شعور الزوجة بكراهة أهل زوجها لها وهمها بالانفصال .. التشخيص والعلاج

2011-01-05 11:46:12 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا سيدة متزوجة، ولدي طفلان، وحامل في الثالث، وأُعاني من عدم تقبلي التعامل مع الناس، لخوفي من أذاهم، وأحس أن أهل زوجي يكرهونني، فمن طريقتهم الظاهرة عند زيارتهم لا يجلسون معي سوى دقائق معدودة، وأخواته يوجهون إليه الكلام دوني، كما أنهم في الأعياد يكلمونه على هاتفه الخاص، وسبق لي أن عملت عملية كبيرة ولم يسألوا عني، وزوجي دوماً يعطيهم الأعذار، وهذا ما يُضايقني.

كما أنه لا يتحمل معي مسئولية البيت أو الأولاد مطلقاً، فهل أنا مريضة نفسياً أم مظلومة لأن حالتي تسوء، وأفكر في الانفصال؛ حيث إنني لم أكن كذلك قبل الزواج؟

آسفة على الإطالة، وجزاكم الله خيراً.



الإجابــة:

إجابة المستشار النفسي الدكتور/ محمد عبد العليم


بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

بارك الله فيك وجزاك الله خيراً، ونشكرك كثيراً على تواصلك مع إسلام ويب.

حالة عدم الثقة التي بينك وبين أهل زوجك، وما ترتب عليها من شكوك حول نواياهم حيالك، وعدم ارتياحك لطريقة تعاملهم معك، حيث أنك تحسين دائماً بالارتياب، اعذريني إن قلت لك إنه ربما يكون هنالك شيء من سوء التفسير أو سوء التأويل من جانبك حيال تصرفاتهم؛ فهذا النوع من العلاقة الاجتماعية المتوترة نسبياً بين الزوجة وأهل زوجها نشاهدها كثيراً في مجتمعاتنا، وهي من الموروثات الخاطئة لدرجةٍ كبيرة، وفي أحايين كثيرة تكون الزوجة لديها القابلية والاستعداد في الأصل للشكوك والارتياب حيال تصرفات الآخرين، وهذا يعزز ويزيد من عدم الثقة بين الطرفين.

الملاحظ في حالتك أنه يوجد مؤشر آخر، ومن وجهة نظري هو مؤشر مهم، وهو أن عدم ارتياحك وشعورك أنك مكروهة من قبل أهل زوجك لم ينحصر في هذا الأمر فقط، إنما ذكرت أن لديك عدم تقبل في التعامل مع الناس، وأنك تخافين من أذاهم، وهذا التعميم في المشاعر السلبية حيال الآخرين يجعلني أتوقف كثيراً وأراجع تشخيص حالتك، ولقد وصلت إلى قناعات قوية أنه غالباً ما يكون لديك ما نسميه بالشخصية الظنانية أو الشخصية الارتيابية الشكوكية، وهذه علة معروفة لدينا في الطب النفسي، والعلاقة بين هذه الأفكار الظنانية والشكوك، وتكوين الأسرة -أي الزواج وبعد ذلك إنجاب الأطفال- ربما يكون تحمل المسئولية الزوجية، هو الذي جعلك تعانين من هذا الظنان، وكثير من النساء تحدث لهن مشاعر سلبية حيال الزواج، حتى وإن كان الزوج حسن الخلق ويعامل زوجته بصورة طيبة، إلا أنه لضعف وهشاشة في نفس الزوجة تظهر لديها هذه الكراهيات.

يقول بعض علماء السلوك والمدرسة التحليلية: إن هذا نوع من الرفض لمنظومة الزواج كلها، وهذه العملية الدينماكية تكون على مستوى اللاوعي أو اللاشعور، ولا أريد أن خوض في هذه التفاصيل، إنما الذي أستطيع أن أقوله لك أيتها الفاضلة الكريمة: إنك لست مريضة مرضاً نفسياً حقيقياً، إنما لديك علة في شخصيتك، والمشاعر السلبية حيال الكل هي التي جعلتني أرتكز عليها من أجل الوصول إلى هذا التشخيص.

أرجو أن لا تكوني مظلومة، وأرجو أن تعيدي النظر في مشاعرك هذه، وأرجو أن تعطي الأمور حسن التفسير وحسن التأويل، فلا يمكن أن يكون كل الناس أشراراً.

بالنسبة لهذا الخوف من أذى الناس، فحين يأتيك يجب أن لا تقبلي الفكرة باستسلام، ولا تجعلي الفكرة تكون فكرة قهرية تستحوذ على فكرك وكيانك، بل صديها وارفضيها، وابني فكراً جديداً حول الناس، وأن منهم الجيدين والخيريين وهم كثر، ومنهم الأشرار، مع قناعتنا أنه لن يصيبك إلا ما كتب الله لك، فلماذا إذن مثل هذا الظن؟ يجب إذن أن تتوقفي عنه، فإن بعض الظن إثم، ولابد أن يكون هنالك نوع من الحوار المعرفي الداخلي مع نفسك، وهذا يساعدك كثيراً أيتها الفاضلة.

