الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدعاء وأثره في نصر الدعوات

الدعاء وأثره في نصر الدعوات

الدعاء وأثره في نصر الدعوات

حين تشتد بك الخطوب، وتحيط بك الكروب، وتظلم أمام عينيك الدنيا.
حين يضيق الأمر، وتستحكم عليك حلقاته، ولا تجد لك مخرجًا.
حين يتبدل الحال، ويقل المال، وتكثر النفقات، وتتراكم على رأسك الطلبات، ولا تجد معك ما تؤدي به الحقوق والواجبات.
حين تتبدل الحقائق، وتنتكس الفِطَر، ويُهزأ بالقيم، وتُحارب الفضائل، وتمتدح الرذائل.
حين يتكالب الناس على أهل العلم والدين، فيُلجؤونهم إلى ركن ضيق في مكان مظلم مغلق.
حين يعلو الباطل وينتشر وينتفش، وينخفض الحق ويستخزي وينكمش.
حين يحدث ذلك فيضيق له صدرك، وتلتاع له نفسك فاجأر إلى الله بالدعاء فإنه لا مخرج ولا ملجأ إلا في الدعاء.

فالدعاء نعمة كبرى، ومنحة عظمى، تفضل الله بها على عباده، وجاد بها عليهم حين أمرهم به وحثهم عليه، ووالى إحسانه فوعدهم عليه الإجابة، وعلَّقها به، وسيَّرها في ركابه؛ فمتى وُجِد الدعاء فالإجابة معه، كذلكم قال الله وقضى في كتابه العزيز: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداعِ إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}، وقال جل قائلاً عليمًا: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}، ولذلك كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يقول: "إني لا أحمل هم الإجابة، ولكني أحمل هم الدعاء".

فالموفق من وفقه الله للدعاء، وفتح عليه أبوابه، ويسر له سبله وأسبابه، ووجه قلبه إليه، وحرك لسانه به، والمخذول من خذله الله فأعرض عن الدعاء كبرًا أو جهلاً بقدره، أو غفلة أو نسيانًا {نسوا الله فنسيهم}.

والخلق كلهم محتاجون إلى الدعاء أشد من حاجتهم للماء والهواء، مفتقرون إليه افتقار السمك للماء، لا غنى لأحدهم عنه طرفة عين، لا في وقت من الأوقات ولا في حال من الأحوال: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد}.

حاجة الدعاة للدعاء
فإذا كان هذا هو الحال مع عموم الخلق فإن الدعاة إلى الله تعالى أحوج لهذا السلاح من غيرهم لعدة وجوه:
أولا: في أنفسهم أن يصلح الله أحوالهم، وأن يربط على قلوبهم، وأن يثبت للسير على الدرب أقدامهم، فلا تغويهم الشبهات، ولا تستزلهم الشهوات، ولا يمنعهم عن السير على طريق الحق والدعوة تسلط الأعداء وكثرة العقبات، وأن يستر الله عليهم هفواتهم وزلاتهم ويغفرها لهم ليكونوا قدوة للناس ولا يسقطهم من عينه فيسقطوا من أعين الناس، وهذا باب لا ينبغي أن يغفل أمر الدعاء فيه.

ثانيا: إن طائفة كبيرة من المسلمين، ومنهم كثير من الدعاة في كثير من بقاع العالم عجزوا عن كثير من أوجه البذل مع الرغبة الشديدة في خدمة الدين، وكثير من هؤلاء لم يبق لهم من شيء ليقدموه أو جهد ليبذلوه إلا أن يبسطوا الأكف ويتضرعوا إلى القوي العزيز بنصرة الدين. وليست جهود هؤلاء الداعين بأقل من جهود من ينكر المنكر بكل جوارحه، أو من يواجه صناديد الكفر والنفاق في كل ميدان، وليست بأقل من جهود الخطباء والوعاظ وكل داعية في كل ميدان، بل هم الجنود الأخفياء الذين علامة صدقهم خفاؤهم، وكم غيرت دعوة من حال ونقلت إلى حال، وكم نفع الله بدعاء عبد ما عجزت عن إنجازه كبير من الفعال.. فلا يستصغرن أحد هذا الأمر فإن فيه ما لا يجتمع في غيره من الخير.

ثالثا: إن الدعاء في كثير من الأحيان قد يكون أمضى من السيوف، وأبلغ في نصر الدعوات وأصحابها من كثير من الجيوش، أو كالمقدمة التي لابد منها للنصر.

والمتتبع لحال الدعوات السابقة والدعاة وعلى رأسهم نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجد هذا الأمر واضحا جليا: فما من الأنبياء نبي إلا وكانت له دعوة تتعلق بدعوته وتستمطر السماء لنصرته، وكم مِن الدعاة مَن لم يكن لهم سبيل لنصرة دعوتهم إلا الدعاء، وانظر صاحب قصة أصحاب الأخدود.

وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم في يوم بدر يبيت الليلة كلها يستنزل النصر بالدعاء حتى أشفق عليه صاحبه المقرب أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، والمراقب لحاله عليه الصلاة والسلام يرى الدعاء من أعظم الجند التي كان يتقوى بها على قضاء الحوائج والنصر على الأعادي.

لو أقسم على الله لأبره
روى البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره].
وفيهما أيضا قوله عليه الصلاة والسلام: [ألا أنبئكم بأهل الجنة كل ضعيف متضعِّف لو أقسم على الله لأبره، ألا أنبئكم بأهل النار كل عتل جوّاظ متكبر].

وقد نقل أهل السير عن الأصمعي قوله: "لما صافَّ قتيبةُ بن مسلم للتُرْك وهَالَهُ أمرُهم؛ سأل عن محمد ابن واسع، فقيل: هو ذاك في الميمنة جامح على قوسه يبصبص بأصبعه نحو السماء. قال: تلك الأصبع أحب إلي من مائة ألف سيف شهير، وشاب طرير.

فما أحوج الدعوة في زماننا إلى مثل محمد بن واسع رحمه الله تشكو إلى الله غربة الدين، وتستنـزل نصره ومدده. وما أحوجنا إلى ذاك الخفي النقي التقي الضعيف المتضعف الذي لو أقسم على الله لأبره.

فحق على كل مكلف عموما، وعلى من أراد أن يخدم الدين من هذا الباب خصوصا، أن يتفقه في هذا الموضوع، ويتعلم أحكام الدعاء وآدابه وأوقاته، وأسباب الإجابة وموانعها، وما يجوز من الدعاء وما يحرم؛ وأن يجتهد أن يحصل في نفسه الإيمان والتقوى والطاعة لله رب العالمين، وأن يحقق المتطلبات القلبية بتطهير القلب من أوضار المخالفات، وتنقية النفس وتزكيتها من أدران الموبقات، وألا يطعم إلا من الحلال الطيب، وأن يتحرى المكان والزمان الأنسب ليكون أدعى للقبول وأرجى لتحقيق المأمول.
نسأل الله أن يحمي حوزة الدين، وأن يقر عيوننا بنصر الإسلام وعز المسلمين.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

خواطـر دعوية

فأما اليتيم فلا تقهر

إن مظلة العدالة في الإسلام تحمي الضعاف، وتحنو على الصغار وتحفظ حقوقهم وتنظم علاقاتهم فلا يستذل فيها ضعيف لضعفه،...المزيد