زوجة أبي تسيء معاملتي لدرجة أفكر فيها بالانتحار
2013-05-08 12:18:30 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سألخص لكم الموضوع، أبي طلق أمي منذ أن كنت صغيراً، ولم أرها منذ ذلك الوقت، وتزوج امرأة أخرى، أي أنه أصبح لدي زوجة أب ومعاملتها لي قاسية جداً كأنها حاقدة علي، وبسبب هذه المعاملة القاسية أصبحت تنتابني رغبة شديدة بالانتحار، وأصبحت أكره الحياة وأتمنى الموت، أنا فتى محروم من حنان الأم، ومشاكلي النفسية أني أبكي بسهولة، وأخاف بسرعة، وسلبي وكئيب، وأشياء مثل ذلك.
ما هو جزاء زوجة أبي؟ وإذا انتحرت، هل سأذهب إلى النار؟ ما هو الحل لهذه المشكلة؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد الحمارشه حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فأسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.
كنت أتمنى أن تُحدد عمرك، لأن ذلك سوف يفيد كثيرًا، لكن من صياغة رسالتك أحسبُ أنك رجل عاقل ومستبصر وتفرق بين الخطأ والصواب والحلال والحرام، وأقول لك –أيها الفاضل الكريم– أنت الآن يسيطر عليك فكر سلبي، والفكر السلبي حين يسيطر على الإنسان يُنسيه كل ما هو جميل في حياته.
أنا أريدك أن تجلس جلسة عميقة مع نفسك، وتفكر في هذه الأفكار القبيحة التي تحدثت عنها، وأقصد بذلك الفكر الانتحاري، الانتحار من أكبر الذنوب ومن أعظمها، أضف إلى ذلك أن الحياة طيبة وجميلة، والذي ينتحر يترك جراحات كبيرة جدًّا لأسرته ولمعارفه، وديننا الإسلامي يحمينا تمامًا من الانتحار، الانتحار نادر جدًّا في مجتمعاتنا، ويجب أن تضع حواجز قاطعة بينك وبين هذا النوع من الأفكار، أنا أعرف أنك لن تُقدم على الانتحار، لأنك تعرف أن هذا مآله مظلم في الدنيا والآخرة، وأنا في ذات الوقت أقدر لحظة الضيقة التي أنت فيها، لكن أقول لك أن الحياة ليست مظلمة كما تتصورها.
موضوع الطلاق الذي وقع بين والديك: لا شك أنه أمر مؤسف، لكن الطلاق موجود، لذا هو أبغض الحلال عند الله، لكنه مخرج، وأنا أقول لك ومن تجربتي الطويلة والمتواضعة في ذات الوقت: الطلاق الناجح أفضل من الزواج الفاشل.
الأمر الثاني: زوجة والدك، من الطبيعي جدًّا أن تحس بشيء من الضيم حولها، لأنها أتت في مكان والدتك، لكن يجب أن تتدبر وتتأمل أنه لا ذنب لها في هذا، والأمر الثاني: أنا أثق تمامًا أنها حتى وإن لم تكن تحبك لكنها سوف تسعى لأن تعاملك معاملة حسنة إرضاءً لوالدك، لأن إرضاءها لوالدك سوف يحافظ على زواجها.
الذي يظهر لي أنك أخذت عليها نقطة مظلمة، وبعد ذلك بدأت تنظر إلى جميع تصرفاتها على أنها جائرة في حقك. أنا لا أدافع عنها – يا أخِي الكريم – لكني أريد أن أذكرك بحقائق ووقائع، أسأل الله تعالى أن تأخذ بها، لأنها سوف تريحك كثيرًا، كن من الكاظمين الغيظ، كن من العافين عن الناس، كن من المحسنين، كن من المتسامحين، قدم الخير وأقدم على الخير، هذا فيه خير كثير لك.
موضوع الحرمان من حنان الأم: أنا لا أخالفك هذا الرأي، لكن أعرف من تربوا في بيوت الأيتام، أعرف من تربوا وهم من مجهولي الأبوين، وعاشوا حياة طيبة وهانئة، تعلموا، اجتهدوا، ثابروا، وكانوا دائمًا في معية الله، أريدك حقًّا أن تغيّر تفكيرك المعرفي، افتح بوابات جديدة على نفسك، أغلق هذه البوابات الظلامية، الحياة طيبة، والحياة جميلة، وأنت الآن -الحمد لله- أحسبُ أنك رجل تعتمد على نفسك، ويجب أن تكون نافعًا لنفسك ولغيرك.
أيها الفاضل الكريم: سوف أكون سعيدًا جدًّا إذا استطعت أن تقابل طبيبًا نفسيًا؛ لأن ذلك سوف يكون فيه مساعدة، فالأحزان والكرب إذا سيطرت عليك ولم تستطع التخلص منها، هنا الأدوية المحسنة للمزاج سوف تكون مفيدة جدًّا لك.
