الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حدث في مثل هذا الأسبوع (25 جمادى الأولى -2 جمادى الآخرة )

حدث في مثل هذا الأسبوع (25 جمادى الأولى -2 جمادى الآخرة )

حدث في مثل هذا الأسبوع (25 جمادى الأولى -2 جمادى الآخرة )

وفاة علامة الشام محمد بهجة البيطار 30 جمادى الأولى 1396هـ(1976م):
الشيخ محمد بهجة البيطار الدمشقي أحد رواد الإصلاح الديني والتربوي في الشام والجزيرة العربية، عالم فقيه، ومصلح أديب، ومؤرخ محقق، ولغوي أريب، وخطيب بليغ.
تنقل في وظائف التدريس في سورية والحجاز ولبنان، ودرّس في الكلية الشرعية بدمشق، وفي دار المعلمين العليا، ثم في كلية الآداب، وبعد التقاعد قصر نشاطه على المحاضرات الجامعية والتدريس الديني.
أتيح للشيخ زيارة الحجاز عدة مرات، وزار العراق والكويت ومصروفلسطين والأردن وباكستان والهند وروسيا وأمريكا وكندا، وذلك لحضور بعض المؤتمرات، وإلقاء بعض المحاضرات.
وكان البيطار عضواً عاملاً في المجمع العلمي العربي بدمشق سنة ١٩٢٣م، وانتخب عضواً مراسلاً للمجمع العراقي سنة ١٩٥٤م، كما كان عضواً في جمعية العلماء، ثم في رابطة العلماء في دمشق.
نشأته
ولد الشيخ بدمشق في أسرة دمشقية عريقة، جدها الأعلى من الجزائر.
ولد بتاريخ 2 رمضان 1311هـ (1894م) في دمشق وتلقى علومه الأولية في مدارسها فدرس المرحلة الابتدائية في المدرسة الريحانية والإعدادية في المدرسة الكاملية والتي أسسها الشيخ كامل القصاب -رفيق الشيخ المجاهد عز الدين القسام-، ثم تابع دراسته على والده وجده وشيوخ دمشق.
كان والده من شيوخ دمشق، نشأ في حجره، وتلقى عليه مبادئ علوم الدين واللغة، كما درس على يد جده وعلى يد أعلام عصره، مثل: جمال الدين القاسمي، محمد الخضر حسين، محمد بن بدر الدين الحسني.
وتعلم الفرنسية في المدرسة العيزرية النصرانية على يد المسيو موريس، والذي أسلم فيما بعد على يد الشيخ بهجة، وأصبح الأستاذ عبد الله الريحاني.
يقول الشيخ بهجة البيطار عن شيوخه والبيئة التي عاش فيها؛ فيقول: "أستاذنا الجليل الشيخ محمد الخضر حسين، عَلَمٌ من أعلام الإسلام، هاجر إلى دمشق في عهد علامتي الشام المرحومين: جدي عبد الرزاق البيطار، وأستاذي الشيخ جمال الدين القاسمي؛ فاغتبطا بلقائه، واغتبط بلقائهما، وكنا نلقاه، ونزوره معهما، ونحضر مجالسه عندهما، فَأُحْكِمَتْ بيننا روابط الصحبة والألفة والود من ذلك العهد."
وكان تأثره بالشيخ جمال الدين القاسمي كبيراً والذي لازمه آخر ثلاث سنوات من حياته، قال عاصم البيطار ولد الشيخ بهجة:
" وكان والدي ملازماً للشيخ جمال الدين، شديد التعلق به، وكان للشيخ - رحمه الله - أثر كبير، غرس في نفسه حب السلفية ونقاء العقيـدة، والبعد عن الزيف والقشور، وحسن الانتفاع بالوقت والثبات على العقيدة، والصبر على المكاره في سبيلها، وكم كنت أراه يبكي وهو يذكر أستاذه القاسمي"
حياته العملية
- تولى البيطار الخطابة والتدريس في جامع القاعة بحي الميدان وعمره (16) سنة، خلفاً لوالده، ثم تولى الخطابة والتدريس في جامع كريم الدين الشهير بالدقاق، خلفاً لخاله.
وجامع الدقاق هو مسجد الحي التي تسكنه أسرة البيطار، والذي توارث فيه آل البيطار الإمامة والخطابة فيه لأكثر من مائة عام.
- سافر الشيخ للحجاز وحضر مؤتمر العالم الإسلامي في مكة المكرمة عام 1345هـ، وأبقاه الملك عبد العزيز فجعله مديراً للمعهد العلمي السعودي في مكة وهوأول مؤسسة تعليمية سعودية، استقدم الشيخ البيطار للتدريس فيه أساتذة من سوريا ومصرويتكون من قسمين نهاري وليلي، وتشمل المواد التي تدرس فيه علوم الدين واللغة العربية والحساب والهندسة والأخلاق واللغتين الفرنسية والإنجليزية وغيرها فبقي مديرا له عدة سنوات، ثم ولاه القضاء، فاشتغل به مدة ثم استعفاه، فولاه وظائف تعليمية، وجعله مدرساً في الحرم وعضو هيئة مراقبة التدريس في الحرم، وعضواً في مجلس المعارف ثم رجع إلى دمشق سنة 1350هـ.
- وفي عام 1353هـ دعي لتدريس العلوم الشرعية والأدبية في كليتي المقاصد الخيرية للبنين والبنات في مدينة بيروت، وفي نفس السنة طلبت منه وزارة المعارف التدريس بثانوية البنات ودار المعلمات بدمشق، فكان يسافر عصر الجمعة لبيروت، ويعود منها مساء الثلاثاء من كل أسبوع، وكان يستغل مكوثه في السيارة والقطار بين بيروت ودمشق لإكمال المراجعة والتصحيح لكتاب "قواعد التحديث" لشيخه جمال القاسمي.

