كيف أكون بارة بوالدي في ظل انشغالهما وابتعادهما عني؟
2012-04-12 08:57:59 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والداي من الأطباء، ولا أعرف كيف يمكنني برهما، فأحس أنهم ليسو بحاجة لي! أرجوكم أرشدوني، كيف يمكنني بر والدي؟ خصوصاً في هذا الزمان مع انتشار النت والإعلام ولا أحد يفكر في الآخر.
لي ثلاث أخوات وأخ كبير، وهو دائماً يستحوذ على حب وبر أبي وأمي أكثر مني، ودائماً ما يظن أبي وأمي خطأً أني لا أسمع كلامهما، لكن والله أنا يكون في قرارة نفسي أن أسمع كلامهما، ولكن ما يخرج مني عكس ذلك بسبب أخواتي! فماذا أفعل؟ وكيف أبرهما؟ وأخواتي أقوى مني؟!
بالله عليكم أرشدوني، لأني أحس أني أعقهما، لكني لا أقصد ذلك، ولا يكون في قصدي ذلك، ولكن مشاغل الحياة وانشغالهم، فأبي في عيادته وأمي كذلك، وذلك الذي يبعدني عنهم، فماذا أفعل بالله عليكم؟ وهل من المفروض أن أكون على اتصال بهم طوال الوقت؟ وكيف ذلك وهناك مشاغل في الحياة تشغلني عنهم كثيراً؟
ماذا أفعل؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فتحية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آل وصحابته ومن والاه.
في البداية نشكر لابنتنا الفاضلة تواصلها مع الموقع، ونشكر لها هذه المشاعر النبيلة تجاه والديها، ونبشرها أن الله سيكتب لها هذه المشاعر النبيلة، ويدعوها إلى تحويل المشاعر النبيلة إلى أعمال جليلة ظاهرة في بر الآباء والأمهات، ونبشر بنتنا الفاضلة نحن نتكلم بلسان الآباء والأمهات، بأننا معشر الآباء والأمهات يرضينا من أبنائنا القليل والابتسامة.
لو حاولت مثلاً أن تقومي بزيارة في هذا اليوم لوالدك في العيادة، وتسلمي عليه وتقبلي رأسه ثم تنصرفي بعد ذلك، فإن هذا يعني عنده شيئاً كثيراً، ونفس الطريقة لو فعلت هذا مع الوالدة، فإنها ستكون فخورة بك وبزيارتك لها، وباهتمامك بها والبحث عنها، لأنه تعبير فعلي عن الشوق، وأرجو أن تبدئي هذا البرامج ابتداء من وصول هذه الرسالة إليك، وتحددي يوماً تزورين فيه الوالد رغم زحمة العيادة، ولا تأخذي وقتاً كبيراً، ولكن ادخلي عليه وقبلي رأسه، واشكري له حسن التربية والاهتمام، وسلي الله تعالى له التوفيق والسداد.
أيضاً اختاري يوماً ثانياً، وافعلي نفس العمل مع الوالدة، فإذا جاءوا إلى البيت فكوني في خدمتهم، بأن تسألي عن أحوالهم وتسألي هل يحتاجان إلى خدمة؟ هل باستطاعتك القيام بأي أعمل؟ وتكونين في استقبالهم وفي وداعهم، واحرصي على العمل في الاجتهاد في الأعمال التي ترضيهم، فالإنسان يعرف ماذا يحب الوالد، وماذا تحب الوالدة، فإذا كان الإنسان في بر والديه وفي محاب والديه فإنه عند ذلك ينال الرضا من الله تعالى، وينال كذلك الرضا من والديه، ورضا الله في رضا الوالدين، هذه عبادة من أهم العبادات بل هي واجبة من واجبات هذه الشريعة التي شرفنا الله تعالى بها.
وإذا كان إخوانك استحوذوا بحب الآباء والأمهات فانظري في طرائقهم والوسائل التي يستخدمونها وافعلي أكثر وأحسن منهم، ولا يضرك بعد ذلك أداء ما عليك إن كان هناك نفور وتقصير من الوالد أو الوالدة في حقك، فإن الله تبارك وتعالى يقول لمن يبذل المجهود ويجتهد ويعمل من أجل إرضاء والديه ثم لا يفوز بذلك: ( ربكم أعلم بما في نفسكم )، يعني من البر والرغبة في الإحسان، والحب للوالدين، ( ربكم أعلم بما في نفسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفوراً).
بر الوالدين عبادة يتقرب بها الإنسان إلى الله تعالى، والحمد لله نحن نتعامل مع رب عظيم، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يعلم الأسرار يعلم حقائق النفوس، ويعلم ويسمع ويرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، كل ذلك بشرى لك بهذه المشاعر النبيلة، وندعوك إلى تحويلها إلى أعمال ظاهرة جليلة تدل على البر والإحسان.
