أعاني من القلق والخوف، ولم أعد أستمتع بالحياة فما السبب والعلاج؟
2011-09-08 11:56:01 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاد الله عليكم رمضان بالخير، والغفران.
لقد ولدت، وعشت خارج بلد والداي, وعندما أتممت التسع سنوات أخذتني والدتي لإكمال دراستي الابتدائية في موطنها, مرت أول سنة بسلام، وفي السنة التالية دخلت المرحلة الإعدادية، وفي هذه الفترة بدأت أحس بالخوف والقلق لا أعرف من ماذا، وكان هذا الخوف يدفعني للبكاء كثيرا، وعندما أعود للبلد الذي ولدت فيه تذهب هذه الحالة عني, وفي الفترة الأخيرة عدت إلى موطن والداي بلا رجعة، وأتممت دراستي الثانوية بتعثر، وابتداءً من هذه الفترة ينتابني نفس الشعور بالخوف والقلق لكن بازدياد حتى أني كرهت بلد والداي، وانتابتني حالة من الاكتئاب والخمول، ولم أعد أجد البهجة في الحياة، وأصبحت أحس بتدهور في قدراتي العقلية على التفكير، والتركيز، والتذكر، والقدرة على الإبداع والشعور بالبلاهة وصعوبة تعلم المهارات، وضعف التركيز.
لم أجد أمامي حلا إلا أن أتعامل مع الفترة التي أعيش فيها في موطن والداي على أنها فترة مؤقتة على أمل أن أعود لمسقط رأسي مجددا , فعندما ينتابني شعور الخوف والقلق الذي يدفعني للبكاء أتجاهله، وأحاول ألا أحس به, تطورت هذه الحالة حتى أصبح إدراكي للأشياء، والعالم من حولي مختلف، وأقل أو تقريبا كأنه غير موجود, وزادت حالة الحزن، وعدم الاستمتاع بالحياة، وقلة الإدراك، أو انعدامه أكثر وتعثرت في دراستي الجامعية، واضطررت لحذف ترمين (فصلين دراسين) بعد إتمامي سنتين من الدراسة, أحس في معظم الأحيان بأني فاشل، وأجد صعوبة في تعلم المهارات الجديدة عن السابق رغم أن لدي قناعة بأني قادر على أداءها لو كنت طبيعيا.
حياتي الاجتماعي تدهورت أحس بأن الآخرين يتجنبوني، وأشعر بالرغبة في الوحدة والصمت.
ذهبت لطبيبين نفسيين، الأول أخبرني أني أعاني من اضطراب وجداني، ووصف لي \"زيلدوكس\"، والثاني أخبرني أني أعاني من اضطراب الشخصية الحدية، ووصف لي \"زيسبيرون\"، وطلب مني رسم مخ، وكانت النتيجة أني أعاني من زيادة في كهرباء المخ في الفص الأيمن \"right frontal region\"، وفي كل مرة كنت أتناول فيها واحد من العقارين كنت أحس بضيق في النفس، وسرعة نبضات القلب، وأشعر كأني سأموت.
أنا لم أخبر الطبيبين عن حالة قلة الإدراك أو انعدامه في بعض الأحيان لأني كنت أركز على عدم استمتاعي بالحياة، وأعراض الاكتئاب والخمول.
أريد منكم عافاكم الله بأن تخبروني ما سبب هذه الحالة، ومما أعاني لأني مللت من الحياة بهذه الطريقة، وأريد أن أعود طبيعيا مرة أخرى.
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فبالطبع الأطباء الذين قاموا بوصف حالتك بأنها اضطراب وجداني واضطراب في الشخصية، وأنك تعاني من الشخصية الحدّية، لا شك أن الطبيبين هما في وضع أفضل مني للتأكيد على التشخيص، وذلك لسبب واحد وهو أنهما قد قاما بملاحظتك ومناظرتك وتوقيع الكشف السريري عليك. هذه هي النقطة الأولى.
النقطة الثانية: أنا حقيقة مع احترامي لما ذكر من تشخيصات سابقة إلا أنني وحسب ما ورد في رسالتك لم أستشعر أنك تعاني من اضطراب وجداني شديد، ربما تكون هنالك سنحة اكتئابية، ولديك بعض الهشاشة النفسية التي تجعلك تفقد القدرة على التواؤم، وهذا واضح جدًّا من أن أعراضك مرتبطة بالمكان الجغرافي الذي تعيش فيه، وهذا النوع من عدم القدرة على التواؤم لا يعتبر مرضًا نفسيًا أساسيًا، لكنه قد يكون مزعجًا لصاحبه، وقد يظهر في شكل قلق أو توترات أو نوبات اكتئابية بسيطة، ربما يكون لديك شيء من هذا.