- ثم دعي الشيخ للحجاز لإنشاء دار التوحيد في الطائف في عام 1363هـ، فمكث 3 سنوات في الحجاز، ثم عاد إلى دمشق فعهدت إليه جامعة دمشق في عام 1947م تدريس مادتي التفسير والحديث في كلية الآداب.
- وفي سنة ١٩٥٣م أُحيل للتقاعد، لكنه بقي يلقي بعض المحاضرات في التفسير في كلية الشريعة، واستمر يدرس ويخطب الجمعة بمسجد الدقاق، وإلقاء الأحاديث الدينية والاجتماعية في الإذاعة السورية، بالإضافة لنشاطه الكبير لخدمة المجمع العلمي بإلقاء المحاضرات والإشراف على مجلة المجمع العلمي ومطبوعاته حتى وفاته.
- وتقديرا للشيخ ومكانته التربوية فقد تم استدعاؤه للرياض من قبل الملك سعود بن عبد العزيز سنة 1961م للمشاركة في مشاورات تأسيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، قدم خلالها تصوره والمنهج المقترح للجامعة.
من تلاميذه
الشيخ الأديب علي الطنطاوي، وعميد مجمع اللغة العربية عز الدين التنوخي، والشيخ عبد القادر الأرناؤوط، والشيخ محمد نسيب الرفاعي، والشيخ الألباني حيث كان يحضر دروسه مع عدد من أساتذة المجمع العلمي بدمشق، وكان الشيخ البيطار من الذين اقترحوا تخريج أحاديث كتاب «منار السبيل» وهو من أهم كتب الحنابلة، فخرجه الشيخ الألباني في كتابه العظيم "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل".
يقول الشيخ الأديب علي الطنطاوي عن شيخه البيطار:"كنا عند الشيخ بهجت البيطار كأننا في بيوتنا، إن جعنا طلبنا الطعام، وإن نعسنا ذهبنا إلى الغرفة الأخرى لننام، وإن أنسنا قعدنا، وإن استعجلنا استأذنا فانصرفنا، وهو في الحالات كلها مشرق الوجه باسم الثغر لين القول يتحرك لسانه ما بين ترحيب بنا أو كلام نافع لنا".
ويقول "لقد وجدت أن الذي أسمعه منه يصدم كل ما نشأت عليه، فقد كنت في العقائــد على ما قرره الأشاعرة والماتريدية، وهو شيء يعتمد في تثبيت التوحيـد من قريب أو بعيد على الفلسفة اليونانية، وكنت موقناً بما ألقوه علينا، وهو أن طريقة السلف في توحيد الصفات أسلم، وطريقة الخلف أحكم، فجاء الشيخ بهجة يقول: (بأن ما عليه السلف هو الأسلم، وهو الأحكم)... وكنت نشأت على النفرة من ابن تيمية والهرب منه؛ بل وبغضه، فجاء يعظمه لي، ويحببه إليّ، وكنت حنفياً متعصباً للمذهب الحنفي، وهو يريد أن أجاوز حدود التعصب المذهبي، وأن اعتمد على الدليل، لا على ما قيل... وتأثرت به، وذهبت مع الأيام مذهبه مقتنعاً به، بعد عشرات من الجلسات والسهرات في المجادلات والمناظرات... ) (رجال من التاريخ لعلي الطنطاوي)

