الوساوس القهرية الفكرية عن الذات الإلهية تؤرقني... فما الحل؟
2011-08-18 09:42:30 | إسلام ويب
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته,,,
أنا فتاة عمري 14 عاما متدينة والحمد لله، فأنا أصلي وأصوم مذ كنت صغيرة, وأنعم علي ربي تبارك وتعالى بنعم عظيمة أنا مدركة لها بفضله سبحانه وأحمده وأشكره عليها كل يوم.
مشكلتي بدأت معي مذ كنت في العاشرة تقريبا، حيث بدأت أكلم نفسي بكلام سيء للغاية من سب المقدسات والدعاء على الناس بالشر والسوء، على الرغم من أنني لا أريد ذلك ولا أرغب به لكن هذه الأفكار تأتي رغما عني، وكذلك أتخيل تخيلات مزعجة مثل أن أتخيل أنني وقعت في نجاسة -أكرمكم الله- وكلما رأيت منظرا يثير اشمئزازي يظل ذلك المنظر يلاحقني ويعلق في ذهني دون أن يزول, لكن هذه الأفكار والخيالات لم تكن تأتيني إلا عندما أذهب للنوم, ثم زادت حدتها بعد سنة, ثم اختفت تقريبا, ثم أصبحت تخف تارة وتزداد شدتها تارة أخرى, لكن على العموم عندما كبرت زادت حدة هذه الأفكار وأصبحت أفكر بأشياء أكثر حساسية لا سيما فيما يخص الذات الإلهية الجليلة فبقيت أسأل نفسي (هل الله تعالى موجود حقا؟) و(أريد دليلا قاطعا لا يقبل الشك يثبت لي ذلك) -أستغفر الله العظيم- وغيرها من الأفكار السيئة علما بأنني فتاة كثيرة الشك, ودائما أقول لنفسي من قال هذا؟ و ماذا لو؟ وأريد دليلا قاطعا على كل شيء.
أقرأ القرآن الكريم فتزول عني الفكرة والحمد لله تعالى لكنها سرعان ما تعود من جديد، وتظل تختفي وتعود، وظهرت لي صفة جديدة ألا وهي التذمر وعدم القناعة بما لدي، والنظر إلى ما لدى الآخرين بعين الغيرة والحسد.
أحاول أن أكبح نفسي وأقول لها إن هذا حرام لكن لا فائدة، وكلما تمنيت شيئا ولا يحدث أظل أردد كلاما حراما في نفسي بسبب الغضب في داخلي, وأندم عليه أشد الندم فيما بعد وأستغفر ربي وأتوب إليه، لكن أقوله مرة أخرى وأنا لا أدري هل أقول ذلك عمدا أم أنه حقا يأتي رغما عني، فأنا عندما أغضب مستعدة أن أقول أي شيء بيني وبين نفسي مهما كان معيبا -أستغفر الله العظيم- لكن سرعان ما أندم بعد ذلك وأبدأ بالدعاء والتضرع إلى ربي ليسامحني.
والله العظيم أني حزينة ومهمومة منذ أن بدأت أفكر بهذه الأفكار، فأنا لا يوجد من هو أحب إلى قلبي من الله تبارك وتعالى لا سيما بعد أن قرأت آيات القران الكريم والأحاديث القدسية التي تدل على محبته لنا تبارك وتعالى، لكن هذه الأفكار جعلتني أشك حتى في إيماني، وقد قرأت لمدة عن أشخاص عانوا من نفس معاناتي وكلهم تم تشخيص حالتهم على أنهم مصابون بمرض الوسواس القهري الفكري وأن هذا المرض يحتاج لعلاج دوائي وسلوكي، وأنا أخبرت أهلي فلم ألق منهم إلا السخرية والاستهزاء، فلا أحد صدق أنني مصابة بالوسواس القهري الفكري، ولن يصدقوا مهما حاولت معهم لذا يئست منهم, وأنا لا أستطيع الذهاب إلى الطبيب النفسي والحصول على دواء بدون أهلي وهم حتى يرفضون أن أتحدث معهم عن هذه الأفكار؛ لأنهم يقولون لي لا تفكري فيها وستزول عنك، فهي أفكار تأتي وقت المراهقة وتختفي عند النضج, وأنا منذ فترة أعاني من الخمول والدوار والصداع والرغبة الشديدة في النوم وتقلب المزاج.
وأخيراً: أشكركم جزيل الشكر على هذا الموقع الرائع والمتميز, وأشكر لكم جهودكم التي تبذلونها لمساعدة الناس على تجاوز مشاكلهم, وكذلك الأسلوب الراقي والأخلاق العالية التي شجعتني على أن أكتب هذه الاستشارة التي هي أول استشارة لي في هذا الموقع، وأسأل المولى تبارك وتعالى أن يوفقكم دوما لفعل الخير وكل ما يحبه ويرضاه سبحانه, وأخيرا أعتذر إن لم أحسن اختيار الكلمات والألفاظ المناسبة، ومبارك عليكم الشهر الفضيل.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سمية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فأتفق معك تمامًا أن الوسواس القهرية الفكرية مزعجة لصاحبها، لكن -والحمد لله تعالى- استجابتها للعلاج أفضل بكثير من الأفعال والطقوس الوسواسية القهرية، والوساوس القهرية قد تكون مرحلية، بمعنى أنها تكون مرتبطة بمرحلة معينة، وفي مثل سنك نلاحظ هذه الوساوس وغالبًا ما تختفي إن شاء الله تعالى بمرور الأيام والشهور.
