كيف الخلاص من شكوك العقيدة وتغيرات المزاج؟
2012-05-23 09:00:54 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أنا شاب عمري 19 عاما، حياتي كانت على خير وما يرام، فقد كنت ذا شخصية قوية ومستقلة، لي أفكاري الخاصة وأفعل ما أريد وما أحب بشغف عظيم، كنت الأفضل-بدرجاتي- من بين 1500 طالبا في مدرستي، ولا يرضيني إلا الكمال، لم التزم الصلاة أو الأذكار أو تلاوة القرآن الكريم، ولكني أحب الله ورسوله، وأحب سماع القرآن الكريم، علما بأني لم أسمعه عن عمد قط، ولكن سماعه كان محببا إلي.
منذ خمس سنوات بدأ كل شيء بالتغيبر، بداية من أبسط أفكاري وانتهاء بتصرفاتي وشخصيتي، وكان التغير تدريجيا، إذ بدأ الأمر بتغيرات غريبة في المزاج، وأحاسيس لم أستطع تفسيرها، وشكوك حول العقيدة، وأصبحت أستمتع بسماع الأغاني بشكل لم أعتده مسبقا، وبدأت أيضا بعزف البيانو، كل شيء بدأ لي طبيعيا حينها، فلم يؤثر ذلك على حياتي الاجتماعية أو الأكاديمية، واستمر الحال هكذا حتى اقتربت من بلوغ السابعة عشر، حينها بدأت حياتي تنحو مسارا شديد الانحدار إلى الأسفل.
بدأت أشعر باكتئاب لم يكن شديدا جدا حينها، وبدأت أفقد الاهتمام بعائلتي وبدرجاتي -التي أخذت بالنزول- وبحياتي وبجميع النشاطات التي كنت أستمتع عندما أقوم بها، لم أستطع معرفة الشعور، حتى أني فقدت الإحساس بمشاعري أعواما، ولكني علمت أنه اكتئاب حين وصفني به أحد أصدقائي منذ عدة أشهر.
في عام من المفروض أن يكون الأهم في حياتي باعتباره معيارا أكاديميا للقبول في الجامعات، وكانت عائلي في أقصى درجات التفاؤل؛ كوني طالبا مجتهدا، وفعلا بدأت العام بنشاط جيد ولكن ذلك ما لبث أن تغير، إذ بدأ شعوري بالاكتئاب يزداد بشكل كبير لم أستطع التركيز والتذكر بشكل جيد.
أصبحت دائما مشتت الأفكار، وبدأت فجأة أكره الكتب المدرسية، ولا أستطيع النطر إليها، وصرت كثير الحركة لا أستطيع الجلوس، وكانت الأغاني تشغل يومي كله أو معظمه.
بت تدريجيا أتضايق من سماع القرآن أو من أي شيء يشعرني بالخطأ أو الذنب، وكنت أشغل الموسيقى حين كان أبي يلقي علي الخطابات، ولم أعر لحياتي ومستقبلي أي اهتمام، وفي أحد الأيام لم يستطع والداي المتأملان تحمل ذلك؛ فاستدعوا أحد الراقين لرقيتي -مع أني لا أومن بالرقية ولا أستوعب كيف لكلمات أن تشفي خطأ دماغيا-، فقرأ علي بعض الآيات، وقرأ لي علي شراب لأشربه بعد ذلك وكل ذلك لم يفلح.
فأحضر والداي الراقي مجددا واقترح حينها عرضي على طبيب نفسي، وقد أعجبتني الفكرة لأني كنت متأكدا من أني أعاني من الاكتئاب، وفعلا كان ذلك.
وصف لي الطبيب (fluxetine hcl 20mg) جرعة يومية، ولكنه لم يجد نفعا بعد تناوله ثلاثة أشهر، وقد امتحنت للثانوية في فترة تناوله، وطبعا فشلت فشلا ذريعا، وخيبت أمل والدي ومجتمعي، ولكني لم أشعر بأي شيء حينها سوى إحساس جديد من الغضب يعتريني.
راجعت الطبيب مرة أخرى فوصف لي (venlafaxine 225mg) وتناولته سبعة أشهر، ولكن بلا طائل، وكل ما شعرت به هو الغضب الشديد مرافقا الاكتئاب من دون أي سبب، وها أنا الآن أكتب عن مشكلتي.
أعاني من الأعراض النفسية الآتية:
اكتئاب شديد جدا إذ يصبح كل ما في الحياة بلا قيمة، ولا توجد أي متعه فيه، تقلب في الآراء من حين لآخر، في بعض الأيام أشعر ببعض الأمل، وأعمل نوعا ما لمستقبل أفضل، مع أني أكون أيضا مكتئبا حينها، ولكن بنسبة أقل ولا يوجد نطام معين لهذه التقلبات.
كراهية وحقد بني البشر بشكل كبير، إضافة إلى غضب شديد، وأشعر دائما برغية شديدة في قتل وتعذيب الآخرين، وأستمتع كثيرا بمشاهد القتل بأبشع الطرق على التلفاز والتقطيع للأشلاء والتعذيب وغيرها.
انعدام الأمل وعدم الرغبة في الحياة، وأتمنى ألا يوجد حساب، وأن النهاية هي الموت فحسب.
عدم الاكتراث أشعر بالفوقية، وأفعل ما تراه نفسي فقط ولا أسمع لأحد، مع أني أعلم أنهم على حق إلا أني أرى تصرفاتي فوق كل شيء.
تجنب الاختلاط بالناس، وتقويض علاقاتي بهم واستحقارهم، وإيماني بغبائهم.
عدم التركيز وكثرة التشتت والنسيان وضعف الذاكرة.
ولا أعتقد أن مشكلتي _من ملاحظتي لنفسي- هي اكتئاب الثنا قطب، أو أي من اضطرابات الشخصية.
أرجو المساعدة فحياتي آخذة في الانحدار أكثر فأكثر.
ملاحظة: ما زلت أؤمن بأنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولكني أشعر بشيء غريب عند قولها، كأن الأمر لا يعنيني، وقد فرضت الصلاة على نفسي أكثر من مرة، ولكني لا أستطيع التحمل، وحاولت تلاوة القرآن لكني بعد فترة أكره ذلك، وأحاول الابتعاد عن كل ما له علاقة بالإسلام والدين.
أعتذر على الإطالة، وأرجو أن لا يكون الموضوع مزعجا، ولكني أتمنى منكم التفهم والمساعدة.
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هاشم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فأؤكد لك أنني قد اطلعت على رسالتك بكل دقة، ومن الواضح أن حالة القلق والتوترات وكذلك الوساوس، وقوة القطب الاكتئابي – كما ذكرت لك – مع شيء من تقلب المزاج، وبالتأكيد شخصيتك أيضًا لا تخلو – لا أقول من الاضطراب- لكن من عدم الاستقرار.
أتمنى أن تكون كل هذه الأمور أمورا عابرة، فحياة الشباب قد تتخللها مثل هذه الأعراض، والإنسان في المرحلة العمرية السابقة - التي مررت بها – يكون عُرضة لتقلبات وجدانية، وهرمونية، وفسيولوجية وكذلك جسدية، وقضية أيضًا تحديد الذات وتأكيدها - وموضوع الهوية، والنظرة المستقبلية – هذه كلها قضايا تشغل الكثير من الشباب، وأعتقد أنها ربما تكون أثرت عليك أكثر شعوريًا أو غير شعوري.
أنا أتفق معك اتفاقًا قويًا أنه ربما يكون لديك شيء من ثنائية القطبية، وثنائية القطبية أحيانًا لا تستجيب أبدًا لمضادات الاكتئاب، إنما تستجيب لمثبتات المزاج.
لا أقول أن مضادات الاكتئاب لا تستعمل، نعم يمكن إعطاءها، لكن يجب أن تكون الأفضلية والأسبقية لمثبتات المزاج.
فالذي أستحسنه هو أن تتناول أحد مثبتات المزاج، لكن يجب أن يكون هذا تحت إشراف طبي نفسي، وفي ذات الوقت يفضل أن تتناول دواء محسنا للمزاج ومضاد للوساوس مثل عقار (فافرين)، هذا دواء أنا أحبذه وأفضله جدًّا في مثل حالتك.
مثبتات المزاج كثيرة جدًّا، هنالك عقار (تجراتول) وهنالك عقار (دباكين كرونو)، وهنالك الأدوية التي لها خاصية في علاج الذهان، ولكنها أيضًا مثبتة للمزاج، ومن أفضلها عقار (إبليفاي) الذي يعرف علميًا باسم (إريببرازول).
المجال - إن شاء الله تعالى - أمامك واسع وكبير جدًّا للعلاج، فأرجو أن تتواصل مع الطبيب النفسي، وكما ذكرت لك أنا أحس بل أشعر أن ثنائية القطبية حتى وإن كانت من درجة بسيطة ربما تكون هي مشكلتك الأساسية، ومتى ما تم تأكيدها كتشخيص تطبق عليه المعايير المعروفة، وربما يحتاج الطبيب أيضًا لإجراء بعض الاختبارات النفسية لك، مثل اختبارات الشخصية، واختبارات تحديد المزاج.
أعتقد أنها مطلوبة جدًّا في حالتك، وهذا إن تم سوف يكون هو الإجراء الصحيح في مواجهة، وعلاج مثل حالتك هذه.
ومن جانبك - أيها الأخ الكريم – حاول أن تجاهد نفسك، أن تطرد كل فكر شرير مخالف، وأن تحكم على نفسك بأفعالك أكثر من مشاعرك، والأفعال بالطبع هي أن يلجأ الإنسان لما هو حسن، لما هو جيد، أن تتواصل اجتماعيًا، أن تصل رحمك، أن تساعد الضعيف، أن تجتهد في الدراسة وتصر على ذلك، وأن تحاول أن تتواءم مع ذاتك، ومع من هم حولك...
أعتقد أن هذه كلها هي الوسائل العلاجية المطلوبة في مثل حالتك.
أرجو - أيها الفاضل الكريم - أن تذهب إلى الطبيب النفسي، و- إن شاء الله تعالى - سوف تجد كل الرعاية والتقدير، وحالتك بالطبع تستحق الاهتمام وكذلك المتابعة، وإن شاء الله تعالى تحمل لنا بشريات مفرحة في المستقبل القريب.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.