لأن وجودي بينهم كعدمي، فلا أفعل أي شيء يذكر بينهم، أو أقول شيئاً، عندما أكون وحيدة أستمتع بوحدتي، وأستغرب من الأشخاص الذين يقولون إن الوحدة مؤلمة، بالعكس أصبحت أتلذذ بها لأني أحس أن من هو معي الآن هو الله فقط، لا أحد غيره، وأجد لذتي في الاستمتاع بمراقبة الله لي وكونه معي.
حاولت أن أتغير مراراً وتكراراً، تغيرت داخلياً فقط، في كوني أود أن أكون اجتماعية ومنخرطة مع الناس، وأصبح تفكيري إيجابيا لدرجة كبيرة، ومتفائلة كثيراً، وأرى الحياة بمنظور جميل جداً منذ السنة الماضية، لأني أحسست أن الله لن يضيعني ما دام أن الكون كله يسير تحت حكمه وإدارته سبحانه، لكن العائق الذي يعتريني الآن هو قلة كلامي، لم أستطع أن أجتاز هذه المرحلة، صمتي أصبح أغلب حالاتي، مما جعلني أكره الجلوس مع الناس، ومن كثرة التفكير بحالتي هذه كرهت المدرسة، وكنت أحاول دائماً أن أتركها لأن زميلاتي دائماً ما يبحثن عن الاستمتاع والفكاهة فقط، ويعتبرون وجودي كعدمي، ومن حقهن ذلك فليس لدي ما أتحدث به، وكيف أتحدث وقد اخترت العزلة والانطوائية عن المجتمع؟
وأكثر ما يزيد حالتي سوءا، هو أن أختي الأكبر مني عكسي تماماً، شخصية اجتماعية مرحة ومحبوبة، فدائماً ما أقارن نفسي بها وتضطرب شخصيتي، حتى أمي -لا أقول إنها لا تحبني- لكن تفضل أختي عليّ كثيراً، لأن أختي اجتماعية معها ومع غيرها، فعند غياب أختي دائماً تذكرها، فأغار منها كثيراً، وخصوصا في هذا الوقت، فقد سافرت أختي للخارج لتكمل دراستها، مما يزيدني غيرة سؤال أمي الدائم عنها، وحتى الجيران، فقد سمعت أن ابنة جارنا تقول عني: ليتها سافرت هي ولم تسافر أختها، فنحن لا نريدها. مع أنها طفلة، حتى الأطفال أصبحوا لا يحبونني، كل يوم والله علي ما أقول شهيد، أسمع كلمة من أحدهم عن عدم محبتهم لي، ومقارنتهم بأختي، خصوصاً من أبناء الجيران فدائما ما يأتون عندنا.
أحياناً أثق بان الله لن يتركني على هذه الحالة، فدوام الحال من المحال، وأدعو الله وأستغفر كثيراً، ظني بأنه ذنب اقترفته، لكن ما يزيد إحباطي عند قراءتي لهذه الآية: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، لأني عجزت عن تغيير حالتي هذه، فأحبط بأن الله لن يغيرني حتى أبدأ بتغيير نفسي، أحيانا يزداد عندي التفاؤل، والإيمان بحكمة الله وعدله، وبعدها أصاب بإحباط، فمن ذلك عندما أتفاءل بحديث: (إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه) لكني أحس بأن الناس تكرهني عندما أقارن نفسي بأختي، فأتعجب هل يبتليني الله ببغضهم لي؟ فيؤرقني أكثر، وأتخوف من أن الله قد أبغضني، فكانت العاقبة أن بغضني للناس.
