أصبت باليأس واسودت الدنيا في عيني بعد موت خالتي
2013-03-29 11:21:59 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
منذ أن كنت طفلة وأنا أشعر أن حياتي لن تكون سعيدة, وقد يكون بسبب والدي وظلمه ومعاملته لأمي, أو لأني حساسة جدا.
منذ 6 سنوات ماتت خالتي, وأنا أعاني كثيرا بسبب موتها, لا أستطيع نسيان أن آخر طلب لها أن تراني, وأنا ظننت أنها مريضة, ولا داعي للسفر وتعطيل دراستي, لكنها ماتت.
إحساسي بالذنب سيقتلني, فأنا أصلي وأدعو لها بالرحمة, فموتها جعلني أنتظم في صلاتي, حتى يقبل الله دعواتي لها, وأنها ستسامحني على تقصيري في حقها.
في الفترة الأخيرة لم أذق للنوم طعما, كنت أصلي الفجر وأفكر في خالتي, رغم مرور6 سنوات على موتها, لكني أتعذب وألوم نفسي, لا أنام إلا إذا أحسست بالتعب والغضب من نفسي.
في رمضان الماضي التزمت بصلاة قيام الليل, ولكني مرضت فقصرت ورجعت مثل الأول, ومنذ فترة قررت أن أقوي علاقتي بالله, وأحفظ أجزاء من القرآن, وكنت أفرح كثيرا كلما حفظت سورة, وقررت أن ألتزم أكثر, وأصلي قيام الليل, وأقترب من الله أكثر.
أحيانا أحس أن الله يحبني كثيرا, وأحيانا أحس أنه يختبرني أو يعاقبني, لكن قدرتي على الاحتمال ليست كبيرة, للأسف أتعب بسرعة.
منذ فترة أسبوعين أتعبتني عيناي فذهبت للدكتور, فقال هو قصر نظر, مع أن عمري 22 سنة, وأمي تعاني من نفس المشكلة, وأعرف أنه لا علاج لها.
بكيت كثيرا, وأصابني اليأس وخفت بعد الذي حصل, ولم أعد أحفظ القرآن مثل الأول, أحس بالتشاؤم, ولولا الحرام لتمنيت أن أموت؛ لأني تعبت من كثرة الابتلاء.
أقارن بيني وبين أناس آخرين, أراهم يعيشون حياتهم باستهتار, ولكنهم مبسوطون, ولا يتألمون -لا أعترض على حكم الله- لكني أدعو الله أن يشفيني لأني تعبت.
أسأل نفسي لماذا إذا اقتربت من الله أكثر يحصل لي هذا؟ هل الله يختبرني؟ وهل لي حظ في هذه الدنيا؟ فماذا أعمل حتى أكون قوية وأصبر على البلاء؟
وشكرا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة، وأن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يجعلك من الصالحات القانتات، وأن يملأ قلبك بمحبته، وأن يغفر لك، وأن يعفوَ عنك، وأن يجعلك من أحبابه.
كما نسأله تبارك وتعالى أن ييسر أمرك، وأن يقضي حاجتك، وأن يجعل لك من لدنه وليًّا ونصيرًا، وأن يرزقك حسن الظن به وصدق التوكل عليه، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك -ابنتي الكريمة الفاضلة– فشعورك منذ كنت طفلة أنك لن تكوني سعيدة، لعل هذا من أسباب هذه المشاكل التي أصبحت حزمة كبيرة في حياتك، لأنك فرضت فرضية غير صحيحة، فأنت تعلمين –أو ينبغي أن تعلمي– أن الله تبارك وتعالى جل جلاله أخبرنا عن نفسه قائلاً: {كل يومٍ هو في شأن} ومعنى ذلك أن هناك عملية تغيير دائمًا في هذا الكون، فالله تبارك وتعالى يرفع من يشاء ويخفض من يشاء ويعز من يشاء، ويذل من يشاء ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء.
فكونك تحكمين منذ نعومة أظفارك بأن حياتك لن تكون سعيدة هذا كان أول خطأ وقعت فيه، عليك أن تستغفري الله تبارك وتعالى لأن هذا حتى وإن كانت هناك مظاهر تدل على صدق كلامك، إلا أنه يتعارض مع ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن من حسن الظن بالله تعالى وصدق التوكل عليه.
مسألة أن خالتك قد طلبت رؤيتك قبل أن تموت وأنها ماتت ولم تتمكني من رؤيتها: هذه مما لا شك فيه ألقت بظلالها عليك، ولكن لو سألت نفسك سؤالاً: لو كنت موجودة هناك هل كنت ستطيلين في عمرها؟ هل تتصوري ذلك؟ هذا قدر الله تبارك وتعالى، ولو أن الله أراد أن تنزلي لها لرؤيتها لحدث ذلك، ولكن الذي قدره الله تبارك وتعالى هو الخير، ولذلك نقول: (قدر الله وما شاء فعل) وعلينا الدعاء لها كما تفعلين أنت، ولا ينبغي عليك أن تجلدي نفسك لهذه الدرجة، لأن تفكيرك الزائد وحساسيتك الزائدة ترتب عليها هذه الأمراض النفسية، وترتب عليها التردد في العلاقة مع الله تبارك وتعالى، وترتب عليها كذلك أيضًا مسألة الإقبال والإدبار، الإقبال على الطاعة ثم النكوص مرة أخرى.
