شاع في الغرب مصطلح "حركة العصر الجديد" بعد النصف الثاني من القرن العشرين، وهو مصطلح فضفاض، له تعريفات كثيرة، ويحمل معان عدة، وذلك لأنه يشمل مجموعة من العقائد الباطنية الوثنية الشرقية التي انتقلت إلى الغرب لأسباب كثيرة. وقد عرف بعض الباحثين تلك الحركة بأنها: "منظومة تتكون من الاعتقاد بتأليه الذات، وبالحقائق النابعة من الذات، وبالقدر الذي تنتجه الذات، تعمل على دمج الباطنية الغربية بالهندوسية والبوذية والنصرانية، في الجوانب الروحية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع". فهي كما يظهره التعريف السابق: خليط من الاعتقادات الانتقائية، والتطبيقات المتنوعة، ممزوجة بأفكار باطنية، وطقوس وثنية، مستعارة من ديانات مختلفة.
من أبرز ما تقوم عليه هذه الحركة من عقائد: عقيدة وحدة الوجود، وتأليه الإنسان، وعدم الإيمان بالوحي، والوصول للحقيقة عن طريق التأمل، وقدسية الأرقام والحروف، وغيرها من العقائد والأفكار التي سنأتي على ذكرها عبر سلسلة من المقالات، وقبل ذلك لا بد من معرفة أن الأفكار والعقائد التي تحملها "حركة العصر الجديد" والتي أخذتها من العقائد والأديان الشرقية تقوم على أمرين اثنين يندرج تحتهما كل ما تدعو إليه "حركة العصر الجديد" وهما: الباطنية والغنوصية.
أولًا: الباطنية:
الباطنية لغةً من بطنت الشيء إذا عرفت باطنه، والباطني هو الذي يبطن اعتقاده فلا يظهر إلا لمن يثق به. وقيل في معنى الباطني أيضًا: هو الذي يزعم بأن لكلّ شيءٍ باطن وظاهر، وأن لكلّ تنزيلٍ تأويلًا. ويقصد بالعلم الباطن عند أهله: معرفة الأسرار والخفيات. والتأويل الباطن هو: "إخراج النص عن دلالته الظاهرة لمعانٍ خفية لا تتجلى إلا لخواص من الناس يتوارثون أسرارًا خاصة، ويدربون أنفسهم على الغوص في خفايا النصوص، واستخراج أسرارها من خلال خصائص روحانية للحروف والأعداد".
يقول الغزالي: "أما الباطنية فإنما لقبوا بهَا لدعواهم أَن لظواهر الْقُرْآن وَالْأَخْبَار بواطن تجرى فِي الظَّوَاهِر مجْرى اللب من القشر، وَأَنَّهَا بصورها توهم عِنْد الْجُهَّال الأغبياء صورًا جلية، وَهِي عِنْد الْعُقَلَاء والأذكياء رموز وإشارات إِلَى حقائق مُعينَة، وَأَن من تقاعد عقله عَن الغوص على الخفايا والأسرار، والبواطن والأغوار، وقنع بظواهرها مسارعًا إِلَى الاغترار؛ كَانَ تَحت الأواصر والأغلال، مُعنى بالأوزار والأثقال".
ثانيًا: الغنوصية:
الغنوص لفظة يونانية معناها المعرفة خاصة في أمور الفلسفة والدين، ويقصد بها اصطلاحًا: معرفة كشفية إشراقية تصل إلى المعارف العليا مباشرة دون استدلال أو نظر، فهي إدراك حدسي للحقيقة الروحانية. وهذا المصطلح -الغنوصية- "يدل على طريقة سرية باطنية، تسعى إلى معرفة الحقيقة، وتعدها غاية الوجود، وطريق الخلاص فيها".
ومما سبق يتبين أن الباطنية والغنوصية كلمتان لمدلول واحد وهو: أن الوصول إلى المعرفة الباطنية هو الغاية المنشودة، وأن الوصول إليها عبر التأويل الباطني أو الغنوص يكون بعد التحرر من الماديات بذوق خاص ومجاهدات، كالجوع والعطش والسهر وغيرها من المجاهدات؛ فتنكشف له الغيبيات ويصل إلى الحقيقة القطعية، وذلك هو الذي يسمونه الإشراق، وهو متاح بهذه الطريقة لكل أحد، وليس قاصرًا على الأنبياء! بل يقوم ذلك على تتبع نصوص وأسرار الكتب المتوارثة من الحكماء العارفين، أو بعد دراسة "كتب الحكمة" وعلى رأسها: كتاب "الفيدا" عند الهندوس، وكتاب "القبالة" وكتاب "زهر" عند باطنية اليهود، وكتاب "الجفر" عند الرافضة، وغيرها من الكتب. وهذا الذي تقوم عليه أفكار وعقائد "حركة العصر الجديد".
في "حركة العصر الجديد" أخذت طرق ومجاهدات التحرر من الماديات أو من العقل والحس؛ بغية الوصول للصفاء النفسي الذي يتبعه الإشراق ومعرفة الحقيقة القطعية؛ أخذت طرقًا وأشكالًا باطنية جديدة، منها: التنويم المغناطيسي، والتنويم الإيحائي، وممارسات التأمل الارتقائي، والتنفس العميق وغيرها. وبهذا ندرك أن وصف الإسماعيلية والقرامطة والدروز وغيرها من الفرق بالباطنية والغنوصية القديمة ليس على سبيل القصر، بل الباطنية فلسفة تتلون وتتجدد عبر العصور بأشكال ومذاهب مختلفة، ومنها "حركة العصر الجديد".