تستطيعين أيضاً أن تقلدي إخوانك فيما يفعلونه، وفي تعاملهم مع الآباء والأمهات، ولا تنزعجي إذا لم تجدي تجاوباً من الوهلة الأولى، لكنهم مع طول المدة وتكرار المحاولات والحرص على برهم بعد التوجه إلى رب الأرض والسموات سيحبونك، فقلوب الوالدين وقلوب العباد بين أصابع الرحمن يقلبها سبحانه وتعالى، فلا تتوقفي عن المحاولات الفاضلة للدخول إلى قلوب الوالدين، والاجتهاد في برهم والإحسان إليهم.
بالنسبة للاتصال لا أظن أنه يكلف شيئاً، ولا أظن أن هنالك مشاغل تشغل الوالد، لأن الذي يشغلنا عن الواجبات هذا لا يقبل، فهناك واجبات في هذه الشريعة، والإنسان لا يشتغل عن الوالدين حتى ولو بالنافلة، وأنت تعلمين لعلك سمعت بقصة جريج العابد في أمة كانت قبلنا، فإن جريجا كان رجلا راهبا في صومعة له ، و كان راعى بقر يأوي إلى أسفل صومعته ، و كانت امرأة من أهل القرية تختلف إلى الراعي ، فأتت أمه يوما فقالت : يا جريج ! و هو يصلي ، فقال في نفسه ، و هو يصلي : أمي و صلاتي ؟ فرأى أن يؤثر صلاته ثم صرخت به الثانية فقال في نفسه : أمي و صلاتي ؟ فرأى أن يؤثر صلاته ، ثم صرخت به الثالثة ، فقال : أمي و صلاتي ؟ فرأى أن يؤثر صلاته ، فلما لم يجبها قالت : لا أماتك الله يا جريج ! حتى تنظر في وجه المومسات ، ثم انصرفت . فأتى الملك بتلك المرأة ولدت ، فقال : ممن ؟ قالت : من جريج ، قال : أصاحب الصومعة ؟ قالت : نعم ، قال : اهدموا صومعته و أتوني به ، فضربوا صومعته بالفؤوس حتى و قعت فجعلوا يده إلى عنقه بحبل إليه في الناس ، فقال الملك : ما تزعم هذه ؟ قال : تزعم أن ولدها منك ، قال : أنت تزعمين ؟ قالت : نعم ، قال : أين هذا الصغير ؟ قالوا : هو ذا في حجرها ، فأقبل عليه فقال : من أبوك ؟ قال : راعى البقر ، قال الملك : أنجعل صومعتك من ذهب ؟ قال : لا ، قال : من فضه ؟ قال : لا ، قال : فما نجعلها ؟ قال : ردوها كما كانت ، قال : فما الذي تبسمت ؟ قال أمرا عرفته ، أدركتني دعوة أمي ، ثم أخبرهم.
الذي يدل في هذه القصة أن هذا الرجل كان ينبغي أن يترك النافلة ويستجيب للوالدة، لأن أمر الوالدة واجب، والنافلة هي من النوافل يعني صلاة النوافل، فالإنسان إذا كان يصلي النافلة ودعاه أحد الوالدين يستجيب ويقطع النافلة، وإذا كان في فريضة يعني كما قال الفقهاء يستعجل في أدائها ثم يلبي نداء الوالدين، لهذه الدرجة من الأهمية.
لذلك فإن مشاغل الحياة لا تصلح أن تكون سبباً في انشغالنا عن آبائنا وأمهاتنا، فعليك أن تفعلي ما تستطيعين، وأظن أيضاً أنك ستجدين فرصة كبيرة إذا فكرة في ذلك وسألت الله المعونة لك على البر، فحاولي أن تستخدمي الفرصة بالسؤال عن أحوالهم، وبالتوجه إلى الله تبارك وتعالى من أجل أن يدخل حبك في قلوبهم، وأظن أنه كما بدأنا نحن كآباء يعجبنا القليل من البر ونفرح به.
كما تستطيعين أن تتصلي اتصالاً قد لا يكلف سوى دقيقة، فالوالد والوالدة كلاهما مشغول لكن مجرد الاتصال منك يدل على اهتمام يدل على سؤال عن أحوالهم، فلا تشغلك مشاغل الحياة عن واجبات هذه الشريعة.
نسأل الله أن يوفقك ويسددك وأن يلهمك رشدك هو ولي ذلك والقادر عليه، وأرجو أن نسمع عنك خيراً، ونشكر لك التواصل مع الموقع.
وبالله التوفيق والسداد.