الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مها حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
فمرحباً بك في موقعك (إسلام ويب)، ونسأل الله لك العافية والشفاء، ونشكرك أيتها الفاضلة الكريمة على كلماتك الطيبة في حق هذا الموقع، ونسأل الله تعالى أن يستخدمنا ولا يستبدلنا، وأن يستعملنا في طاعته ورضاه، وأن ينفع بنا جميعاً.
أيتها الفاضلة الكريمة! رسالتك واضحة المعالم، وأنت قد أحسنت وصف حالتك، وأنا أود الآن أن أفيدك في تشخيص حالتك، وهو أنك تعانين من قلق المخاوف، وأرجو ألا يكون هذا المسمى مخيفاً لك، فهي من الحالات البسيطة والمنتشرة جدّاً.
الخوف الذي لديك هو درجة بسيطة من الرهاب الاجتماعي، ولديك مخاوف أخرى نسميها بالمخاوف البسيطة، والمخاوف في الأصل هي نوع من القلق النفسي، إذن فالربط بين القلق النفسي وبين المخاوف هو ربط وثيق ومثبت من الناحية العلمية.
وأنا أقول لك: إن حالتك يمكن علاجها، لكن أهم خطوات العلاج هو أن تتفهمي الحالة كما ذكرناها لك، وهي أنها ليست خطيرة، وهي غالباً حالة مكتسبة ساهمت شخصيتك في ظهورها؛ حيث إن بعض الناس الحساسين يكونون عرضة للإصابة بالقلق والمخاوف.
الجزئية الأخرى في العلاج هي أن تحقري هذه الأفكار – أفكار الخوف – وهذا يأتي من خلال نقاش منطقي بتركيز مع الذات، لابد أن تسألي نفسك: (ما الذي يجعلني أخاف؟ أنا لست أقل من الآخرين، أنا لدي أشياء عظيمة وكثيرة إيجابية في حياتي)، هذا النقاش الداخلي مع النفس يجعل الإنسان يتخلص من الأفكار المشوهة عن ذاته، ويبني فكراً إيجابياً جديداً حول نفسه ومستقبله والعالم من حوله، هذا مهم وضروري جدّاً.
الأمر الثالث هو: ضرورة اقتحام المواقف التي تحسين فيها بالخوف، فيجب أن يكون هنالك تطبيق فعلي لذلك، وأنا أنصحك قطعاً بتوسيع دائرة صداقاتك مع الخيرات والصالحات من الفتيات، عليك أن تذهبي لحضور المحاضرات المفيدة، انضمي لمراكز تحفيظ القرآن، إلى الأنشطة الثقافية والخيرية، هذا نوع من التفاعل الاجتماعي الإيجابي المفيد جدّاً، وقيمته العلاجية مثبتة تماماً.
بقي أن أقول لك إن العلاج الدوائي والحمد لله متوافر، والعلاج الدوائي من وجهة نظري مهم جدّاً، وذلك اعتماداً واستناداً على النظرية التي تقول: إن القلق والمخاوف في معظمها هي ناتجة من اضطراب في بعض أجزاء كيمياء الدماغ، وهنالك مواد تعرف بالمرسلات أو بالموصلات العصبية، يحدث فيها ضعف أو عدم انتظام في إفرازها، وأسبابه غير معروفة، ولا يمكن قياسها في أثناء الحياة، لكن هنالك أدلة وبراهين نستطيع أن نقول: إنها قاطعة، ونحن إن شاء الله تعالى على درجة من اليقين.
إذن أيتها الفاضلة الكريمة: إذا أخضعنا الأمور للمنطق نقول: إن هذا التغير الكيميائي والبيولوجي لابد أن نصححه أيضاً بطريقة كيميائية بيولوجية، وهي بتناول الأدوية.
وبفضل الله تعالى فالأدوية النفسية تطورت بصورة مذهلة في السنوات الأخيرة، وأنا أفهم وأقدر تخوفك؛ لأن المفاهيم عن الأدوية النفسية خاطئة بكل أسف، وذلك نسبة لأن الأدوية القديمة فعلاً بالرغم مما أتت به من منافع إلا أنها قد أتت بأضرار كثيرة.
