نصيحة لمن رغب عن الزواج
2011-05-16 10:55:57 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أشكركم كثيرا يا أفضل من يقدم الاستشارة الصادقة.
أنا رجل أرفض فكرة الزواج, ومقهور من سؤال الناس لي كل مرة هل تزوجت أم لا؟ أنا -والحمد لله- قائم على خدمة عمتي الكبيرة في السن, وأيضا أخذت فكرة سيئة عن كل النساء.
فأرجو -يا أستاذنا الفاضل- أن تنصحني نصيحة لعل الله أن يفتح بها قلبي, ويهديني, وأسمع كلام الناس الذي سيوقعني في ورطة.
وشكراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ صبحي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع.
وبخصوص ما ورد برسالتك أقول لك: إنه ومما لا شك فيه أن كل تصرف يصدر من الإنسان لابد وراءه من دافع أو سبب، ونظرًا لتقدمك في السن إلى حد ما فإن هذا الأمر يلفت أنظار الناس من حولك، لأنهم لعلهم يرون فيك شخصًا مناسبًا, وإنسانًا مستقيمًا، ويرون أن تصرفاتك طبيعية, وشخصيتك شخصية عادية، ولذلك يستغربون عدم ارتباطك بأي امرأة للآن، فهم يرون أنك إنسان طبيعي جدًّا, ويرون أنه من غير الطبيعي أن تظل بغير زوجة إلى هذا السن، وهذه شهادة لك حقيقة، فهي شهادة بطريقة غير مباشرة على أنه ليس فيك عيب, وأنه ليس فيك ما يمنعك من التزوج ظاهرًا، وهذا كما ذكرتُ لك عامل مهم جدّا، إذ أنك مقبول من كل من يتعامل معك، ولذلك هم ينكرون عليك عدم إنشاء الأسرة.
ولعلي أضع يدي معك على السبب الرئيسي في عدم إقبالك على الزواج أو تفكيرك فيه، ألا وهو الفكرة السيئة التي أخذتها عن كل النساء، ومما لا شك فيه -أخي الكريم الفاضل- أن هذا أمر غير صحيح، لأن تعميم الأحكام يتعارض مع شرع الله تعالى أولاً، ثانيًا يتعارض مع المنطق، ثالثًا يتعارض مع الواقع.
أولاً: تعارضه مع شرع الله تعالى: فإن الله تبارك وتعالى جل جلاله رغم كراهيته لليهود, ولعنه لهم, وفضحه لمخططاتهم، إلا أنه قال سبحانه وتعالى عنهم: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمتَ عليه قائمًا} فرغم هذه العداوة كما ذكرت لك, وهذه الحرب الشعواء التي شنها عليهم إلا أنه بيّن أن فيهم أمناء, وفيهم الخونة، ولم يستعمل مولانا سبحانه وتعالى معهم أسلوب التعميم، وإنما استعمل العدل والإنصاف لأنه الحكم العدل جل جلاله.
وكذلك النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما قال: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر)، إلى غير ذلك أيضًا من النصوص التي تبيّن لنا ضرورة الإنصاف وعدم التعميم في الأحكام.
ثانيًا: بعد نصوص القرآن والسنة نجد أنه ليس من الإنصاف أن تقول بأن هذا الجدار كله أسود لمجرد نقطة سوداء فيه، في حين أنه ناصع البياض.
كذلك أيضًا ليس من العدل والإنصاف أن تقول بأن النساء كلهنَّ مثلاً منحرفات أو على خطأ، في حين أنك ترى أن والدتك إنسانة صالحة, وترى أن عمتك الكبيرة كانت إنسانة محترمة ونظيفة، وترى أنت بنفسك أقرب النساء إليك وهنَّ لسن منحرفات ولا سيئات، وأعتقد أنك لن تقبل أبدًا أن تكون لأختك علاقة محرمة وخيانة لزوجها، أو لأقرب الناس إليك.
فإذن أنت في الواقع تناقض نفسك لأنك أنت ابن امرأة التي هي أمك، وقطعًا ما رأيت على أمك سوءًا ولا رأيت عليها انحرافا، حتى الإنسان لو رأى في امرأة شيئا فليس معنى ذلك أن الناس كلهم كذلك، لأن الله تبارك وتعالى قال: {ليسوا سواءً} ولأن أصابعك في يدك اليمنى أو اليسرى خمسة أصابع، رغم أنها تخرج من يد واحدة إلا أنها ليست متشابهة أبدًا، وإنما كل أصبع له خاصيته, وله مواصفاته التي تلمسها أنت بيدك، وله رسالته التي يؤديها في خدمتك.
إذن التعميم -أخي الكريم- أعتقد أنه خطأ عظيم, وأنه خطر كبير، وأن مشكلتك أنك وقعت تحت تأثير نظرية تعميم الأحكام، وهذا خطأ، لأنه أولاً ليس منطقيًا, ولا مقبولاً، لا شرعًا ولا عقلاً ولا واقعًا أيضًا، ويجب عليك أن تكون منصفًا عادلاً.
أنا لا أنفي أن هناك بعض المنحرفات، ولكن كم نسبة المنحرفات في أي مجتمع من المجتمعات؟
إذا ذهبت إلى مصر مثلاً التي أظن أنك منها فإنك لن تجد مصر كلها شارع الهرم، وإنما شارع الهرم لا يعدو أن يكون شارعًا واحدًا، ورغم أن فيه بعض الأماكن السيئة السمعة إلا أن فيه أماكن كثيرة فيها أناس محترمون, وفيها مؤسسات عظيمة تؤدي دورا كبيرا في خدمة الناس وفي تيسير أمورهم.
إن مشكلتك تكمن في تعميم الحكم، وهذا أمر أنت أخطأت فيه خطأً جسيمًا جدًّا.
النبي صلوات ربي وسلامه عليه بيّن لك (فاظفر بذات الدين تربت يداك) فما عليك إلا أن تبحث عن الأخت الفاضلة من البيئة الفاضلة، وهذا أمر كثير جدًّا، أمامك آلاف المنتقبات الصالحات القانتات اللواتي يُوزن ظفر واحدة منهنَّ بالدنيا وما فيها، على قدر من الصلاح والديانة والجمال والاستقامة وحسن الخلق.
فالتعميم الذي تأثرت به هو الذي أدى بك إلى حرمان نفسك من هذه النعمة، وأرى أن الناس على صواب، وأرى أن تعيد حقيقة التفكير في موقفك، وأن تعيد النظر في تصرفاتك، وأن تجتهد بأن تأخذ بالأسباب، وأن تكون مسلمًا صادقًا واقعيًا، وأن تعلم أن الطيور على أشكالها تقع، وأن تعلم أن المرء على دين خليله، فإذا كنت عبدًا صالحًا مستقيمًا فثق وتأكد أن الله سيمنُّ عليك بمن هي في صلاحك واستقامتك، وستكون عونًا لك على طاعة الله.
أتمنى لك التوفيق والسداد، وأن يقدر لك الخير حيث كان, ويرضيك به, هذا وبالله التوفيق.