هل التفكير الدائم بالموت وساوس، أم إنذار من الله أن أجلي قريب؟

2012-01-19 10:47:13 | إسلام ويب

السؤال:
بداية: أشكركم جزيل الشكر على هذا التميز الرائد، فكم أنتم مبدعون, زادكم الله من فضله، ولا حرمكم صدق دعواتنا.

الدكتور: محمد عبد العليم، لك شكر خاص, ودعوات تصل إلى السماء أن يجزيك الله خير الجزاء، يعجبني وضوح منهجك، وطريقة إقناع المريض، لله درك, وجزاك الله خيرا.

في شهر رمضان تعبت فجأة, كانت الأعراض ألما خفيفا جدا في المعدة، وإسهالا، وضعفا في الجسم، عدم القدرة على الوقوف، ورجفة بالجسم، (حدث هذا بعد تناول بعض الطعام كثير الزيت، ثم تناولت بعدها بعض الحلوى)، ذهبت للطبيب, وشخَّصها بقولون عصبي تناولت العلاج، والحمد لله شعرت بتحسن بعد أسبوعين، وتركت العلاج.

بعدها بثلاثة أيام عادت الحالة, تنقلت بين العديد من المستشفيات، وعملت تحاليلا وفحوصاتٍ، وكانت النتيجة سليمة -ولله الحمد-، والتشخيص قولون عصبي, حاولت التأقلم, واستمررت شهرين، أحيانا تكون حالتي جيدة، ثم تعود إليّ تلك الأعراض.

لم أتناول أي دواء، اتبعت حمية فقط، حالتي النفسية ساءت كثيرا، أصبحت أخاف من كل شيء، كثيرة الذهاب للطوارئ، والأطباء.

تأتيني أحلام مزعجة، وكل هذا بعد أن ذكر أحد الأطباء أن لدي نسبه دم بالبراز -أعزكم الله- وكان عن طريق خطأ بالتحليل، ورغم أني أعدت التحليل مرة أخرى، وطلعت النتيجة سليمة إلا أن خوفي لازال.

حاولت كثيرا أن أتغلب على حالتي النفسية، نجحت -ولله الحمد- نوعا ما، لكم الفضل بعد الله في ذلك.

وأنا الآن أعاني من الأعراض التالية: نغزات بالصدر، وألم باليد اليسرى خفيف، وأشعر بوجود شيء في حلقي لا أعلم ما هو، ورجفة، وسرعة نبضات القلب, وخفقان، وبرودة بالأطراف، أخاف كثيرا من الموت, بالرغم من أن أعراض القولون أخف بكثير من قبل، إلا أنني لازلت خائفة، وأقول: ليس معقولا أن تكون هذه أعراض قولون، بل هي أعراض بداية الموت، فقدت بعض وزني رغم أنني آكل جيدا-ولله الحمد- لكني أفكر كثيرا.

أكثر ما يؤلمني الآن هاجس يقول: إنك ستموتين، كل مرة أسمعه في ذلك المكان, فإذا ذهبت للمدرسة يقول: (ستسقطين وتموتين) وإذا نمت يقول ذلك في الليل.

والآن يخطط أهلي لقضاء الإجازة في مكة، وهناك من يقول لي: (ستموتين في مكة), وهذا الأمر جاء بعد أن حلمت حلما مزعجا، ولم أقم بتفسيره، لكني دائما أتذكره، وأقول: تفسيره كذا، وأضع احتمالات برأسي, هناك شيء يقول: لا تذهبي، لكن أقول لنفسي: الموت في كل مكان، وأنا الآن خائفة جدا كل ما اقترب موعد السفر.

أشعر أني لا أنساق وراء هذا الوسواس، وأقول لنفسي: هذا وسواس حقير، والموت والحياة بيد الله، لكن تأتيني أعراض الخوف رغم أني أحقِّر الفكرة، ولا أعيرها اهتماما، لكن هناك شيء يقول: هذا ليس كلاما، بل حقيقة، وأنت في آخر أيامك.

لست خائفة من الموت؛ فأنا مؤمنة -ولله الحمد- ومتدينة، ولكن أقول في نفسي: لماذا يأتني هذا الشعور؟ فالله لا يعذب عباده أبدا، وكما جاء في الحديث: إن الموت يخافه الإنسان, والله لا يسيء لعباده, فما هي الفكرة التي تأتني؟ هل هذا إنذار من الله أن أجلي قريب؟

صفاتي: إنسانة محبوبة في العمل كثيرا، أحظى بكثير من الاحترام عند أهلي -ولله الحمد-، لكني كتومة، ومليئة بالهموم والأحزان، مرَّت الكثير من الأمور الصعبة بحياتي -ولله الحمد على كل حال- وأكتمها.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خولة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فجزاك الله خيرًا على كلمات الإطراء الطيبة، نسأل الله تعالى أن ينفع بنا جميعًا، ولا شك أن مساهماتكم هي وسيلة تفعيلية ممتازة جدًّا لهذا الموقع.

قد تدارستُ رسالتك بصورة دقيقة جدًّا، وأستطيع أن أقول لك: إن التدرج في حالتك النفسية ليس بالسيئ، وإن كان مزعجًا لك بعض الشيء، فحالة القلق العام وما صاحبها من أعراض نفسوجسدية هي ظاهرة معروفة جدًّا، خاصة لدى الحسّاسين من الناس، وبعد ذلك انتقلت الظاهرة إلى المرحلة التي تليها، وهي أن الفكر الوسواسي أصبح يفرض نفسه عليك، والوساوس كما نذكر دائمًا تكون ملحة ومستحوذة، وهذا يسبب الكثير من القلق والمتاعب النفسية للإنسان.

أعجبني في رسالتك حقيقة أنك متفهمة تمامًا لحالتك، وأيضًا لك اجتهادات واضحة جدًّا في مقاومة هذه الوساوس، لكن انتهى بك المطاف أيضًا إلى سؤال يسبب القلق والتوتر كثيرًا، والسؤال في حد ذاته وساوسي في طبيعته، سؤالك: هل هذا إنذار من الله أن أجلي قريب؟ .. أنت على قناعة تامة أن الآجال بيد الله تعالى، وأن الخوف من الموت لا يقدم، ولا يزيد لحظة في حياة الإنسان، لكن بالرغم من ذلك وجدت الوساوس طريقًا إليك، وأدخلتك في هذه الحيرة بطرح هذا النوع من التفكير وهذا السؤال.

بالطبع: لا أستطيع أبدًا أن أقول: إن هذا الفكر هو إنذار من الله تعالى أن الأجل قريب، لأني فيما أعرف – والله أعلم – أن أمر الأجل وأمر الروح هو بيد الله بصورة مطلقة، ولا توجد إنذارات حقيقة في أمر الموت، إلا كما قال الله تعالى: {وجاءكم النذير} قيل هو الرسول - صلى الله عليه وسلم – وقيل هو الشيب، وقيل غير ذلك، ولقد قال الله تعالى: {وما تدري نفسٌ بأي أرض تموت} فإنذار الموت شامل، بمعنى أنه يمكن أن يأتي في أي لحظة، لذا يجب أن يكون الإنسان على استعداد دائم للقاء ربه، وهذا لا يعني أبدًا أن يعيش تحت قهر الخوف، ليس المقصود ذلك أبدًا، الإنسان يطمئن للقاء ربه من خلال صالح الأعمال، وفي نفس الوقت أعتقد أن تحقير فكرة الوساوس مطلوبة جدًّا في حالتك، لا نحقر فكرة الموت، الموت بالطبع حقيقة, ولابد منه، لكن حقِّري طبيعة هذا النوع من التفكير.

فأغلقي على هذه الوساوس من خلال تحقيرها، من خلال الممارسات الفكرية التي أنت على دراية تامة بها، واسعي بأن تستبدلي الفكر الوسواسي بفكر مخالف تمامًا.

لماذا لا تكون مثلاً هذه الفكرة التي تأتيك حول الموت ودنو الأجل هي شيء طيب؟ وتذكرك بأن تعملي لآخرتك، وتذكرك بأن إيمانك وقناعاتك الإيمانية عالية جدًّا، لماذا لا تظنين الظن الحسن بأن الله تعالى سوف ينقلك من حياة كلها كبد، وكلها منغصات إلى حياة أبدية سعيدة جنة عرضها السموات والأرض، أعدت للذين آمنوا؟

أتمنى أن تكون الفكرة قد وصلت، وأريد أن أقول لك: إن الوساوس لا تخلو من ذكاء – ربما يكون هذا مضحكًا – فهي تحاول أن تجد ثغرات لتدخل إلى نفوسنا، فيجب أن نغلق عليها الباب، ويجب أن لا نعطيها فرصة لذلك، ويجب أن نقهرها، وذلك من خلال تحقيرها، وعدم مناقشتها، وعدم إخضاعها لأي نوع من المنطق؛ لأنها ليست منطقية في الأصل، فهي متسلطة، ولابد أن تصرفي انتباهك بالاجتهاد في عملك، ومحاولة تغيير نمط حياتك، وممارسة الرياضة، وتمارين الاسترخاء، والشعور الإيجابي نحو الذات وتأكيدها، فهذا كله -إن شاء الله تعالى- يفيدك.

وأنا على قناعة تامة أيضًا أنه يجب أن لا تحرمي نفسك أبدًا من تناول الأدوية، أي دواء مضاد للوساوس سوف يفيدك، وهي كثيرة جدًّا: (البروزاك، الفافرين، السبرالكس، الزولفت، الزيروكسات)، كلها أدوية فاعلة وممتازة، ومهما طالت مدة العلاج يجب أن لا تنزعجي أبدًا.

أنا أعتقد أن (البروزاك) سوف يكون دواءً جيدًا في حالتك، لأن (البروزاك) لا يزيد الوزن، كما أنه قليل الآثار الجانبية بصفة عامة، يمكن أن تبدئي في تناوله بجرعة كبسولة واحدة (عشرين مليجرامًا) يوميًا، تناوليها بعد الأكل، وبعد شهر اجعليها كبسولتين في اليوم، وهذه جرعة وسطية ممتازة، ويجب أن تستمري عليها لمدة ستة أشهر على الأقل، بعدها خفضي الجرعة إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، بعد ذلك يمكن أن تجعليها كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

أرجو أن لا تحرمي نفسك أبدًا من نعمة الدواء، والدواء سوف يؤدي إلى راحة نفسية, وشعور بالطمأنينة، وهذا في حد ذاته سيساعدك كثيرًا على التطبيقات السلوكية المطلوبة والتي أنت على دراية بها.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية، والتوفيق والسداد.

www.islamweb.net