لكن هذا لا يعني أن تُحرمي من نعمة العلاج في الوقت الحاضر، أنا أعتقد أن العلاج حق, وحق أساسي للإنسان، وبالنسبة لرفض أهلك الذهاب للطبيب أعتقد أنه يمكنك أن تنتهجي أسلوب أن تتذاكري مع شخص واحد في الأسرة، الشخص الذي ترينه أكثر تفهمًا، الشخص الذي يكون منفتحًا حول الطب النفسي، ومن له فكرة عن هذه الأمراض أعتقد أنه سوف يقتنع ويقنع الآخرين بضرورة أن تذهبي إلى الطبيب، أو على الأقل يمكنهم أن يذهبوا ويحضروا لك الدواء، فمعظم الأدوية المضادة للوساوس لا تحتاج إلى وصفة طبية.
هذه الطريقة أعتقد أنها يمكن أن تكون مقنعة، أي أن يتولى الأمر شخص واحد في الأسرة، وليس من الضروري أن تحاوري وتناقشي كل أفراد الأسرة، لأنك إذا انتهجت هذا المنهج فلا أحد منهم سوف يتحمل المسئولية، وهذا طبيعي جدًّا نشاهده في الأسر حتى في أسرنا، وتكون قضيتك قد تشتت وذابت ولن تجدي من يتفهم طبيعتها.
أما إذا كان التذاكر والتفاهم والإقناع من خلال شخص واحد فهذا أمر جيد، وحتى يمكن أن تعرضي على هذا الفرد من أسرتك أن يذهب هو بمفرده ويقابل الطبيب النفسي، وأنت لا تكوني معه، ويشرح الطبيب له الحالة، ويسأل هو الطبيب عن رأيه، وأنا على قناعة تامة أن الطبيب سوف يركز على العلاج الدوائي، وكذلك العلاج السلوكي لا بأس به، لكن هذه الحالات تتطلب العلاج الدوائي، والاستجابة فعالة جدًّا وبصورة واضحة ومميزة جدًّا.
الدواء مثل الفافرين – والذي يعرف علميًا باسم فلوفكسمين - سوف يكون مناسبًا جدًّا لعمرك، فهو سليم وفاعل وممتاز، وكذلك عقار بروزاك والذي يعرف باسم (فلوكستين) أيضًا سيكون دواءً مناسبًا جدًّا.
أرجو أن لا تنزعجي، إن شاء الله تعالى فأسرتك سوف تقتنع، فقط اتبعي المنهج الذي ذكرته لك, ومن جانبك لا بد أن تحقري هذه الأفكار، حقريها بصورة واضحة، تجاهليها، ومن التمارين السلوكية البسيطة تمرين إيقاف الأفكار، هذا التمرين يمكن تطبيقه من خلال أن تلبسي الرباط المطاطي الذي تربط به الأوراق المالية، ضعيه في يدك على الرسغ، وحين تأتيك هذه الوساوس قومي بشد وجذب هذا الرباط المطاطي، ثم بعد ذلك أطلقيه، وبالطبع سوف تحسين بالألم، والربط بين الألم وبين الفكرة الوسواسية وجد أنه يُضعفها كثيرًا.
طبقي هذا التمرين عشر مرات متتالية بمعدل مرة في الصباح ومرة في المساء، أي أن تربطي بين الفكرة الوسواسية وبين إيقاع الألم على نفسك، هذا هو المقصود، وهذا يؤدي إلى ما يعرف بفك الارتباط الشرطي.
تطبيق تمارين الاسترخاء أيضًا مهم جدًّا؛ لأن تمارين الاسترخاء تجعل الإنسان يحس بشيء من الأمان الداخلي، واسترخاء النفس يؤدي إلى زوال القلق، وزوال القلق يُضعف الوساوس القهرية أيًّا كان نوعها وأيًّا كان منشؤها.
للتدرب على هذه التمارين يمكنك أن تلجئي إلى أحد مواقع الإنترنت التي توضح كيفية تطبيق هذه التمارين.
إذن: خلاصة الأمر: لا أريدك أبدًا أن تحسي بإحباط، هذا نوع من الابتلاء البسيط، وواضح أنها وساوس قهرية فكرية، أنت على إدراك تام أنه يجب أن تستعيذي بالله تعالى من الشيطان الرجيم ومن هذه الوساوس، وتسألي الله تعالى أن لا يجعل للشيطان سلطانًا عليك، وفي نفس الوقت يجب أن تأخذي بالآليات العلاجية الأخرى من الجانب السلوكي والجانب الدوائي، والنتائج رائعة جدًّا، وإقناع الأهل إن شاء الله تعالى يمكن الوصول إليه بانتهاج المنهج الذي نصحتك به مسبقًا.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، وكل عام وأنتم بخير.