كيف أحافظ على صلاتي وأخشع فيها؟
2012-08-10 05:49:29 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا أعيش بمكة المكرمة، وأصلي مع تقصيري أحيانا والتكاسل عن الصلوات، وأصوم شهر رمضان، لكنني عندما أصلي لا أشعر بخشوع أو خوف أو حاجة للبكاء حتى في دعاء الله، وعندما أستمع لشيوخ او لمحاضرات مبكية أو قراءة قرءان مؤثرة لا أتأثر، علما بأني أسعى لتحسين نفسي وتقليل ذنوبي، لكن إيماني ضعيف، وقلبي قاس ٍ قليلا، وأنا أيضا لا أتأثر إلا نادرا بالأناشيد أو الموسيقى أو الإيقاعات الحزينة، لكن لا أبكي، ولدي شيء من قوة القلب عند رؤية الدم أو السماع لقصص حزينة.
فما الحل؟ وما العمل؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلمى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك ابنتنا الفاضلة في موقعك، ونشكر لك الإفصاح عن هذا الشعور (قسوة القلب) وهذا مرض ليس عندك وحدك، ولكن كثير منا يعاني من هذا، ونسأل الله أن يلطف بنا، وأحسب أن الوصول إلى علاج هذا الداء يبدأ بتعميق معاني الإيمان بالله تبارك وتعالى، ثم باستحضار عظمة العظيم سبحانه وتعالى، ثم بالمواظبة على الصلوات وكثرة النوافل والسجود لرب الأرض والسموات، لأن الإنسان لا يجد الخشوع ولا يجد الدمع ولا يجد الخضوع ولا يجد الحلاوة إلا عندما يُقبل على طاعة الله، إلا عندما يُطيل السجود بين يدي الله تبارك وتعالى.
وهذه الحالة التي تبحثين عنها كان السلف يبحثون عنها من خلال إكثار الصيام، ومن خلال الصلاة والسجود الطويل لله تبارك وتعالى، من خلال المواظبة على أذكار الصباح والمساء، والأذكار المطلقة في سائر الأوقات، من خلال التلاوة والتدبر لكتاب الله تبارك وتعالى، وأهم من كل هذا هجران المعاصي والبُعد عمَّا يُغضب الله تبارك وتعالى، فإن المعاصي هي الران، هي الغطاء الذي يُغطي هذا القلب، فيجعله لا يستقبل الموعظة ولا يتأثر بالكلام، ولذلك ينبغي أن نطهر قلوبنا، وكذلك نطهر ألسنتنا ونشتغل بطاعة الله وبكل أمر يُرضيه سبحانه وتعالى.
والمؤمن - والمؤمنة - لا بد أيضًا أن يتفكر، فإن هذه القلوب لها جلاء، وجلاؤها ذكر الله تبارك وتعالى، جلاؤها تلاوة القرآن، جلاؤها الصلاة الخاشعة لله تبارك وتعالى، المراقبة لله تبارك وتعالى، ثم علينا أن نقتدي بسلف الأمة الأبرار الذين تأثروا لما سمعوا المواعظ، وتأثروا لما وجدوا الدروس والعبر، لأن الإنسان يعتبر بما يحصل لغيره، فعليك أن تزوري المرضى من أهلك، وعليك أن تتذكري أصحاب البلاء لتعرفي مقدار النعمة، علينا دائمًا أن ننظر إلى من هو أقل منا، علينا دائمًا أن نجتهد في أن نتدبر المصير الذي ينتظر هذا الإنسان، فالواحد منا لا يدري إذا جنّ ليل هل يعيش إلى الفجر أم تنخرم به لحظات العمر.
