الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تدابير نبوية للحيلولة دون وقوع الطلاق 1-2

تدابير نبوية للحيلولة دون وقوع الطلاق 1-2

 تدابير نبوية للحيلولة دون وقوع الطلاق 1-2

دائرة الاهتمام بالأسرة في الإسلام من أوسع المجالات حضورا في نصوص الكتاب والسنة، وإن كانت السنة النبوية أوسع تفصيلا، ففيها من التوجيهات التي تحث على إنشائها، والحفاظ عليها من أسباب الخلاف، والتدابير التي جاءت فيها للحيلولة دون وقوع الطلاق، ومجموع تلك التوجيهات من أسباب الاستقرار والديمومة في العلاقة الزوجية، والحاجة إليها ماسة في ظل تزايد حالات الطلاق في كثير من المجتمعات.
1. نظرة السنة للطلاق:
مع أن الشريعة أباحت الطلاق، لكنه غير مرغب به عند استقامة حال الزوجة؛ لما يؤول إليه من مفاسد على المرأة وعلى الأولاد، قال الإمام النووي في شرحه على مسلم عند قوله صلى الله عليه وسلم «إن شاء أمسك وإن شاء طلق» يقول: فيه دليل على أنه لا إثم في الطلاق بغير سبب، لكن يكره للحديث المشهور في سنن أبي داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أبغض الحلال إلى الله الطلاق».

وفي السنة ما يدل على التنفير من الطلاق من خلال الروايات التي تؤكد أن الطلاق من اتباع خطوات الشيطان، وأن الإغراء به عمل محبب إلى الشياطين، ففي صحيح مسلم عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت» قال الأعمش: أراه قال: «فيلتزمه».

وهكذا نجد أن في السنة النبوية تضييقا لفرص الطلاق ما أمكن، كما في النهي عن الطلاق حال الحيض، أو في حال طهر جامعها فيه، وإنما ينتظرها حتى تطهر أو يتبين حملها من عدمه، وفي ذلك مقصد لتأخير قرار الطلاق، فربما زالت الخصومة، وهدأ الغضب، وعدل الزوج عن قرار الطلاق أصلا، كما في الصحيحين أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أخبره: أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها، فتلك العدة كما أمر الله عز وجل» .
2. الاهتمام وعدم الاهمال:

من أسباب الاستقرار في الزواج الاهتمام والقيام بالحقوق، فربما أدى الإهمال في أوقات كثيرة إلى الطلاق، وإنهاء العلاقة بين الزوجين، ولذلك جاء في السنة ما ينهى عن الإهمال للزوجة ولو كان الباعث عليه هو التعبد بالنوافل والمستحبات، وغيره من باب أولى، ففي الصحيحين عن أبي جحيفة، قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمانُ أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما، فقال: كُلْ؟ قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نَمْ، فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نم، فلما كان من آخر الليل قال: سلمان قم الآن، فصليا فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدق سلمان».

فإهمال الزوجة، وعدم الاهتمام بحقوقها المادية والمعنوية من أسباب الشقاق المؤدي إلى الطلاق، وتصرم حبل الزوجية، وفي الهدي النبوي الكريم ما يطول إيراده في الاهتمام بزوجاته عليه الصلاة والسلام، وتفقد الأحوال، وإدخال الأنس والفرحة على قلوبهن.
3. مراعاة طبيعة المرأة:

أضافت السنة النبوية مفهوما خاصا للتعامل مع المرأة يسترشد به الزوج في التعامل معها، فكما أن للرجل طبيعة خلقية يجب مراعاتها في التعامل معه، فكذلك المرأة لها خصائصها وسماتها، ومراعاة ذلك يؤدي إلى التعامل الأمثل بين الزوجين، فلا يطلب منها ما يتجاوز قدراتها، ولا ما لا تحتمله طبيعتها وفطرتها وروحها وعاطفتها، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء».

فقد قضت إرادة الله بأن تخلق حواء بعد آدم بخصائص نفسية وجسمانية مختلفة تناسب طبيعتها والوظيفة التي خلقت لها، وليس في هذا تهوين من شأن المرأة، بل إن كمال أنوثتها في بقاءها على خلقتها وطبيعتها، وكمال التعامل معها بمراعاة ذلك، وهذا يحد من كثرة الخلافات، ومن ثم يحد من فرص الطلاق، فالزوج الذي يؤمن بهذا البعد النبوي الوارد في الحديث أكثر وعيا ورشدا في التعامل مع المرأة وأكثر استيعابا لأخطائها وتصرفاتها.

ونذكر مثالا عمليا من التعامل النبوي الذي يراعي طبيعة المرأة، ولا سيما في المواطن التي يظهر فيها اعوجاج المرأة كغيرتها من ضرتها، ومن الكمال النبوي استيعاب تلك المواقف مهما كانت مجانبة للصواب، ففي صحيح البخاري عن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: «غارتْ أمُّكم» ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت.

فهذا الموقف لو حصل في بعض البيوت اليوم لأخذت الزوجَ العزةُ أمام ضيوفه، ورأى أن ذلك تعدٍّ على رجولته، وربما انتهى الأمر بالطلاق، ولكن نعود ونقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أكمل الخلق خُلقا، وأتمهم رجولة وكرامة، وقد تصرف بما يليق بكماله، فلم يستحق الموقف أكثر مما فعل عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك أسوة حسنة للأزواج في حسن التعامل مع الزوجة في العسر واليسر، والغضب والرضا.

4. تغيير النظرة السلبية لمكانة المرأة:

لا يزال بعض الرجال يتعامل مع المرأة بعقلية جاهلية، وعادات لا تتصل بالإسلام من قريب ولا بعيد، بل تتقاطع مع ما جاء به الإسلام من تكريمها ورفع مكانتها، وهذا من أهم الأسباب التي تقضي على رباط الزوجية؛ لما ينتج عنه من تصرفات مقيتة نابعة من تلك الرواسب الجاهلية، وقد جاء الإسلام بتصور جديد للنظر للمرأة على أساس الشراكة التكاملية بينها وبين الرجل، ففي صحيح البخاري عن عمر ابن الخطاب أنه قال: «كنا في الجاهلية لا نَعُدُّ النساء شيئا، فلما جاء الإسلام وذكرهن الله، رأينا لهن بذلك علينا حقا».

وفي سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما النساء شقائق الرجال».

والمواقف النبوية التي تشير إلى كمال التعامل النبوي مع المرأة، وحفظ مكانتها ما لا يقع تحت الحصر، فقد كان عليه الصلاة والسلام يتعامل مع زوجاته بغاية الإكرام، بما لا يدع مجالا للشك بكمال المرأة في التصور النبوي الراقي.

ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه وهو يحكي وليمة النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج بصفية، فقال: « فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحوي لها وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره، فيضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب».

فهذا التعامل ينتج الوئام والمودة، ويقلل من حوادث الطلاق، ولو تمثل المسلمون الهدي النبوي في تكريم المرأة، والنظر إلى اختلاف الخلق بين الذكر والأنثى على أنه تنوع تكاملي لا تفاضلي، وأن في الذكر نقصا لا يكتمل إلا بالأنثى، وفي الأنثى نقص لا يكتمل إلا بالذكر، لما توسعت الخلافات التي أدت إلى انهيار منظومة الأسرة في بعض المجتمعات.
5. الوفاء بشروط عقد النكاح:

من التدابير التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي تعتبر من التدابير النافعة للحيلولة دون وقوع الطلاق هو قضية الوفاء بشروط عقد النكاح، وعدم الالتفاف على ما تم التوافق عليه من شروط حال العقد، فهي شروط لها أهميتها في السنة النبوية، ولذلك جاء التنويه بها.

ففي الصحيحين عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحقَّ الشروط أن يوفى به، ما استحللتم به الفروج».

فالمرأة قد تشترط على الزوج شروطا لا تخالف مقتضى العقد، ولها مصلحة مقصودة في ذلك، ويوافق الزوج على شروطها حال العقد، ثم لا يفي بما التزم به، فتبدأ بعد ذلك سلسلة الخلاف والنزاع بينهما، وفي أحيان كثيرة يصل الحال إلى الطلاق، ولذلك جاءت السنة بحث الأزواج على أخذ شروط النكاح بأعلى سلم الأولوية، فهي أحق الشروط بالوفاء.

وهذه نماذج سريعة لما أشارت إليه السنة النبوية من التدابير الوقائية دون وقوع الطلاق، وتقليل فرص الخلاف قبل وقوعه، وحسن احتوائه بعد وقوعه، ومن يتتبع في السنة النبوية في هذا الموضوع سيجد الكثير من ذلك.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة