كيف يفرق الطبيب بين الاكتئاب الشديد والانفصام والوسواس القهري؟
2012-04-16 12:41:18 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حيا الله القائمين على الموقع المبارك، وجعل ما تقومون به في ميزان حسناتكم، لدي عدة استفسارات عن الأمراض النفسية:
1- كيف يعرف الطبيب الفرق بين الاكتئاب الشديد والانفصام والوسواس القهري؟ وهل من الممكن أن يكتشف الشخص أنه مصاب بانفصام مثلاً؟ أم يجب أن يلاحظ مرضه من يتعامل معه؟
2- إلى أيهما يذهب أولاً من تظهر عليه اضطرابات نفسية؟ إلى طبيب المخ والأعصاب؟ أم إلى الطبيب النفسي؟
3- هل توجد بدائل طبيعية للأدوية النفسية؟
4- ألا يجب للمجتمع -وخاصة الأطباء والصيادلة- أن يولوا المريض النفسي مزيداً من العناية والاهتمام في أمر الدواء، فيكفيه استمراره على الدواء طوال عمره -كما هو معلوم لدى الأطباء في الوقت الحالي- فيوفروا له دواء كأدوية الأطفال مثلاً من حيث الطعم والرائحة؟
5- ما هي النصيحة لمن في بيته مريض نفسي؟
وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عبدالله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإن سؤالك جيد جدًّا، وقد لا يسمح الزمن أو مساحة الوقت لإعطائك إجابة مفصلة، لكن سوف أتطرق لجوهر الأمور.
سؤالك: كيف يعرف الطبيب الفرق بين الاكتئاب الشديد والانفصام والوسواس القهري؟
لا شك أن خبرة الطبيب ومستوى تدريبه، وقناعته بمهنته، وإيمانه بمساعدة الناس تجعله يستطيع أن يفرق بين الاكتئاب الشديد، والفصام، والوسواس القهري، حيث إنه توجد ما يسمى بالمعايير التشخيصية، فهنالك معيار تشخيصي عالمي يُعرف بالتشخيص العالمي رقم عشرة للأمراض، وهنالك التشخيص الإحصائي الأمريكي رقم أربعة، وهذه لها أسس ونظم ومعايير تفرق بين الاكتئاب بكل أنواعه (بسيط أو شديد) أم أن به أعراضاً ذهانية، أم لا توجد لديه أعراض، وكذلك بالنسبة للفصام، هل هو فصام بسيط، أو هبيفريني، أو باروني أو فصام مزمن، وهكذا.. وكذلك بالنسبة للوساوس القهري.
الطبيب المقتدر يعمل من خلال المجموعة، فهنالك ما يعرف بالفريق العلاجي، فالطبيب يحتاج للأخصائي النفسي، ويحتاج لملاحظة الممرض، ويحتاج لما يلاحظه الأخصائي الاجتماعي مثلاً، وفي بعض الحالات قد تكون هنالك إشكاليات في التشخيص، لأنه يوجد تداخل في الأعراض، لكن الطبيب بصفته مسئولاً عن المجموعة أو الفريق العلاجي المختص بالتشاور، وبالتحاور والملاحظة العلمية يستطيع أن يفرق وبسهولة شديدة جدًّا.
سؤالك: هل من الممكن أن يكتشف الشخص أنه مصاب بانفصام مثلا؟
معظم مرضى الفصام لا يعتقدون أنهم مرضى، لأنهم مفتقدون للبصيرة، فلذا لا يمكن لمريض الفصام أن يعرف أنه مريض بالفصام، لكن بعض المرضى من المطلعين أو الذين لديهم تجارب مع مرضى آخرين قد تأتيهم بعض الهواجس في بداية المرض أنه ربما يكون مُقدمًا على مرض الفصام، فمرض الفصام في جله ومعظمه يلاحظ من خلال الآخرين، حيث يجدون اضطراباً في التفكير، واضطراباً في السلوك، واضطرابات في النوم، وهنالك أعراض أخرى كثيرة.
أما سؤالك: إلى أيهما يذهب أولاً من تظهر عليه اضطرابات نفسية؟ إلى طبيب المخ والأعصاب؟ أم إلى الطبيب النفسي؟
بالطبع يجب أن يذهب إلى الطبيب النفسي، فطبيب المخ والأعصاب تخصصه مختلف بعض الشيء، وإن كان هنالك بعض أطباء المخ والأعصاب -خاصة الذين تدربوا في الولايات المتحدة الأمريكية- لديهم إلمام كبير ببعض الأمراض النفسية، لكن الأفضل والأجدر هو أن يذهب الإنسان للطبيب النفسي، وفي بعض الدول التي توجد فيها خدمات متطورة في الرعاية الصحية الأولية، يستطيع أيضًا طبيب الأسرة أن يتعامل مع حوالي خمسين إلى ستين بالمائة من الحالات النفسية، كأمراض القلق والاكتئاب والمخاوف والوساوس ونوبات الهرع.
بالنسبة لسؤالك: بأنه هل توجد بدائل طبيعية للأدوية النفسية؟ وألا يحق للمجتمع وخاصة الأطباء والصيادلة أن يولوا المريض النفسي مزيداُ من العناية؟
هذا سؤال جيد، وبالنسبة للبدائل الطبيعية للأدوية: هنالك بدائل تأهيلية، أن يدرب المريض، وأن يعلم، وأن نشعره بكينونته، بوجوده، أن نوجهه سلوكيًا، كل هذه بدائل، لكن في ذات الوقت الأدوية مهمة جدًّا، لأن معظم الأمراض النفسية تنشأ الآن أو يكون السبب فيها اضطرابات كيميائية في داخل الدماغ، وهذه المسارات الكيميائية خاصة بالموصلات العصبية، ولا يمكن تصحيحها إلا من خلال الأدوية، ولذا نقول دائمًا: معظم الأمراض النفسية يجب أن يتم التعامل معها مثل التعامل مع أمراض السكر والربو وضغط الدم مثلاً.
أما فيما يخص العناية بالمريض النفسي: فالمريض النفسي حقوقه الآن واضحة جدٍّا، ويجب أن يتم الاهتمام به، يجب أن تكون هنالك مصداقية وموضوعية وأمانة في رعايته، توجيه النصح له، متابعته، إعطاؤه العلاج الصحيح وعدم هضم حقوقه، ولابد أن نزيل الوصمة الاجتماعية التي ارتبطت بالطب النفسي، وبفضل من الله تعالى الآن يوجد توجه إيجابي جدًّا في هذا السياق.
بالنسبة للأدوية ذات التحضيرات المعينة التي لا طعم لها ولا لرائحة، ويمكن أن تذوب في السوائل مثلا، فهذه أصبحت الآن متوفرة، فمثلاً هنالك دواء يعرف باسم (زبركسا فلوتاب)، وهو دواء مشتق من عقار (زبركسا)، والذي يسمى علميًا باسم (أولانزبين)، وهذا الدواء متميز جدًّا في أنه سريع الذوبان في الفم أو في المحاليل، ولا يعطي أي تغير في الطعم أو الدم أو الرائحة، ويتناوله المريض بسهولة تامة، وحتى مرضى الفصام الذين يرفضون تناول الدواء، يمكن أن يوضع لهم هذا الدواء في المشروبات والسوائل بعد موافقة أسرهم، حتى يستعيد المريض بصيرته، ثم يوضع في خط العلاج الصحيح.
أما عن سؤالك: ما هي النصيحة لمن في بيته مريض نفسى؟
يجب العناية به ورعايته، وتأهيله بتوجيهه نحو أن يأخذ الدواء في وقته، وفي ذات الوقت يجب ألا يعامل كشخص معاق، لا بد ومن المفهوم التأهيلي الصحيح أن ننمي فيه بعض المقدرات وخاصة على النطاق الاجتماعي، وأن نكسبه مهارات جديدة، وأن نعتني بمهاراته السابقة التي ربما يكون قد افتقدها من خلال المرض، كثير من المرضى النفسانيين، يحتاجون إلى التوجيه فيما يخص مظهرهم ونظافتهم الشخصية، وكذلك التواصل الاجتماعي.
المريض النفسي وحسب درجة مرضه يستطيع أن يكون مفيدًا لنفسه ولغيره، فكثير من المرضى النفسانيين ليس هناك ما يمنعهم من الزواج، وفي ذات الوقت بعض الأسر تدفع مرضاها النفسانيين أو العقليين نحو الزواج دون مقدرتهم على تفهم ماهية الزواج ومتطلباته، فإذن الحذر مطلوب من الناحيتين: من ناحية ألا ندفع المرضى الذين أطبق عليهم المرض نحو الزواج، وفي ذات الوقت لا نهمل مجموعة كبيرة جدًّا من المرضى النفسانيين، ويجب أن نشجعهم على الزواج.
التدريب المهني مهم جدًّا للمريض النفسي، كما أن التدريب العملي مهم جدًّا للمريض النفسي، والبعض يتخوف من خطورة المريض النفسي، وهنالك مفاهيم خاطئة جدًّا حول هذا الموضوع، الحالات الخطرة قليلة، وقليلة جدًّا في وسط المرضى النفسانيين والعقليين، وبعض المرضى العقليين ربما يكونوا سريعي الإثارة، وهذا قد يؤدي إلى الانفعالية السالبة والغضب، وربما إلى العنف، ولكن يعتبر هذا قليل، فيجب أن يكون هنالك بعض المحاذير في هذا السياق.
المريض الذي لديه أفكار ظنانية أو ما يسمى بالأفكار الاضطهادية، هذا أيضًا يجب أن نتخذ محاذير معينة، وذلك بضمان أنه يتناول دواءه حتى لا يشكل خطورة على الآخرين.
المريض النفسي يجب أن تُحفظ حقوقه المدنية كاملة، ونستطيع أن نقول الآن إن الطب النفسي أصبح يقدم الكثير جدًّا للمرضى النفسانيين، فيجب ألا نحرمهم من نعمة العلاج.
التوجه الصحيح نحو العناية بالمريض النفسي داخل المنزل، يجب أن تكون متعددة الأبعاد، بمعنى أن نضمن له دواءه، أن نعامله معاملة طيبة وحسنة، وأن لا نعامله كمعاق - فهذه مهمة جدًّا - وأن نسعى إلى تدريبه وتأهيله بقدر المستطاع كما ذكرت لك.
يوجد كتاب صغير لكنه ممتاز جدًّا للأخ المرحوم (عادل صادق)، اسمه: (في بيتنا مريض نفسي)، أرجو الحصول عليه والاطلاع عليه، ففيه الكثير من الفائدة، أسأل الله تعالى أن ينفعك بذلك.
بارك الله فيك وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.