جرأتي ضيعت علي خطيبي، فكيف أستعيد أخلاقي وحيائي؟
2012-10-12 22:37:35 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كل منا يتطلع إلى أن يكون على خلق عال، وأنا أيضا رغبت ولا زلت أرغب في أن أكون ممن يتصفون بأخلاق تقربني إلى الله تعالى وتجعلني ممن لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون، ولكنني أشعر بل وأجد قلة الحياء في كثير من تصرفاتي لا أدري، هل هي فطرة فطرت عليها أم هي عادة اكتسبتها من محيطي الذي لم يشجعني على الحياء، بل أغرقني في وحل الذنوب والمعاصي.
عدم اتصافي بهذه الصفة خرب حياتي، وأبعد خطيبي عني! هذا الخطيب الذي انتظرته لسنوات كثيرة ورزقنيه الله بعد انتظار طويل، وكان رجلا من خيرة الرجال ضيعته بقلة حيائي، وأنا اليوم نادمة أشد الندم، ومع ذلك لا أجد مفاتيح العودة إلى الفطرة السليمة فبالله عليكم لا تتركوني لما أنا فيه وخذوا بيدي للاستقامة والثبات على المنهج السليم الذي يعيد إلي نفسي وصلتي بربي.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه..
نرحب بك - ابنتنا الفاضلة - في موقعك، ونسأل الله أن يهدينا وإياك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسن الأخلاق والأعمال إلا هو، وأن يجنبنا سيئ الأخلاق والأعمال فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا هو، وأن يطهر قلوبنا من الشقاق والنفاق وسيء الأخلاق، وأن يطهر ألسنتنا من الكذب والغيبة والنميمة.
فنحن سعداء حقيقة سعداء بهذه الاستشارة التي تدل على صحوة وهداية للوعي، فإن شعور الإنسان بالنقص الذي فيه هو البداية الصحيحة والخطوة الأولى في طريق الإصلاح -إصلاح الخلل- وقد شعرتِ ولله الحمد بأنك محتاجة إلى تغيير بعض الأشياء، وبعض الصفات حتى تستقيمين على شرع الله وعلى دين الله -تبارك وتعالى-، فإننا سعداء بهذا الشعور، ونعتقد أنك ستصلين بحول الله وقوته، واعلمي أن الأخلاق -ولله الحمد- يمكن أن تتغير، والإنسان يستطيع أن يكتسب الأخلاق الحسنة، وهذا الأمر حسمه علماء التربية من المسلمين، حيث إنهم اتفقوا على أن الأخلاق السيئة تتحسن، وإلا لبطلت الرسالات والكتب، وما فائدة الوعظ والتعليم والتدريس إن لم يكن الهدف منه هو تهذيب الأخلاق، بل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- بُعث مُتممًا للأخلاق، ويزكيهم، فهذه من أهداف البعثة النبوية أنه جاء ليعلم الناس ويزكيهم -عليه صلوات الله وسلامه- والله -تبارك وتعالى- يقول: {قد أفلح من زكاها} إذن الإنسان يملك تزكية هذه النفس ويضعها في الطريق الذي يُرضي الله -تبارك وتعالى-.
وما من إنسان إلا وفيه صفات إيجابية يحاول أن يرفع بها، ويفرح بها، ويرسخها، ويربطها بالله، لأن فيها رضوان الله، ويحاول في الصفات السلبية أن يغيرها، فإذا كان بخيلاً يجالس الكرماء ويتكلف الكرم، ويقرأ في سير الكرماء، ويدرك الثواب الذي أعده الله للكريم، ثم يتكلف ويحاول حتى يُصبح الكرم عادة وسجية، ثم يُصبح خلقا عنده بعد ذلك.
والنبي -عليه الصلاة والسلام- يُخبرنا بذلك فيقول: (إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتصبر يُصبّره الله) وقال العلماء: حتى الحيوان يتغير، فإن الحيوان النافر المستوحش يمكن أن يصبح أليفًا بالتدريب والرياضة والتعويد.