وعلى كل حال نحن سعداء بهذه الاستشارة التي تدل على يقظة، وتدل على وعي، وتدل على أنك وضعت يدك على موطن الجرح وموطن الألم فعلاً، وهذا في حد ذاته نجاح وخطوة أولى وهامة وأساسية وكبيرة، لأن كثيرا من الناس مرضى لكنهم لا يعرفون أنهم مرضى، وكثير من الناس لا يشعر بهذا المرض الذي هو قسوة القلب، قد يهتم بعلاج جرح بسيط في أصبعه أو يسارع إلى الطبيب من أجل زكام ألم به، لكنه يغفل عن داء الأدواء، عن قسوة القلب، يغفل عن مرض الغفلة التي أهلكت أمما لما غفلت عن ذكر الله تبارك وتعالى.
الإنسان عندما يتدبر ويتأمل في تقصيره في عبادة مثل الذكر فقط ثم يعود ليقرأ قول الله تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تُلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} عياذًا بالله! لما يقرأ الإنسان قول الله تبارك وتعالى: {نسوا الله فنسيهم}. لما يقرأ قول الله تبارك وتعالى: {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون}.
فعلينا إذا صلينا أن نتدبر معاني الصلاة، إذا تلونا أن نتدبر معاني الآيات التي نتلوها، إذا ذكرنا الله نستحضر عظمة الذي نذكر سبحانه وتعالى، إذا ذكرنا ذنوبنا علينا أن نستحي ونستغفر ونجدد التوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى.
ثم إن الإنسان منا يحتاج إلى أن يتكلف البكاء، يتباكى حتى يُصبح البكاء له سجية، يتأثر بأحوال الباكين، أحوال السلف الكرام عليهم من الله الرضوان. علينا كذلك أن نجالس من تذكرنا بالله رؤيته، تبحثين عن الصديقات الصالحات القانتات الخاشعات المطيعات لله تبارك وتعالى، علينا أن نحفظ هذه الحواس، فإنها رسل للقلب، مصادر للقلب، علينا أن نحفظ البصر مما حرم الله، نحفظ الأذن عن سماع ما لا يجوز، نحفظ كافة الجوارح، الرجل، فلا نمشي بها إلا لمواطن الخير، اليد، فلا نحرك بها ريموت القنوات – قنوات الشر والمواقع المشبوهة – هذه النعم من الله ينبغي أن نعرف شكرها، ومن شكرها استخدامها فيما يُرضي الله تبارك وتعالى.
وأعجبني وأسعدني أنك لا تتأثرين بالموسيقى، ونحن لا نريد أن نتأثر بالموسيقى حزينة كانت أو غير ذلك، بل ينبغي أن يكون التأثر بالقرآن، وبالمواعظ، بالذكر لله، بتلاوة كتاب الله الذي ينبغي أن نزداد به إيمانًا على إيمان، وخيرًا إلى الخير الذي عندنا، قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياتنا زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون}.
وأرجو أن نستفيد نحن وأنت بفرصة الصيام وبطول السجود لله تبارك وتعالى، واعلمي أن السلف ما وجدوا ذلك الخشوع وتلك الدمعة بسهولة، فهذا رجل يقول: (صليتُ إلى جوار سفيان الثوري المغرب في الحرم، فلما فرغ الإمام من الصلاة قام سفيان يصلي ركعتين، ثم سجد سجدة ما رفع منها حتى أذن المؤذن لصلاة العشاء) هذه سجدة واحدة وجد حلاوتها ووجد رونقها، وجد لذة السجود لله تبارك وتعالى، فلنبحث عن لذة المناجاة والسجود والركوع، بل عن لذة العبادة لله تبارك وتعالى، بل عن لذة الإيمان الذي قال عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ذاق طعم الإيمان) إذن الإيمان له طعم (من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا) إذن الإيمان له طعم والصلاة لها طعم، فلنبحث عن هذا الطعم الحلو الجميل.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمك السداد والصواب، ونكرر شكرنا لك على هذه الاستشارة الجميلة الرائعة، ونشكرك على التواصل مع الموقع، وجزاك الله خيرًا.