خبرعابر في السنة النبوية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سابق عائشة؛ فسبقته مرة.. وسبقها أخرى..
كان ذلك في غزو، والغزو محفوف بالمخاطر، ويقع فيه القتل.
آدم بعد الأكل من الشجرة والهبوط من الجنة استمتع بالحياة وعاشر وأنجب، وضرب في الأرض، وضحك وبكى..
إبراهيم خرج من النار فضرب في الأرض طولاً وعرضاً، وسافر بامرأته -وكانت صالحة جميلة- إلى مصر والبلد الحرام، وتسرَّى من هاجر أم إسماعيل، وكان ينتاب أهله، ويختلس وقت الفسحة ليزور ولده ويطمئن على وضعه الأسري، ويقدم له النصائح الحكيمة..
يوسف خرج من الجُبِّ، وفارق الأهل وتغرَّب، وتعرَّض للضغوط الكبيرة داخل القصر، واتُهِمَ ظلماً وسُجن دون محاكمة، وتكيَّف مع هذه الأزمات، وظل محتفظاً بهدوئه وسكينته وابتسامته وخلقه الجميل؛ قادراً على توظيف المواقف لصالح رسالته، ولم تتوقف عنده عجلة العمل والإحسان، ولم ينس اقتناص لحظات الفرح والسرور كلما سنحت.
انقلبت حياة موسى رأساً على عقب بعدما غادر مصر غريباً؛ تاركاً أماً مشفقة، وأخاً محباً، وأختاً ملتاعة، وشعباً مضطهداً يبحث عن قائدٍ أو منقذ.
وما ضاق وقته ولا تكدَّرت نفسيته عن أن يؤدي عملاً طوعياً لبنات لا يعرفهن، وفي بلدٍ لم تطأْه قدمه من قبل.
ولم يجد غضاضة أن يمضي عشر سنين من عمره المبارك يكدح من أجل مهر الزوجية.
اليوم تمر الشعوب العربية بتحولات خطيرة وأوضاع صعبة وتدخُّلات خارجية ومشكلات داخلية، وحالات تحريك لمجموعات تعد بالملايين من العرب والسنة خاصة من مواقعهم التاريخية في العراق وسوريا؛ ليتحولوا إلى مهاجرين غرباء لا يدرون متى يأذن الله لهم بالعودة إلى ديارهم.
ويتفشَّى القتل والجرأة على الدماء المعصومة في عالم كنا نظنه تجاوز هذا، وأمام وسائل الإعلام؛ التي توثق ألوان الجرائم، وتوزعها حول العالم دون اكتراث.
وتعيش الأمة مرحلة انسداد سياسي، وتراجع اقتصادي، وهزيمة نفسية.
ويعيش الشباب حالة صدمة من القدوات والرموز، وعجز عن تفسير المواقف.
وأخطر ما أجده اليوم هو غياب الحلم بالتغيير الإيجابي أو حتى الحياة الكريمة.
وجدت الكثير من أبنائنا على شفير الشك بكل شيء، حتى بالقيم والمبادئ التي تعلموها ونشؤوا عليها منذ ولادتهم.
أجيال فقدت الثقة بمن حولها وما حولها!
أقل ما يمكن تقديمه هو القرب من هؤلاء الشباب فهم ثروة الأمة ورصيدها ومستقبلها، والاستماع لأنينهم، والإنصات لنقدهم، ومنحهم الحب والأمان والاحتواء.
تبصيرهم بأن حياة الأمم والأفراد منذ فجر التاريخ تمر بمنعطفات ومآزق وآلام..
وأن الحل لا يكون باندفاعات متسرّعة؛ تزيد المعاناة، وتفاقم اليأس، وتعطي ذريعة لتدخّل الأعداء، وتفرّق الأصدقاء.
الأزمة طويلة ومديدة ولا تنحل في يوم وليلة، ولا يصلح أن نعيش نفسية المأزوم؛ الذي عطَّل فرص الحياة ومجالاتها وإيجابياتها وجمالياتها.. كلا.
هذا الهدي النبوي الحكيم هو الوصفة الصحية الجميلة لنفسياتنا؛ التي انغمست في القلق والتوتر بسبب الأحداث من حولنا، وبسبب شعورنا بالعجز عن تغيير مسارها..
جزء من الحل هو أن ننفك عن شعور الأزمة وحالة الأزمة ونفسية الأزمة، وأن نوقن أن للكون رباً يدبره، وهو أحكم وأعلم وأرحم {وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ} (104:هود)، ونحن نعجل والله لا يعجل!
جزء من الحل أن تقرأ اللُّطف في الضَّعْف، فها هي تركيا تستقبل الملايين من مهاجري العراق وسوريا بالترحاب والأريحية والإخاء، ويرفضون تسميتهم باللاجئين بل هم المهاجرون!
وكنت أظن الأمر قراراً حكومياً فإذا بي أجد الشعب التركي شريكاً أساسياً في الترحيب بالمهاجرين، ومؤيداً لاستيعابهم واحتضانهم..
وتركيا نفسها نموذج للقوة التى تحوّلت إلى ضعف، وللضعف الذي بدأ يستعيد عافيته بعد معاناة وصبر طويل.
ويسأل المؤمن في حسرةٍ أما لهذا الليل من آخر؟
من يبتغي نصراً بلا خطةٍ فما له في الأرض من ناصر
{حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} (214:البقرة).
- الكاتب:
د. سلمان العودة - التصنيف:
ثقافة و فكر