وأخيرًا: سوف يتفضل الأخ الشيخ أحمد الفودعي ليفيدك بما هو مفيد -إن شاء الله تعالى– في حالتك، بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
_________________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم، استشاري أول طب النفس والإدمان، وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي، المستشار الشرعي:
مرحبًا بك –أيها الولد الحبيب– في استشارات إسلام ويب، ونحن أولاً نحذرك من استدراج الشيطان لك، ومحاولة تزيينه لك الإقدام على هذه الجريمة الكبيرة، وهي قتل النفس والانتحار، فإنك إذا فعلت ذلك -والعياذ بالله- لن تنتقل إلا إلى حال أشد من الحال التي أنت فيها، وعذاب أنكى من العذاب الذي أنت فيه، مع عدم إمكان الرجوع والإصلاح، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم– فيها الترهيب الشديد من الإقدام على قتل الإنسان نفسه، وقد أخبر -عليه الصلاة والسلام– بأن من قتل نفسه بحديدة فهو يتوجأ بها في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن احتسى سُمًّا فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردى من شاهق فقتل نفسه فهو يتردى في نارٍ جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا.
بهذا جاءت الأحاديث وهي كثيرة، فاحذر -بارك الله فيك– من الانجرار وراء داعي الشيطان، فإنه لا يريد بك إلا الشر، ولا يرضى إلا بأن تتقحم النار، وقد امتنع النبي -صلى الله عليه وسلم– عن الصلاة على من ارتكبوا ذنوبًا دون ذلك، فاحذر سوء العاقبة، واعلم أن نكد الدنيا وغصصها لا تُدفع بمثل هذه الأساليب، إنما تُدفع بأن تأخذ بالأسباب المشروعة المباحة لمدافعة الأقدار المكروهة، وستنتقل -بإذن الله تعالى– من حالتك هذه إلى حالة أحسن.
نحن لا ندري كم عمرك، وفي أي مرحلة أنت من مراحل حياتك أو مراحل تعليمك، فأنت لم توافنا بهذه المعلومات حتى نتمكن من أن نضع بين يديك مقترحاتنا فيما تفعله، ولكن بالجملة –أيها الحبيب– فإنك تستطيع -بإذن الله تعالى– إذا استعنت بالله وبالأخيار ممن حولك، ولا شك أن لك أقارب، إن طلبتهم واستعنت بهم فإنهم سيرشدونك ويعينونك، وإذا لم تجد ذلك فستجد في الأخيار والصالحين ممن عداهم خير معين وخير جليس، فنوصيك بالتعرف على الشباب الصالحين والرجال الطيبين في المساجد، وفي حلق العلم والذكر، وستجد -إن شاء الله تعالى– إخوانًا لم تلدهم أمك.
أنت -أيها الحبيب– تستقبل عمرًا تستطيع -بإذن الله تعالى– أن تستغله فيما ينفعك في دنياك ويُسعدك فيها، كما يرفع مقامك ودرجتك عند الله في جنات النعيم، فاحذر على أن تقضي على هذا كله بتهور يحاول الشيطان أن يجرك إليه، اصنع من مرارة الحياة وما تجده فيها من غصص دواءً لمشاكلك، وحاول أن تأخذ بأسباب النجاح في حياتك كالتعليم وإكماله، والبحث عن وظيفة، والمسارعة إلى الأخذ بأسباب الزواج إن كنت لم تتزوج، والاستقلال بحياتك المادية، وستجد نفسك بعد أيام تعيش حياة هنيئة مستقلة عن الآخرين.
أما زوجة أبيك هذه فإن خير ما تداوي به ما بينك وبينها العفو والصفح، فإن الكلمة الطيبة ومبادلة السيء بالحسن كفيل بأن يقلب عدوك صديقًا، وهذا ما أرشدك الله سبحانه وتعالى إليه، بقوله: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم}، والنبي -عليه الصلاة والسلام– قال: (صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعفُ عن من ظلمك)، ونحن على ثقة -أيها الحبيب– من أنك إذا تعاملت بهذه الأخلاق مع زوجة أبيك فإنك ستؤثر فيها، وإن لم تتأثر وأصرت على ظلمها لك فإن الله عز وجل مجازيها بظلمها، ولن يضيع حق من حقوقك، فقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (لتؤَدُّنَّ الحقوق إلى أهلها حتى يُقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء).
فبادر –أيها الحبيب– بالأخذ بالأسباب الإيجابية التي تصنع بها حياتك السعيدة، وتستثمر بها أوقاتك، آنسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يأخذ بيدك إلى كل خير، وأن يفتح أمامك أبواب السعادة، إنه جواد كريم.