آسفة على الإطالة، لكن ليس لي مكان أبوح به ما بداخلي بعد الله غيركم، فأرجو منكم أن تتفهموا حالتي وتفيدوني، وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بسمة أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بدأت صعوباتك مع مدرسة مادة العلوم أنها لم تكن محببة لك، وهذا جسّد لديك الكراهية نحوها، وجعلها أن تكون هي الرمز، أو المركز الذي من خلاله تتحرك عواطفك ووجدانك، وأصبح يحدث لك ما نسميه بـ (الإسقاط النفسي)، يعني أن فكرة كراهية المعلمة استحوذت لديك لدرجة أن مشاعرك كلها تبدلت إلى مشاعر سلبية، فيها تشاؤم وكدر، وعدم توافق، وعدم تفاؤل، وهذا جعلك لا تحسنين الظن حتى بالعالم كله، هذا نوع من الإسقاط النفسي، ومن ثم وبعد أن تخطيت هذه العقبة لاعتمادك على الله تعالى، وبدأت أمورك تتحسن، إلا أن جزئية الإسقاط ظلت موجودة -الإسقاط النفسي-، وبدأت تظهر في شكل انعزال، وعدم تجاوب، وعدم تفاعل إيجابي مع الآخرين.
أنا أعتقد أنك تسيرين في الطريق الصحيح، وهذا هو التدرج المنطقي للأمور، لا يمكن –أيتها الابنة الفاضلة– أن تتبدل المشاعر جميعها وفي لحظة واحدة، لا، أنت الآن أصبحت أحاسيسك الداخلية جيدة، إيجابية، تنظرين إلى نفسك أنك يمكن أن تتغيري، وأنك دائمًا في معية الله تعالى، وأنت بالفعل تغيرت، أنا أعتقد أن تقديرك لذاتك لا يخلو من شيء من عدم الإنصاف لذاتك، أريدك أن تتفهمي أنك بالفعل قد تغيرت، أنك تسيرين على المنهج الصحيح، وأن موضوع التواصل مع الآخرين هذه ليست مشكلة أبدًا.
ابدئي بأهل بيتك، ثم كوني صداقات في مدرستك، ويمكن أن تذهبي إلى أحد مراكز تحفيظ القرآن –مثلاً-لتلتقي بالصالحات من الفتيات والداعيات، حيث تعيشي في طمأنينة، وهذه الطمأنينة سوف تجعلك تتواصلين مع الآخرين.
شيء آخر مهم جدًّا: التركيز على بر الوالدين، أنا أعرف -إن شاء الله- أنك من الذين يبرون والديهم، لكن أريدك أن تعطي حيزًا كبيرًا في تفكيرك لهذا الأمر، لأن ذلك سوف يفتح عليك باباً ممتاز جدًّا، وهو باب التواصل الاجتماعي الجيد، لأن نفسك سوف يكون فيها رضا، فيها طمأنينة، وسوف تبدئين في أخذ مبادرات إيجابية جدًّا على مستوى الأسرة.
من المهم جدًّا أن تنظمي وقتك، ولا تحكمي على نفسك بمشاعرك، مشاعرك فيها الكثير من الإيجابيات، لكن في بعض الأحيان قد تأتيك مشاعر سلبية، لا، هنا قولي لنفسك (أنا أحكم على نفسي بأفعالي، أنا أوزع وقتي بصورة صحيحة، أنا أدرس، أنا أساعد في البيت، أنا أطيع ربي، أنا أقوم بعباداتي، أنا أبر والديَّ، أنا أرفه عن نفسي بما هو مشروع، أنا أمارس الرياضة التي تناسب الفتاة المسلمة، أنا أريد أن أكون كذا وكذا في المستقبل، لذا لا بد أن أغترف من مناهل العلم وأجتهد في ذلك) ضعي هذا التصور، أسقطي هذه الإسقاطات على نفسك باستمرار، -وإن شاء الله تعالى- سوف تتبدل مشاعرك لتصبح إيجابية جدًّا.
أنت لست في حاجة لعلاج دوائي، أنت لست مريضة –أيتها الفاضلة الكريمة–، فقط مرحلتك العمرية هي التي جعلتك تمرين بهذا الظرف النفسي البسيط، لكنني متفاءل جدًّا أنك -إن شاء الله تعالى- سوف تكونين بخير وعلى خير.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.