التعافي من الإدمان دون التواصل مع المراكز العلاجية هل يؤدي الغرض؟
2011-05-02 09:01:05 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله
جزاكم الله خيراً -يادكتور محمد- لما قدمته من كلمات قريبة من القلب، أنا عندي علم باجتماعات المدمنين المجهولين، وقد أقلعت عن التعاطي بمساعدتهم دون مراجعة مراكز علاجية عن طريق موقعهم الإلكتروني، وسافرت مرات عدة لحضور الاجتماعات هناك، وعلاقتي مستمرة معهم عن طريق الماسنجر والهاتف، تعلمت منهم الكثير، لكن في النهاية يقولون: ( لن يفيدك علمك ومعرفتك بمرض الإدمان للتعافي ما لم تحضر الاجتماعات )، وأقرب اجتماع يبعد عن المدينة التي أسكن بها (600) كيلو تقريباً.
أما التقرب من الله فأنا أحاول بقدر الجهد، لكن حالياً وبصراحة اسمح لي أن أقول: إن الشيطان مسيطر عليّ بقوة، وإلا فأنا أعرف أن المرض الذي أعاني منه لن يشفيني من تفاصيله إلا الله. وشكراً لكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك وجزاك الله خيراً، ونشكرك كثيراً على تواصلك مع إسلام ويب، لقد سعدت برسالتك كثيراً، ولكن في نفس الوقت حزنت بعض الشيء حين قلت أن الشيطان مسيطر عليك بقوة، يقول الله تعالى: ( إن كيد الشيطان كان ضعيفاً ) فكيده ضعيف جداً، هذه بوابة يمكن أن تغلقها بالإكثار من الاستغفار، وأن تكون في معية الله، وأن تحرص على صلاتك في وقتها، وأن تصاحب الأخيار والصالحين، فهذه أمور تعينك على التغلب على الشيطان وسطوته، والتي هي ضعيفة جداً، وأنت -والحمد لله- توجد في بلد كريم فيه العلماء وفيه الصالحون، وبإمكانك الاستفادة منهم والتواصل معهم.
أخي الكريم أنا أريدك أن تغير هذه الفكرة، لا بد أن تنزعها انتزاعاً، فمن أخطر ومن أسوأ ما يمكن أن يؤثر على الإنسان نفسياً وسلوكياً هو الاستكانة للفكر السلبي، والإنسان الذي يعتقد أن الشيطان مسيطر عليه هذا يعاني من فكر معرفي سلبي، وهذا فكر مشوه، أبداً الشيطان لا يستطيع أن يسيطر، الشيطان أضعف، الإنسان أكرم، فيا أخي الكريم أريدك أن تنزع الفكرة، بل تحطمها، وأسأل الله لك العون ولنا جميعاً.
أخي الكريم ما أسعدني أنك ملم باجتماعات المدمنين المجهولين، وأعتقد أن الخطوات الاثنى عشرة والتي يركزون عليها هي خطوات جميلة، ونحن الآن نحاول أن نعطيها الصيغة الإسلامية؛ لأن ذلك سوف يكون أفيد لمجتمعاتنا.
أخي الكريم: أنا أريد أن تكون خير رقيب على نفسك، أنت -الحمد لله- أقلعت عن التعاطي، ولكن التعافي يتطلب الاستمرار، ويتطلب الجلد والثبات، وأقول لك حتى وإن بعدت عنك هذه الجمعيات نسبة لبعد المسافات، فيمكنك أن تتواصل معهم كما ذكرت من خلال الوسائط الإلكترونية المعروفة، وإن استطعت أن تحضر اجتماعاً واحداً مرة في الشهر فأعتقد أن هذا سوف يكون مفيداً.
أخي الكريم سأحكي لك طرفه:
أنا أعرف أحد الإخوة الذين بدؤوا هذه الجمعيات في أحد البلدان، وهذا الرجل كان يجتمع مع نفسه ووحده في ظل شجرة لمدة أربعة أشهر، وحاول أن يقنع اثنين أو ثلاثة من المدمنين للانضمام إليه، ولكنه فشل في ذلك، وبعد كل تلك المدة ومجاهداته وصبره أصبح الآن من أكبر مرشدي التعافي، وأصبح لديه مشاركة في أربع أو خمس جمعيات، بدأ وحده يجتمع مع نفسه وتحت ظل شجرة، تصور أخي الكريم هذه الإرادة، وتصور هذه الدافعية الإيجابية للتعافي، فحاول أن تكون أنت كذلك أيها الفاضل الكريم.
أسأل الله لك ولنا الثبات على العمل الصالح، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيراً.
-----------------------------------------------------------
انتهت إجابة المستشار النفسي الدكتور/ محمد عبدالعليم.
يليها إجابة المستشار الشرعي الشيخ /أحمد الفودعي.
----------------------------------------------------------
فنحن نهنئك أولاً بتوبتك وإقلاعك عن الإدمان، ونسأل الله تعالى أن يثبت على هذا الطريق، وأن يتولى عونك، وأن يأخذ بيدك إلى كل خير، نبشرك بكل خير تتمناه في عاجل أمرك في آخره وفي دنياك، فإن الله عز وجل وعده لا يُخلف، فإن الحياة الطيبة من آمن وعمل صالحاً، كما وعد من اتقى الله سبحانه وتعالى بأن يجعل له فرجاً ومخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، فنسأل الله تعالى أن يفتح أمامك أبواب السعادة ويسهل أمامك أبواب الخيرات أنه ولي ذلك والقادر عليه.
لقد أفادك الدكتور -محمد عبد العليم- جزاه الله خيراً وبالغ لك في النصيحة، فهو من هو في هذا الباب في هذا الشأن، كان من آخر ما أفادك به عن سيطرة الشيطان عليك، أن ذكرك بأن الشيطان ضعيف، وهو كذلك، ونحن نريد أن نزيدك بعض الوسائل الشرعية التي من شأنها أن تنجيك -بإذن الله تعالى- من وسوسة الشيطان من كيده، وإلا فإن الشيطان ليس له سيطرة عليك، وليس له قوة يستطيع به أن يتحكّم فيك، فهو بنفسه يعترف بهذه الحقيقة، كما حكى الله عز وجل عنه في سورة إبراهيم: { وقال الشيطان لمّا قُضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ... }، فليس له سلطان لا سيما على أهل الإيمان المشتغلون بذكر الله تعالى، الذين وصلوا أنفسهم بالله وتمسكوا بحبله، فإن الشيطان لا يقدر عليهم، ومع هذا نوصيك أيها الحبيب بأمور أولها:
أولاً: أن تحرص كل الحرص على حضور مجالس الخير ومجالس الذكر، وأن تحافظ على الصلوات الخمس في جماعة المسلمين في المسجد فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن الشيطان: ( الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد) وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر ويشبهه بالذئب، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، فالشيطان لا يستطيع الاستحواذ على الإنسان إلا حين ينفرد ويبتعد عن جماعة الخير وإقام الصلاة في جماعة؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام ما من ثلاثة في بدو ولا حضر لا تقام فيهم الجماعة إلا استحوذ عليهم الشيطان، وكما قال عليه الصلاة والسلام، فاحرص بارك الله فيك على حضور الجماعة في المسجد، واحرص أن تختار الأصحاب الطيبين من هذه المساجد من أهل القرآن وهم في بلادك ـوالله الحمدـ كثيرون.. بلادك عامرة بالمساجد، ممتلئ بالذاكرين الراكعين الساجدين، فاحمد الله تعالى على هذه النعمة، وحاول استثمارها بما ينفعك عند الله تعالى.
الوصية الثانية أيها الحبيب أن تداوم على ذكر الله تعالى بقدر استطاعتك، لا سيما أذكار الصباح والمساء، فإن ذكر الله حصن حصين من الشيطان، وقد جاءت أحاديث كثيرة تؤكد هذا المعنى، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث عن حبائل الشيطان، وما يفعله الشيطان، وأنه لا يندفع شره إلا بذكر الله، وقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً على طعام فجاء أعرابي فمد يده فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده، ثم جاءت جارية فأرادت أن تضع يدها، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا بيدها، ثم قال عليه الصلاة والسلام: إن الشيطان ليستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه، وإنه جاء بهذا الأعرابي يستحل به فأخذت بيده، وجاء بهذه الجارية يستحل بها فأخذت بيدها، والذي نفسي بيده إن يده لفي يدي مع أيديهما، هذا الحديث العظيم فيه بيان أن الشيطان يستحوذ على الإنسان حين يغفل عن ذكر الله تعالى، وقد جاء في كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كلاماً جميلا يبين هذه الحقيقة فقال: ( الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سهى وغفل وسوس، وإذا ذكر الله عز وجل خنس).. ذكر الله تعالى لا سيما أذكار الصباح وأذكار المساء من أسباب الوقائية من الشيطان ومن مكره.
الوصية الثالثة أيها الحبيب نوصيك أن تجعل لنفسك ورداً ولو يسيراً من القرآن الكريم، فإن القرآن من أسباب الحفظ وأسباب الشفاء بإذن الله تعالى، فإن الله عز وجل أنزله شفاء للأرواح وشفاء للأبدان فيه السعادة وفيه النور، فاجعل لنفسك حظاً من القرآن الكريم في أي ساعة من ليلك أو ساعات نهارك، وبهذا تأمن بإذن الله تعالى من كيد الشيطان ومكره بقوة العزيمة وصحبة الأخيار، وبهذا ستصل بإذن الله تعالى إلى طريق السعادة.
ونسأل الله تعالى أن يتولى عونك وأن يأخذ بيدك إلى كل خير.