وذكَر الشيخ عبد الله خياط رحمه الله إمام الحرم الأسبق، حِرْصَ الشيخ بهجت البيطار رحمه الله عندما كان يدرّسهم في المعهد العلمي السعودي على إتقان اللغة العربية والحديث بها ارتجالاً، ففي مادة المطالعة والإنشاء، كان يطلب من الطلاب أن يقفوا على منصّة الفصل واحداً تلو الآخر للتحدث عن موضوعات محددة مسبقاً، وكان لذلك فائدة كبيرة للطلاب، حتى إن أحد الطلاب الإندونيسيين أضحى طليق اللسان بارعاً في الخطابة والوعظ، ولاريب أن الارتجال أمام الناس يحتاج مِراناً وتدريباً."لمحات من الماضي".

مؤلفاته:
تنوعت مؤلفات البيطار في مسائل الفقه والشريعة، وقد ترك عدة مؤلفات قيمة منها:
- ا لإسلام والصحابة الكرام بين السنَّة والشيعة.
- نقد عين الميزان.
- تفسير سورة يوسف " حيث أكمل التفسير الذي بدأه السيد رشيد رضا مع التقديم له".
- حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.
- المعاملات في الإسلام وتحقيق ما ورد في الربا " وقد بدأه محمد رشيد رضا وأكمله البيطار ووضع مقدمته "
- الرحلة النجدية الحجازية.
- كلمات وأحاديث.
- رسالة «الكوثري وتعليقاته».
- رسالة «نظرة في "النفحة الزكية في الرد على الوهابية"».
- بحث "الاشتقاق والتعريب".
- بحث "الإنجيل والقرآن في كفتي الميزان".
- بحث «حجة الإسلام أبي حامد الغزالي»
وله تحقيقا أو تعليقا:
- مسائل الإمام أحمد: أبو داود "تعليق"
- أسرار العربية: لابن الأنباري "تحقيق"
- «الموفي في النحو الكوفي» - لصدر الدين الكنغراوي "تحقيق"
- كتاب «البخلاء» للجاحظ تحقيق بالاشتراك.
- "قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث" محمد جمال الدين القاسمي "تحقيق وتعليق".
- "حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر" لجده عبد الرزاق البيطار "تحقيق وتقديم".
- الفضل المبين على عقد الجوهر الثمين، وهو شرح الأربعين العجلونية تأليف جمال الدين القاسمي "تقديم وتحقيق".
وفاته
توفي الشيخ البيطار يوم السبت 30 جمادى الأولى 1396هـ، الموافق 29 مايو 1976م في دمشق إثر مرض لم يمهله طويلا، فصلي عليه في مسجد الدقاق الذي أمّ فيه وخطب أكثر من ستين عاماً، وشيعه خلق كثير، رحمه الله في عليين واعلى درجته يوم الدين.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة