الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نهال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرا لك على السؤال الذي عاد بي إلى الوراء لثلاثين سنة تقريبا عندما كنت في السنة الأولى من كلية الطب، وسؤالك عاد بي للعديد من الشباب الذين كانوا قد دخلوا الكلية الطبية، والجميع أو معظمهم ممن استشارني في شيء مشابه لبعض أسئلتك، من مثل:
"هل أنا الشخص المناسب لدراسة الطب؟"
"هل الطب هو الفرع المناسب؟"
"ها سأكون طبيبا ناجحا؟"
"هل سأحب ممارسة الطب بعد التخرج؟"
ويمكنني أن أقول: إن كثيرا من هذه الأسئلة تشبه الكثير من الأسئلة التي يطرحها بعض طلاب الكليات الأخرى العلمية والأدبية.
ويبدو أن جزءاً كبيرا من هذه الأسئلة هو شيء طبيعي، أو مرحلة طبيعية عند الشباب في هذه المرحلة العمرية، والتي تصادف أنها في مرحلة السنة أو السنوات الأولى في الجامعة، حيث تغيير نمط الحياة، والتعرف على الأصدقاء الجدد، وربما أيضا الابتعاد عن البيت كما هي الحالة معك حيث تدرسين في منطقة أخرى غير منطقة الأسرة، وربما تغيرات أخرى كثيرة.
يبدو من خلال تقدمك التعليمي والمدرسي أنك متفوقة وصاحبة إمكانات وإن شعرت أحيانا بعكس هذا، فتقدمك وامتلاكك للإمكانات هي أحقّ من بعض المشاعر هنا وهناك على أهميتها، ولولا إمكاناتك لما وصلت إلى ما وصلت إليه.
ومن خلال تخصصي في الطب النفسي، ومن الحالات الكثيرة التي رأيتها، أقول: إن من علامات نجاح الإنسان وتفوقه تأتيه بعض الأوقات التي يشك فيها في أهمية ما قدمه أو يقدمه، أو في إمكاناته، ولكنها ما هي إلا لحظات ويستعيد الشخص همته وحماسه للعمل، وهكذا بين هذا وذاك.
ومن الطبيعي أن تعترض حياتنا الكثير من العوامل والمواقف التي يمكن أن تشككنا في قدراتنا، أو تضعف ثقتنا بأنفسنا، كتعليق سلبي من صديق أو معلم، أو موقف صعب يتحدى إمكاناتنا، أو ظروف معيشية صعبة نقف أمامها شبه عاجزين، أو عاطفة سلبية كشيء من الاكتئاب أو الحزن يذكرنا بنقاط الضعف عندنا، وربما يضخمها فلا نعود نذكر الإيجابيات الكثيرة التي هي عندنا، وهكذا العادة في مثل هذه الحالات والمواقف تصبح نظرة الإنسان لنفسه والناس والحياة نظرة سلبية، ولا يعود يذكر من الإيجابيات شيئا.
لا أحتاج أن أذكرك هنا بالنعم الكثيرة التي أنعم بها الله عليك حتى وصلت إلى ما أنت عليه من الصفات الخـَلقية والخـُلقية والإمكانات والظروف والفرص والعون والمساعدات الكثيرة، وإنك لا شك عندما تفكرين بكل تاريخ حياتك منذ اللحظات الأولى التي تذكرينها من طفولتك وحتى الآن حيث وصلت إلى ما وصلت إليه، فإنك لاشك تجدين رعاية الله لك تحفك من كل جانب "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها".
كثير من الكليات غير الجيدة أو غير المتقدمة تخرّج في كثير من الأحيان أطباء ومهندسين وغيرهما على مستوى عال من الخبرات المهنية والممارسة الأخلاقية، ومهما فعل الناس من حولنا أو لم يفعلوا، فهذا لا يعفينا من بذل جهدنا وتحمل مسؤولياتنا، بل على العكس لا بد أن نجد في هؤلاء الناس من حولنا من هو جادّ في تحصيله مثلنا، وأخلص في مساعيه مثلنا، ويتحمل مسؤولياته مثلنا، فأنا لست من أنصار فكرة أنه انعدم الخير في الناس، وكما تؤثر بعض ظروفنا بنا، فكذلك تؤثر ظروف الناس فيهم، والدنيا تتسع لهم ولنا.
الطب كغيره من التخصصات، تحبينه رويدا رويدا وأنت تتعرفين عليه شيئا فشيئا، فالمطلوب منك هنا بعض الصبر، وبعض المثابرة، وستجدين أن أكثر راحة مع نفسك هي مع مواد الدراسة، وهذا العمل وهذه الدراسة سترفع ثقتك بنفسك، وبالتالي ستتحسن أيضا علاقاتك مع الآخرين.
وإن خوفك وترددك من أن لا تؤذي الناس كطبيبة لشيء صحي وطبيعي، يشير إلى طبيعتك الحساسة، ولكنه يشير أيضا إلى أنك ستكونين طالبة طب موفقة، ومن ثم طبيبة ناجحة، تنفعين الناس وتخففي عنهم آلامهم ومعاناتهم.
وفقك الله ويسّر لك، وأرجو أن نسمع عن نجاحاتك الحياتية والطبية.
ولمزيد من الفائدة يمكنك مراجعة هذه الاستشارات عن:
وسائل زيادة الثقة بالنفس سلوكياً:
(
265851 -
259418 -
269678 -
254892 )