أما بالنسبة لاضطراب الشخصية الحدّية فمع احترامي الشديد لمن ذكر هذا التشخيص، إلا أنه ومن خلال المعلومات المتاحة لا أرى هنالك أي بوادر أو معايير تشخيصية يمكن أن أرتكز عليها أو أفكر حتى في هذا التشخيص.
فيا أخي الكريم: لا تشغل نفسك في مثل هذه المسميات، الإنسان إذا ألصق بنفسه أو ألصقت لنفسه هذه المسميات التشخيصية والتي هي في الأصل لا توجد ثوابت علمية حقيقية يمكن أن نرتكز عليها لتشخيصها بدرجة كاملة من اليقين والقناعة.
أنا هنا لا أقلل من شأن العلم والتشخيصات العالمية للأمراض النفسية، لكن الذي أقوله لك هو أمر ذُكر كثيرًا في الكثير من المراجع العلمية، فأنا أعتقد أن موضوع اضطراب الشخصية الحدّية يجب أن لا يتبادر إلى ذهنك أبدًا حتى وإن ذُكر لك هذا.
الأمر الثالث: أنت تتكلم عن افتقارك للمقدرات المعرفية، لكني ألاحظ أن رسالتك هذه مكتوبة بشكل وصورة ومحتوى راقي جدًّا، لا يستطيع أحد أن يُقدم عليه إلا من كانت لديه مقدرات ـ الذي يهيأ لي أخي الكريم ـ هو أنك ربما يكون لديك عدم القدرة على تقدير مقدراتك بالرغم من وجودها، وهذا يجعلك تفكر في أن هذه المقدرات في الأصل غير موجودة، وهذا ربما يكون عرضًا اكتئابيًا بسيطًا.
رابعًا: فيما يخص الزيادة في كهرباء الدماغ في الفص الأيمن، كثيرًا ما نجد في تخطيط الدماغ بعض التغيرات في الومضات الكهربائية في مناطق معينة في الدماغ، لكن هل ترقى هذه التغيرات لمستوى زيادة أو اضطراب في الشحنات لدرجة تكوين بؤرة صرعية؟ هذه هي القضية المختلفة تمامًا.
فيا أخي الكريم: لحسم هذا الموضوع سيكون من الأفضل والأحسن أن تذهب إلى طبيب مختص في الأمراض العصبية – أمراض الأعصاب – وليس الأمراض النفسية، ودعه يقوم بتقييم حالتك مرة أخرى، ويمكن أن يُجرى تخطيط آخر للدماغ، وإذا اتضح أنه توجد بالفعل تغيرات حقيقية في الومضات الكهربائية ترقى إلى مستوى يمكن أن نقول أنها بؤرة صرعية هنا لابد أن تتناول العلاج المضاد لمثل هذه الحالات، والأدوية كثيرة جدًّا ومتوفرة.
أما إذا كان الموضوع هو مجرد اختلافات، وتغيرات بسيطة في كهرباء الدماغ، فهذا من وجهة نظري لا يرقى لدرجة الاهتمام به، لأن هذه الحالات تشاهد كثيرًا.
هذه الثوابت الأربعة التي ذكرتها لك أرجو أن تأخذ بها.
الأمر الخامس وهو مهم: أيًّا كان نوعية التشخيص، لابد أن تتحرك من خلال تعديل السلوك بصورة إيجابية، حتى وإن كان هنالك اكتئاب أو خمول فهذا يعالج من خلال ممارسة الرياضة، الإصرار على تنفيذ ما يجب أن تنفذه، وأن تقوم بواجباتك نحو نفسك ونحو الآخرين ونحو عقيدتك، هذه ثوابت يجب أن يلتزم بها الإنسان، وخاصة الذين يعانون من اكتئاب نفسي واهتزاز الثقة في الذات يستفيدون كثيرًا حين يضعون برامج يومية يديرون من خلالها أوقاتهم ويلزمون أنفسهم بالإنجاز والتنفيذ.
والتفكير الإيجابي مهم، تذكر أنه لديك أشياء طيبة وجميلة في حياتك، هذه كلها أمور ضرورية ومهمة، وعليك دائمًا أن تنظر إلى المستقبل بإيجابية.
النقطة الأخيرة هي: أن الأدوية المضادة للاكتئاب بصفة عامة تفيد في حالة الاضطرابات المتعلقة بعدم القدرة على التواؤم، أيًّا كانت هذه الاضطرابات، اكتئاب بسيط، قلق، اكتئاب، عدم التكيف كما يسمى، كلها تفيد، وأنا أعتقد أن عقار بروزاك والذي يسمى علميًا باسم (فلوكستين) ويسمى في مصر تجاريًا باسم (فلوزاك) ربما يكون مفيدًا لك.
بارك الله فيك وجزاك الله خيرًا، وكل عام وأنتم بخير.