أحزنني جداً أنك تفكرين في الانفصال عن زوجك، وهذا أمر مؤسف، وهذا تفكير خاطئ، أن يكون زوجك في الجانب الذي يبرر فيه تصرفات أهله لابد أن يكون قد ارتكز على أن فكرك فيه شيء من التشويش وشيء من المبالغة، فأرجو أن تجدي لزوجك العذر، وأرجو أن لا تضعي زوجك في نزاع بين إرضائك وإرضاء أهله، فهذا أسوأ ما يمكن أن يوضع فيه الزوج، وهذا النوع من التنازع النفسي والاجتماعي الغير مقبول، فكوني حريصة، والمرأة الذكية هي التي تحفظ زواجها، واحترمي زوجك وقدريه، واحترمي أهله، وحتى إن أخطأ بعضهم فكوني متسامحة، وكوني من الكاظمين الغيظ، وحاولي أن تجدي تفسيرات جديدة لتصرفاتهم، ولا تفسري كل شيء على الشكوك؛ فهذا ليس صحيحاً.

أيتها الفاضلة الكريمة: أرى أنه من الأفضل لك أن تتناولي أحد الأدوية البسيطة التي تريحك من هذه الشكوك.

أنت ذكرت أنك الآن حامل في الثالث، فلا أدري هل تقصدين الشهر الثالث أو الحمل الثالث، لكن إن كان الحمل قد تخطى الشهر الرابع، فأرجو أن تأخذي دواء يُعرف باسم رزبريدال (Risporidal) أو أما يُسمى علمياً باسم (رزبريادون)، وتناوليه بجرعة واحد مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقفي عن تناوله، هو دواء بسيط وسليم، ويُعرف عنه أنه يطرد الأفكار الظنانية بصورةٍ جيدة جداً.

ختاماً: أريدك أن تفصلي بين مشاعرك وبين أفعالك، وتعاملي مع الناس ومع أهل زوجك، وقومي بزيارتهم، وقومي بدعوتهم، وقدري والدي زوجك، وقدمي لهم البر مهما كانت مشاعرك، وحين تقومين بهذا سوف تجدين أن المشاعر قد تبدلت، وتبدل المشاعر لا يأتي إلا إذا بدلنا من أفعالنا، وأجبرنا أنفسنا في كثيرٍ من الأحيان أن نقوم بما لا يرضي مشاعرنا، ولكن في نهاية الأمر يحدث نوع من التواؤم والانسجام ما بين المشاعر والأفعال.

وبالله التوفيق.

د محمد عبد العليم
ــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة المستشار النفسي، ولتتمة الفائدة قمنا بتحويل سؤالك على المستشار الشرعي الشيخ/ أحمد الفودعي، والذي أفاد بالتالي:

لقد فصل لك الدكتور/محمد عبد العليم جزاه الله خير الجزاء بتفصيل مبالغ في النصح، وأنك لا تُعانين من شيء مرضي ولله الحمد، فينبغي لك أن تجاهدي نفسك أيتها الكريمة في دفع الظنون السيئة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا أبلغ التحذير من اتباع الظن، فقال عليه الصلاة والسلام: (إياكم الظن فإن الظن أكذب الحديث)، والأصل إحسان الظن بالمسلمين، ولهذا جاهدي نفسك لتتغلبي على هذه الحالة التي أنت فيها.

من وسائل القضاء على هذه الظنون السيئة أن تبادري أنت هؤلاء الأشخاص، فتبدئي معهم الحديث وتتكلمي معهم، وستجدينهم يبادلونك نفس المشاعر من المحبة والرغبة في الحديث وغير ذلك، ولكن ينبغي لك أن تكسري حاجز الخوف هذا بالبدء منك إذا شعرت بشيءٍ هذا الظن، وكوني على ثقة بأن الشيطان حريص على تقطيع أواصر الصلة والمحبة والود بين المسلمين، ومن باب أولى من الأقارب والأصهار.

قد أخبرنا الله تعالى في كتابه بأنه يعمل جاهداً لإدخال الحزن لقلب الإنسان المسلم، ولهذا نهانا الله عز وجل أن يتحدث اثنان فيما بينهما سراً وبجانبهما ثالث؛ لأن الشيطان يحاول أن يدخل إلى قلبه فيحزنه بأنواع الظنون السيئة التي يلقي بها في قلبه، فهذا كله من عمل الشيطان، وأنت ينبغي لك أن تجاهدي نفسك بدفعه بقدر الاستطاعة، وتستعيذي بالله تعالى من شر الشيطان حين يلقي إلى قلبك شيئاً من هذا، وبادري واتصلي بهؤلاء الأخوات، وبادليهن الحديث، وستجدين هذا الشعور يقضي عليه شيئاً فشيئاً.

وبالله التوفيق والسداد.

www.islamweb.net