هذه كلها آثار لهذه الآلام النفسية التي ما زالت تعمل في نفسك إلى الآن.
أنت لم ترتكبي جُرمًا في حق خالتك –رحمها الله تعالى– أبدًا، لأن زيارتك لها ليست فرض عين، فهذه مسألة مستحبة، لأنها من صلة الأرحام، وأنت كونك ظننت أنها كانت مريضة وأنها سوف يتم شفاؤها، إذن أنت لم تتعمدي التقصير في زيارتها، ولم تتعمدي عدم الذهاب إليها، فالشيطان يُضخم أمامك هذه الأمور رغم أنها سهلة وبسيطة، ولو سألت عنها بعض أهل العلم لأفتاك بأن الأمر في غاية السهولة، وأنه لا حرج عليك ولا لوم ولا عتب، وأن خالتك بعد رحيها عن الحياة لا تحتاج منك أكثر من الدعاء لها، لأن دعاءك لها ينفعها الله تعالى به، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-.
مسألة هذا المرض الجديد -كما ذكرت أنت- في عينك: أقول بارك الله فيك: عليك بالعلاج، ولا تستسلمي، ولا تأخذي الأمر دائمًا بصورة سيئة، ولا تنظري نظرة سوداوية إلى حياتك، لأنك إذا كانت هذه هي نفسيتك فمن الصعب أن تخرجي منها، أما لو أنك علمت أن كل شيء بقدر الله، وأن الله على كل شيء قدير، وأن الله قادر على أن يغيّر هذا الواقع الصعب الذي تعيشينه إلى أحسن حال، فانظري إلى الصحابة -رضي الله تعالى عنهم– عندما كانوا في مكة كانوا يُضربون ويُعذبون ويُحرمون من الطعام والشراب، وبعد فترة انتقلوا إلى المدينة فوسّع الله أرزاقهم وأصبحوا من أغنياء العالم.
ثم اعلمي بارك الله فيك أن الابتلاء ليس من علامات غضب الله تبارك وتعالى على العبد، فأيوب عليه السلام نبي من أنبياء الله ابتلي بمرض –كما تعلمين– وظل سنوات وسنوات يعاني منه إلى أن شفاه الله تبارك وتعالى، فالابتلاء من علامات المحبة إذا كان العبد مؤمنًا صادقًا، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (إذا أحب الله عبدًا ابتلاه، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط).
ابنتِي (أمل): لديك كمية من المعلومات المغلوطة تحتاجين إلى تصحيحيها، لأن هذه الصورة المغلوطة هي السبب في هذا الشقاء النفسي الذي تعانين منه، أنت تنظرين للأمور على غير حقيقتها، نظرتك إلى أن حياتك لن تكون سعيدة وأنت ما زلت صغيرة، هذه مشكلة، ثم بعد ذلك نظرتك أيضًا وتضخيمك إلى قضية عدم ذهابك إلى خالتك وهي تحتضر، أحدث عندك مشكلة أخرى.
كذلك أيضًا مسألة هذه النظرة السوداوية التي عندك، هذه كلها مشاكل تحتاج إلى علاج، نظرتك أيضًا إلى بعض المستهترين على أن حياتهم أسعد وأنها أكثر استقرارًا، هذه أيضًا مشكلة، لأن هذا فيما يبدو لك، وهذا في الظاهر، ولكن لو تعلمين الحقيقة لحمدتِ الله تبارك وتعالى على ما أنت فيه.
ابنتي الكريمة الفاضلة: أتمنى أن تذهبي إلى أخصائي جيد ليكشف على عينك، وليتأكد من وضعها الطبي، ثم بعد ذلك يبحث عن أسباب العلاج.
علاقتك مع الله تعالى ينبغي أن تكون على رأس الأولويات، حافظي على علاقة منتظمة مع الله، وأكثري من الدعاء والإلحاح على الله تعالى، ولا تلتفتي وراءك، ولا تقولي (الناس لديهم شيء وأنا ليس لدي)، ولا تقولي (لماذا أبتلى أنا ولا يبتلى بقية الناس)، هذه كلها كما ذكرت إنما هي حيل شيطانية يقذفها الشيطان إلى قلبك؛ ليجعلك تزدادين حزنًا وانكماشًا وابتعادًا عن الحياة ويأسًا منها، بل والتفكير في الموت.
عليك بحسن الظن بالله تعالى –يا بُنيتي– أتمنى بارك الله فيك أن ترجعي إلى ورد القرآن، وأن تحافظي على صلاة الفجر، والصلاة في وقتها، لأن هذه كلها أمور في يدك، وأن تقولي (قدر الله وما شاء فعل).
أتمنى أن تجتهدي جدًّا جدًّا في الدعاء، وأن تطلبي من أمك الدعاء، ومن أقاربك الصالحين والصالحات، وأنا واثق أن أمورك سوف تتحسن وسوف تكون -بإذن الله تعالى– على أفضل حال تتمنينه وتحبين أن تكوني عليه.
أسأل الله أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، هذا وبالله التوفيق.