لذلك لا تيأسي، حاولي أن تؤدبي نفسك بآداب هذا الشرع الحنيف الذي شرفنا الله -تبارك وتعالى- به، وأول الخطوات الإخلاص لله، والصدق مع الله، باللجوء إلى الله -تبارك وتعالى-، بالبحث عن صديقات صالحات يكنّ سببًا، يذكرنك بالله إذا نسيت، ويكنَّ عونًا لك على طاعة الله إن ذكرت، كذلك بالقراءة في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرة أمهات المؤمنين والصحابيات، والسعي في التأسي بهنَّ والسير على دربهنَّ وخطاهنَّ -عليهنَّ من الله الرضون- فإن المرأة إذا تشبهتْ بهؤلاء الكريمات وصارتْ على دربهنَّ فإنها تُوشك أن تُصبح منهنَّ.
ولا تحزني على هذا الخاطب الذي مضى، فإنه لم يكن من نصيبك، وكل شيء بقضاء وقدر، ولعل الخير فيما اختاره الله -تبارك وتعالى-، والإنسان لا يقول (لو أني فعلت كذا كان كذا) ولكن يقول (قدر الله وما شاء فعل) لأن لو تفتح عمل الشيطان.
لا مانع من أن تستدركي بعض الجوانب، واعلمي أن الحياء مطلوب في الرجل وهو في المرأة أجمل، وأن حياء المرأة من الأهمية بمكان، ونحن لم نعرف التفاصيل، لكن أنت تقولين الحياء، ما أدري ماذا تقصدين بها، ولكن على كل حال المرأة التي تلوذ بحيائها بعد إيمانها بالله -تبارك وتعالى-، ودائمًا تجعل الكلام لأهلها ولمحارمها، ولا تقدم تنازلات، هي المرغوبة عند الرجال.
الرجل قد يضحك على المرأة ويتكلم معها ويُثني على جمالها ومظهرها، لكنه لن يختار في الأخير إلا صاحبة الحياء، إلا التي تحفظ نفسها، ولذلك أنت الآن -إذا كنت تشعرين أن هذا هو السبب- فاعلمي أن المؤمنة لا تُلدغ من الجحر الواحد مرتين، وإذا ذهب هذا الخاطب فسيأتي غيره، عليك أن تُثبتي أنك تغيرت، واحشري نفسك في زمرة الصالحات، وواظبي على حضور المحاضرات والذهاب إلى مراكز ومواطن الخير، واعلمي أنه ما من امرأة فاضلة إلا ولها أخ أو ابن أو محرم يطلب الصالحات من أمثالك، فأظهري بين أخواتك ما وهبك الله من جمال ودلال وصفات جميلة، وكوني وفيّة، وصادقة، حسنة التعامل، حسنة الأخلاق مع النساء، فإن كل امرأة هي في النهاية جاءت من بيت والبيوت تبحث عن الصالحات من أمثالك، فاحشري نفسك كما قلنا وسط رفقة صالحة، وواظبي على طاعة الله تبارك وتعالى، واعلمي أن الإنسان يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم الذي لا يفتر من صلاة ولا من صيام، والإنسان يعرف مواطن الخلل عنده، وعليك أن تسعي، وكل إنسان يسعى في إكمال جوانب النقص والخلل عنه.
نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يكتب لك التوفيق والسداد، وأن يُقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، وأن يهيأ لك الزوج الصالح الذي يُسعدك، فإن الذي مضى ليس أول الرجال ولن يكون الآخر، ولكن هذا باب خير، فتوجهي إلى الله، فإن أبواب الخير والخيرات كلها بيد الله تبارك وتعالى. نسأل الله أن يسهل أمرك، ويغفر ذنبنا وذنبك، هو ولي ذلك والقادر عليه.