ثانياً: الناس لا تفهم أن الحالات النفسية مختلفة، هنالك أدوية إدمانية فعلاً، وهنالك أدوية قوية تعطى لأمراض الذهان، وهذه قد تسبب مشاكل، ولكن مثل حالتك هي حالة بسيطة وعلاجها عن طريق الأدوية السليمة إن شاء الله تعالى.
الدواء الذي أفضله في حالتك هو العقار الذي يسمى تجارياً باسم (زولفت ZOLOFT)، أو يعرف تجارياً أيضاً باسم (لسترال LUSTRAL)، ويسمى علمياً باسم (سيرترالين SERTRALINE)، وهو متوافر في المملكة العربية السعودية وشائع الاستعمال.
الجرعة المطلوبة في حالتك هي أن تبدئي في تناول الدواء بنصف حبة – أي: خمسة وعشرون مليجراماً – يومياً، والحبة تحتوي على خمسين مليجراماً.
تناولي هذه الجرعة بعد الأكل ليلاً لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى حبة كاملة، واستمري عليها لمدة شهر، وبعد ذلك ارفعي الجرعة إلى حبتين في اليوم، وهذه ليست جرعة كبيرة؛ لأن السيرترالين يمكن تناوله حتى أربع حبات في اليوم، أي مائتي مليجرام، ولكن جرعة المائة مليجرام من وجهة نظري ستكون جرعة كافية جدّاً بالنسبة لك.
استمري على هذه الجرعة لمدة أربعة أشهر، ثم بعد ذلك خفضي الجرعة إلى حبة واحدة لمدة ستة أشهر، وهذه هي المرحلة الوقائية، بعد ذلك خفضي الجرعة مرة أخرى إلى نصف حبة يومياً لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.
هذا الدواء دواء سليم كما ذكرنا، غير إدماني، ليس له ضرر أبداً على الإنسان، لكن الشيء الوحيد الذي ربما يحدث منه أنه ربما يزيد الوزن قليلاً، فإذا حدث لك شيء من هذا القبيل فعليك بتنظيم الأكل وكذلك ممارسة الرياضة بصورة فعالة.
بالنسبة للانتكاسات بعد ترك الدواء؛ فهذه تحدث لثلاثين إلى أربعين بالمائة من الناس، خاصة الذين لا يطبقون العلاجات السلوكية، أو الذين لديهم تاريخ مرضي في الأسرة، أي أن أحد أعضاء الأسرة مصاب بحالة مماثلة أو باكتئاب نفسي مثلاً.
الذين تأتيهم انتكاسات من وجهة نظري لا مانع أبداً من أن يستمروا على الدواء لفترة أطول؛ لأن هذه الحالات في نهاية الأمر يمكن أن نعاملها مثل الأمراض الأخرى كالسكر أو ارتفاع ضغط الدم مثلاً، أو ارتفاع الدهنيات.
فأيتها الفاضلة الكريمة! أرجو ألا تنشغلي بهذا الموضوع أبداً، طبقي الإرشادات السلوكية، تناولي الدواء بصورة منتظمة وإيجابية، وإن شاء الله تعالى لن تكوني عرضة لانتكاسة بإذن الله تعالى.
الدواء لن يؤثر أبداً على الزواج، وحتى يمكن استعماله بعد الزواج، فقط لا ننصح باستعماله في فترة الحمل، ليس هنالك إثبات قاطع أنه يؤدي إلى اختلافات تكوينية في الأجنة، ولكن كنوع من الاحتياط لا ننصح باستعمال الأدوية في فترة تخليق الأجنة، وهي المائة والعشرون يوماً الأولى، وإذا كانت هنالك حاجة للدواء فيجب أن يختار الطبيب دواء سليماً ويكون تحت إشرافه.
هذا الدواء لا يسبب أبداً أي تساقط في الشعر، وكما ذكرت لك أثره الوحيد هو أنه ربما يؤدي إلى زيادة في الوزن، وهذه ربما لا تحدث أبداً.
أرجو أن نكون قد أفدناك بما هو مطلوب، ونشكرك كثيراً على ثقتك في هذا الموقع، ونسأل الله لك العافية والشفاء.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الروابط التالية حول العلاج السلوكي للرهاب: (
259576 -
261344 -
263699 -
264538 ).
والله الموفق